الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في القسمة
بكسر القاف اسم مصدر من قسمت الشيء جعلته أقساما، والقسم بكسر القاف النصيب المقسوم (1).
وعرفا: تمييز بعض الأنصباء عن بعض وإفرازها عنها (2).
وأجمعوا عليها (3) لقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (4)، وحديث:"إنما الشفعة فيما لم يقسم"(5) و"قسم -النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على ثمانية عشر سهما"(6)، ولحاجة الناس إليها، وذكرت في القضاء لأن منها ما يقع بإجبار
(1) ينظر: لسان العرب 12/ 478، والقاموس المحيط 4/ 164.
(2)
ينظر: التعريفات ص 223، والمطلع ص 402.
(3)
الإجماع ص 158، والإفصاح 2/ 349.
(4)
سورة النساء من الآية (8).
(5)
من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه مرفوعا: أخرجه البخاري، باب الشفعة ما لم يفسم. . .، كتاب السلم برقم (2257) صحيح البخاري 3/ 76 - 77، ومسلم، باب الشفعة، كتاب المساقاة برقم (1608) صحيح مسلم 3/ 1229.
(6)
هو جزء من حديث ورد في غزوة الحديبية وغزوة خيبر، أخرجه أبو داود، باب فيمن أسهم له سهما، كتاب الجهاد برقم (2736) سنن أبي داود 3/ 76، وأحمد برقم (15044) المسند 4/ 433، والحاكم، باب أعطي الفارس سهمين. . .، كتاب قسم الفيء، المستدرك 2/ 131، كلهم من طريق مجمع بن يعقوب، قال سمعت أبي يقول عن عمه عبد الرحمن بن =
الحاكم عليه ويقاسم بنفسه.
(والقسمة نوعان): -
أحدهما: (قسمة تراض) بأن يتفق عليها الشركاء (وهي) أي قسمة التراضي (فيما لا ينقسم إلا بضرر)، وتحرم القسمة في مشترك لا ينقسم إلا بضرر على الشركاء أو أحدهم، لحديث:"لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وغيره (1) إلا برضا كل الشركاء (أو) أي وفيما لا ينقسم إلا بـ (رد عوض) منهم أو من أحدهم؛ لأنها معاوضة بغير الرضا (كحمام ودور صغار) بحيث يتعطل الانتفاع بها أو يقل، وكشجر مفرد وأرض ببعضها بئر أو بناء ونحوه، ولا تتعدل بأجزاء ولا بقيمة (وشرط لها رضا كل الشركاء)؛ لأن فيها إما ضررا أو رد عوض، وكلاهما لا يجبر الإنسان كليه (وحكمها) أي هذه القسمة (كبيع)، فيجوز فيها ما يجوز فيه لمالك النصيب خاصة إن لم يكن محجورا كليه، ووليه إن كان كذلك لما فيه من الرد، وبه يصير بيعا لبذل صاحبه إياه عوضا عما حصل له من حق شريكه، وهذا هو البيع فلا يفعلها الولي إلا إن رآها مصلحة وإلا فلا كبيع عقار موليه.
(ومن دعا شريكه فيها) أي قسمة التراضي (وفي شركة نحو عبد وسيف وفرس إلى
= يزيد، عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري قال: شهدنا الحديبية. . . وفيه (فقسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما). قال الحاكم: "هذا حديث كبير صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
(1)
سبق تخريجه ص 920.
بيع أو إجارة أجبر) شريكه على البيع معه أو الإجارة (فإن أبى) أي امتنع شريكه من بيع معه أو إجارة (بيع أو أو جر عليهما) أي باعه أو أجره حاكم، (وقسم ثمن أو أجرة) بينهما على قدر حصتيهما نصا (1)، والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص القيمة بها سواء انتفع به أو لا؛ لأن نقص قيمته ضرر وهو منتف شرعا، ومن بينهما عبيد أو ثياب أو بهائم ونحوها فطلب أحدى هما قسمها أعيانا بالقيمة وأبى شريكه أجبر الممتنع إن تساوت القيم، لحديث عمران بن حصين:"أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين، وأرق أربعة"(2)، وهذه قسمة لهم، ولأنها أعيان أمكن قسمها بلا ضرر ولا رد عوض أشبهت الأرض، ومن بينهما أرض مزروعة فطلب أحدهما قسمها دون زرع وأبى الآخر أجبر وقسمت كخالية، وإن طلب القسم على الأرض مع الزرع أو طلب قسم الزرع دونها لم يجبر الممتنع، فإن تراضيا على قسم الأرض مع الزرع أو الزرع وحده والزرع قصيل (3) لم يشتد حبه جاز أو قطن جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما ولا محذور لجواز التفاضل إذن
(1) ينظر: الإفصاح 2/ 350، وكتاب الفروع 6/ 505، والمبدع 10/ 121، والإنصاف 29/ 48، وغاية المنتهى 3/ 346، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. الاختيارات ص 597.
(2)
سبق تخريجه في كتاب العتق ص 192.
(3)
القصل: القطع، يقال: قصله إذا قطعه والقصيل: ما اقتصل -أي قطع- من الزرع أخضر والجمع قصلان، والقصلة: الطائفة المقتصلة منه.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 93، ولسان العرب 11/ 577 - 558، والقاموس المحيط 4/ 37.
والمراد بالقطن إذا لم يصل إلى حال يكون فيها موزونا وإلا فكالحب المشتد، وإن كان الزرع بذرا أو سنبلا مشتد الحب فلا يجوز لهما ذلك؛ لأنه بيع حب بحب مع الجهل بالتساوي فهو العلم بالتفاضل، وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين ماء فالنفقة على ذلك لحاجة بقدر حقهما والماء بينهما على قدر ما شرطاه عند الاستخراج لحديث:"المسلمون على شروطهم"(1) لأنه تملك مباح فكان على ما شرطاه كما لو اشتركا في اصطياد واحتشاش، وإن كان الملك والنفقة بينهما نصفين لم يصح التفاضل في الماء ولهما قسمته بمهايأة بزمن (2) أو بنصب خشبة أو حجر مستوفي مصطدم الماء فيه ثقبان بقدر حقيهما، ولكل من الشريكين سقي أرض لا نصيب لها من الماء بنصيبه منه؛ لأنه ملكه فيفعل به ما شاء.
(و) النوع (الثاني) من نوعي القسمة: (قسمة إجبار، وهي: ما لا ضرر فيها) عمى أحد الشركاء (ولا رد عوض) من واحد على غيره، سميت بذلك لإجبار الممتنع إذا كملت شروطه، (كمكيل) من جنس واحد، كحبوب ومائع وتمر وزبيب ولوز وفستق وبندق ونحوه مما يكال من الثمار، وكذا أشنان ونحوه، (و) كـ (موزون من جنس واحد) كذهب وفضة ونحاس ورصاص ونحوه، (و) كـ (دور كبار) ودكاكين وأرض وبساتين واسعة ولو لم تتساو أجزاؤها إذا أمكن قسمها بالتعديل (فيجبر شريك) أي يجبره الحاكم (أو) يجبر (وليه) إن كان محجورا عليه (عليها) أي قسمة
(1) سبق تخريحه ص 182.
(2)
كيوم ويوم مثلا.
الإجبار.
ويشترط لإجبار الحاكم على القسمة ثلاثة شروط: -
1 -
ثبوت ملك الشركاء.
2 -
وثبوت أن لا ضرر فيها.
3 -
وثبوت إمكان تعديل السهام في المقسوم بلا شيء يجعل معها وإلا فلا إجبار لما تقدم.
(ويقسم حاكم على غائب) منهما (بطلب شريك) للغائب (أو وليه) أي ولي شريك الغائب إن كان محجورا عليه، ومن دعى شريكه في بستان إلى قسم شجره فقط لم يجبر؛ لأن الشجر المغروس تابع لأرضه غير مستقل بنفسه، ولهذا لا تثبت فيه شفعة إذا بيع بدون الأرض، وإلى قسم أرضه أجبر ودخل الشجر تبعا، ومن بينهما أرض في بعضها نخل وفي بعضها شجر غيره أو بعضها يشرب سيحا (1) وبعضها بعلا (2) وطلب أحدهما قسمة كل عين على حدة وطلب الآخر قسمتها أعيانا بالقيمة قدم
(1) السيح: الماء الجاري على وجه الأرض، وجمعه سيوح، أصله من ساح يسيح سيحا وسيحانا: إذا جرى على وجه الأرض.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 120، والمحيط 3/ 167، ولسان العرب 2/ 492، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 112، ومعجم لغة الفقهاء ص 252.
(2)
البعل: الأرض المرتفعة التي لا يصيبها مطر إلا مرة واحدة في السنة، وقيل: لا يصيبها سيح ولا سيل، والبعل من الشجر: ما يشرب الماء بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 264، ولسان العرب 11/ 57، والقاموس المحيط 3/ 335.
من طلب قسمة كل عين على حدة إن أمكن تسوية في جيده ورديئه، وإلا قسمت أعيانا بالقيمة إن أمكن التعديل بالقيمة، وإلا يمكن التعديل بها فأبى أحدهما لم يجبر لعدم إمكان تعديل السهام الذي هو شرطها.
(وهذه) أي قسمة الإجبار (إفراز) حق الشريك من حق الآخر وليست بيعا لمخالفتها له في الأحكام والأسباب كسائر العقود، ولو كانت بيعا لم تصح بغير رضى الشريك، ولوجبت فيها الشفعة، ولما لزمت القرعة، فيصح قسم لحم هدي وأضاح ولو لم يصح بيع شيء منها، ولا يصح قسم رطب من شيء ربوي بيابسه، ويصح قسم ثمر يخرص خرصا وقسم ما يكال من ربوي وغيره وزنا وعكسه وإن لم يقبض بالمجلس.
ويصح قسم مرهون وموقوف ولو على جهة واحدة في اختيار صاحب "الفروع"(1) بلا رد عوض من أحد الجانبين؛ لأن العوض إنما يرده من يكون نصيبه أرجح في مقابلة الزائد، فهو اعتياض عن بعض الوقف كبيعه، ولا يحنث بالقسمة من حلف ألا يبيع؛ لأن هذه القسمة ليست بيعا، ومتى ظهر فيها غبن فاحش بطلت لتبين فساد الإفراز، ولا شفعة في نوعيها؛ لأنها لو ثبتت لأحدهما على الآخر لثبت للآخر عليه فيتنافيان وينفسخان بعيب ظهر في نصبب أحدهما، ويصح أن يتقاسما بأنفسهما، وأن ينصبا قاسما بأنفسهما، وأن يسألا حاكما نصبه؛ لأن الحاكم أعلم بما يصلح للقسمة، فإذا سألوه إياه وجبت عليه أجابتهم لقطع النزاع بين المشتركين.
(1) 6/ 508.
(وشرط كون قاسم) نصبه حاكم (مسلما عدلا) ليقبل قوله في القسمة (عارفا بالقسمة) ليحصل منه المقصود؛ لأنه إذا لم يعرف ذلك لم يكن تعيينه للسهام مقبولا، كحاكم يجهل ما يحكم به لا حريته فتصح قسمته ولو عبدا (ما لم يرضوا بغيره) أي غير المسلم العدل العارف بالقسمة، فإن تراضوا بغيره جاز كقسمهم بأنفسهم، (ويكفي) قاسم (واحد) حيث لم يكن في القسمة تقويم لأنه كالحاكم، (و) لا يكفي (مع تقويم) إلا (اثنان)؛ لأنها شهادة بالقيمة فاعتبر النصاب كباقي الشهادات.
وتباح أجرة قاسم؛ لأنها عوض عن عمل لا يختص أن يكون فاعله من أهل القربة، وتسمى أجرة القاسم القسامة -بضم القاف- ذكره الخطابي، وهي على الشركاء بقدر أملاكهم نصا (1)، ولو شرط خلافه فالشرط لاغ، ولا ينفرد بعضهم باستئجار قاسم.
(وتعدل السهام) أي سهام القسمة يعدلها قاسم (بالأجزاء) أي أجزاء المقسوم (إن تساوت وإلا) فـ (بالقيمة) إن اختلفت كالمكيلات والموزونات والأرض التي ليس بعضها أجود من بعض ولا بناء بها ولا شجر سواء استوت الأنصباء أو اختلفت، (أو) تعدل السهام بـ (الرد إن اقتضته) أي الرد بأن لم يمكن تعديل السهام بالأجزاء ولا بالقيمة، فتعدل بالرد بأن يجعل لمن يأخذ الرديء أو القليل دراهم على من يأخذ الجيد والأكثر، (ثم يقرع) بين الشركاء لإزالة الإيهام، فمن خرج له سهم صار له، وكيف
(1) المغني 14/ 115، والمحرر 2/ 217، وكتاب الفروع 6/ 513، والإنصاف 29/ 85 - 86، وغاية المنتهى 3/ 449.
أقرع جاز، قال في رواية أبي داود:"إن شاء رقاعا وإن شاء خواتيم". (1) يطرح ذلك في حجر من لم يحضر، ويكون لكل واحد خاتم معين ثم يقال: أخرج خاتما على هذا السهم فمن خرج خاتمه فهو له، وعلى هذا لو أقرع بالحصى وغيره جاز، والأحوط كتابة اسم كل شريك برقعة تدرج في بنادق من طين أو شمع متساوية قدرا وحجما ووزنا، ويقال لمن لم يحضر ذلك: أخرج بندقة على هذا السهم، فمن خرج اسمه عليه فهو له، ثم كذلك الثاني والثالث وغيره إن كان، وإن اختلفت سهامهم كنصف وثلث وسدس جزئ مقسوم بحسب أقل السهام، وهو هنا ستة، ولزم إخراج أسماء الشركاء على السهام، فيكتب باسم رب النصف ثلاث رقاع وباسم رب الثلث ثنتان وباسم رب السدس رقعة بحسب التجزئة، ثم يخرج بندقة على أول سهم، فإن خرج اسم رب النصف أخذه مع ثان وثالث يليانه، ويخرج القرعة الثانية على السهم الرابع، وإن خرج اسم رب الثلث أخذه مع سهم ثان يليه والباقي لرب السدس، وإن خرجت القرعة ابتداء لرب السدس أخذ السهم وحده، وإن خرجت لرب الثلث أخذه مع ما يليه ثم يقرع بين الأخيرين كذلك والباقي للثالث، وإنما لزم إخراج الأسماء على السهام؛ لأنها إذا خرجت قرعة فيها اسم الثاني لصاحب السدس وأخرى لصاحب النصف أو الثلث فيها السهم الأول احتاج أن يأخذ نصيبه متفرقا فيتضرر بذلك.
ثم إن القسمة أربعة أقسام: -
(1) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ص 217.
أحدها: أن تتساوى السهام وقيمة الأجزاء.
الثاني: أن تختلف السهام وتتساوى قيمة الأجزاء.
الثالث: أن تتساوى السهام وتختلف قيمة الأجزاء فتعدل الأرض بالقيم وتجعل أسهما متساوية القيمة ويفعل في إخراج السهام كالقسم الأول.
والرابع: أن تختلف القيمة والسهام فتعدل السهام بالقيمة وتجعل السهام متساوية القيمة وتخرج الأسماء على السهام كالقسم الثاني إلا أن التعديل هنا بالقيمة.
(وتلزم القسمة بها) أي بخروج القرعة؛ لأن القاسم كحاكم، وقرعته حكم نص عليه (1)، ولو كانت القسمة فيما فيه رد عوض أو ضرر إذا تراضيا عليها وخرجت القرعة إذ القاسم يجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته كقسمة الإجبار.
(وإن خير أحدهما) أي الشريكين (الآخر) بأن قال له: اختر أي القسمين شئت بلا قرعة ولم يكن ثم قاسم (صحت) القسمة (ولزمت برضاهما وتفرقهما) بأبدانهما كتفرق متبايعين، ومن ادعى من الشركاء غلطا أو حيفا فيما تقاسماه بأنفسهما وأشهدا على رضاهما به لم يلتفت إليه، فلا تسمع دعواه ولا تقبل بينته، ولا يحلف غريمه لرضاه بالقسمة على ما وقع، وتقبل دعواه غلطا أو حيفا ببينة فيما قسمه قاسم حاكم، وإلا تكن بينة حلف منكر الغلط؛ لأن الظاهر صحة القسمة، وكذا قاسم
(1) المغني 14/ 113، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 84، والمحرر 2/ 217، وكتاب الفروع 6/ 514، والمبدع 10/ 134، وغاية المنتهى 3/ 450.
نصباه بأنفسهما، وإن استحق بعد القسمة معين من حصتيهما على السواء لم تبطل القسمة فيما بقي إلا أن يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر، كسد طريقه أو مجرى مائه فتبطل القسمة لفوات التعديل.
ومن بنى أو غرس في نصيبه فخرج مستحقا فقلع رجع على شريكه بنصف قيمته في قسمة تراض فقط ولمن خرج في نصيبه عيب جهله إمساك مع أرش كفسخ.