المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في النذر - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٤

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌(باب النفقات)

- ‌فصل في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌(فَصْلٌ) في الحَضَانَةِ

- ‌فصل

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌(والخَطَأُ) ضربان:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في شُرُوْطِ وُجُوْبِ القِصَاصِ

- ‌فصل فى استيفاء القصاص في النفس وما دونها

- ‌(فصل)

- ‌فصل في الجراح فيما دون النفس

- ‌(فصل) في الديات

- ‌(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

- ‌فصل

- ‌(فصل) فى دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل

- ‌فصل في الشجاج وكسر العظام

- ‌فصل

- ‌(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القسامة

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌فصل

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل

- ‌فصل في التعزير

- ‌فصل في حد المسكر

- ‌فصل في القطع في السرقة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حد قطاع الطريق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حكم المرتد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في السحر وما يتعلق به

- ‌(فصل) في الأطعمة

- ‌فَصْلٌ في الذَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في شُروطِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ فِي طَرِيْق الحُكْمِ وَصِفَتِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌فصل

- ‌(فصل) في القسمة

- ‌فصل في الدعاوي والبينات

- ‌فصل

- ‌فصل في تعارض البينتين

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشَّهادةِ على الشهادةِ والرجوع عنها وأدائها

- ‌فَصْلٌ في أَداءِ الشَّهادةِ

- ‌فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ فيمَا إذا وصَلَ بإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالْمُجْمَلِ

الفصل: ‌فصل في النذر

‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

وهو لغةً: الإيجاب (1) يقال: نذر دم فلان أي وجب قتله.

وشرعًا: إلزإم مكلف مختار نفسه بعبادة للَّه تعالى (2)، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا:"لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه اللَّه" رواه أحمد (3)، ولو كافرًا نصًّا (4) لحديث عمر:"إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك"(5)، ولأن نذر العبادة ليس عبادة، ويلزم بكل قول

(1) ينظر: لسان العرب 5/ 200، والقاموس المحيط 2/ 140.

(2)

المقنع والإنصاف 28/ 168، وشرح الزركشي 7/ 194، والمبدع 9/ 324، وغاية المنتهى 3/ 392.

(3)

في المسند 2/ 383 برقم (6693): وأبو داود، باب اليمين في قطيعة الرحم، كتاب الأيمان والنذور برقم (3273) سنن أبي داود 3/ 228، والبيهقى، باب من جعل شيئًا من ماله صدقةً أو في سبيل اللَّه. .، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 67، وحسَّن الحديث الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 635.

(4)

المقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 169، والمحرر 2/ 199، وكتاب الفروع 6/ 395، والمبدع 9/ 325، وغاية المنتهى 3/ 392.

(5)

أخرجه البخاري، باب إذ نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهليَّة ثم أسلم، كتاب الأيمان والنذور برقم (6697) صحيح البخاري 8/ 120، ومسلم، باب نذر الكافر وما يفعله فيه إذا أسلم، كتاب الأيمان برقم (1656) صحيح مسلم 13/ 1277.

ص: 1035

يدل عليه فلا يختص بـ للَّه عليَّ ونحوه ولا ينعقد بغير القول كالنكاح والطلاق.

وأجمعوا على صحة النذر ولزوم الوفاء به في الجملة (1) لقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (2){وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (3)، وحديث عائشة مرفوعًا:"من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"(4).

وابتداء (النَّذْرُ مَكْرُوهٌ) لحديث: "النذر لا يأتي بخير وانما يستخرج [به](5)

(1) الإشراف 1/ 478، وصحيح مسلم بشرح النووي 11/ 96، والإفصاح 2/ 339.

وينظر: المبسوط 8/ 135، وبدائع الصنائع 5/ 81، وبداية المجتهد 1/ 422، والذخيرة 4/ 71 - 72، والأم 8/ 405، ومغني المحتاج 4/ 354، والإرشاد ص 410 - 411، والمغني 13/ 621، وكشاف القناع 6/ 273.

(2)

سورة الإنسان من الآية (7).

(3)

سورة الحج من الآية (29).

(4)

أخرجه البخاري، باب النذر في الطاعة، كتاب الأيمان والنذور برقم (6696) صحيح البخاري 8/ 119 - 120، وأبو داود، باب ما جاء في النذر في المعصية، كتاب الأيمان والنذور برقم (3289) سنن أبي داود 3/ 232، والترمذي، باب من نذر أن يطيع اللَّه فليُطعه، كتاب الأيمان والنذور برقم (1526) الجامع الصحيح 4/ 88، والنسائي، باب النذر في الطاعة، كتاب الأيمان والنذور برقم (3806) المجتبى 7/ 17، وابن ماجة، باب النذر في المعصية، كتاب الكفارات برقم (2126) سنن ابن ماجة 1/ 687، وأحمد برقم (25349) المسند 7/ 320.

(5)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من كتب الحديث.

ص: 1036

من البخيل" (1)، وقال ابن حامد (2) وغيره: لا يَرُدُّ قَضَاءً ولا يَمْلِكُ به شيئًا مُحْدَثًا (3). قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (4)، وحرمه طائفة من أهل الحديث (5)، ونقل عبد اللَّه: نهى عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(ولا يَصِحُّ) النذر (إلا مِنْ مُكلَّفٍ)، فلا ينعقد من غير مكلف كالإقرار، (والْمُنْعَقِدُ) من النذر (ستةُ أنواعٍ): -

أحدها: النّذر (المُطْلَقِ كـ) قوله: (للَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذا)، أو إن فَعَلْتُ كذا فـ للَّه عليّ نذر (ولا نِيَّةَ) له بشيء وفعل ما علق عليه نذره

(1) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري، باب الوفاء بالنذر، كتاب الأيمان والنذور برقم (6692) صحيح البخاري 8/ 119، ومسلم، باب النهي عن النذر. . .، كتاب النذر برقم (1639) صحيح مسلم 3/ 1261.

(2)

هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان، البغدادي، أبو عبد اللَّه، إمام الحنابلة ومفتيهم في زمانه، له مصنفات في العلوم الختلفة، منها:"الجامع في الذهب" نحوًا من أربعمائة جزءٍ، و"شرح الخرقي" و"شرح أصول الدين"، توفي راجعًا من مكة سنة 403 هـ.

ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 171 - 177، وسير أعلام النبلاء 17/ 203 - 204، والمقصد الأرشد 1/ 319 - 320، والمنهج الأحمد 2/ 314 - 319.

(3)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 395، والمبدع 9/ 325، والإنصاف 28/ 169.

(4)

سورة القصص من الآية (68).

(5)

ينظر: فتح الباري 11/ 577 - 578.

ص: 1037

(فـ) عليه (كَفَّارَةُ يَمِيْنٍ إِنْ فَعَلَه)، لحديث عقبة بن عامر مَرفوعًا:"كفارة النذر إذا لم يسم كفَّارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي (1) وقال: "حسىن صحيح غريب".

النوع (الثاني: نَذْرُ لِحَاجٍ وغَضَبٍ وهُو تَعْلِيْقهُ) أي النذر (بشرطٍ يَقْصِدُ المَنْعَ من) فعلـ (ـه أو) يقصد (الحملَ عَليهِ) أي على فعله، فالأول (كـ) قوله:(إِنْ كَلَّمْتُكَ فَعَليَّ كذا) من حج أو عتق ونحو ذلك (فيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ و) بين (كَفَّارَةِ يمينٍ) لحديث عمران بن حصين قال: "سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا نذر في غضبٍ وكفَّارَتُه كفارة يَمين" رواه سعيد (2)، ولا يَضُرُّ قوله على مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يَرَى بالكفارة ونحوه؛ لأنه توكيد والشرع لا يتغير به.

النوع (الثالث: نذرُ) فِعْلٍ (مُباحٍ كـ) قوله: (للَّه عَلَيَّ أن أَلْبَسَ ثوبي) وأرْكَبَ دابتي (فيُخَيَّر أيضًا) بين فعل وكفارة يمين كما لو حلف عليه.

(1) الحديث سبق تخريجه ص 887.

(2)

أخرجه النسائي، باب كفارة النذر، كتاب الأيمان والنذور برقم (3842 - 3843) المجتبى 7/ 28، وأحمد برقم (19387) المسند 5/ 598، والبيهقي، باب من جعل فيه كفارة يمين، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 70، من طرق عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين به. وهذا إسناد ضعيف جدًا، محمد بن القبير الحنظلي متروك، قاله الحافظ ابن حجر في التقريب ص 478. وقال النسائي:"محمد بن الزبير الحَنْظَلي ضعيف لا يقوم بمثله حجةٌ، وقد اختلف عليه في هذا الحديث. . وقيل إن الزبير لم يسمع من عمران بن حصين". ا. هـ، وبهذا أعلّه البيهقي.

ص: 1038

النوع (الرابع: نذرُ) فعل (مَكرُوهٍ كـ) نذر (طَلاقٍ (1) ونحوه) كأكل ثوم وبصل، (فالتَّكْفِيرُ أولى) كما لو حلف عليه.

النوع (الخامس: نَذْرُ) فعل (مَعْصِيَةٍ كشُرْبِ خَمْرٍ) وصوم يوم عيد أو يوم حيض أو أيام تشريق، أو ترك واجب (فَيَحْرُمُ الوَفَاءُ) به، لحديث:"ومن نذر أن يعصي اللَّه فلا يعصه"(2) ولأن المعصية لا تباح في حال من الأحوال، (ويجِبُ التَّكفِيرُ) على من لم يفعل نذر المعصية كفارة يمين، روي نحوه عن ابن مسعود (3)، وابن عباس (4)، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب (5) كما لو حلف ليفعلنَّهُ ولم يفعله.

ويقضي من نذر صومًا محرمًا غير يوم حيضٍ، فمن نذر صوم يوم عيد وأيام تشريق قضاها وكفَّر؛ لأن المنع لمعنى في غيرها وهو كونه في ضيافة اللَّه تعالى، كنذر مريض صوم يوم يُخَافُ عليه فيه فينعقد نذره ويحرم صومه، وكذا نذر صلاةٍ في ثوب

(1) في الأصل: صلاة، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 260.

(2)

سبق تخريجه ص 903.

(3)

أخرجه عبد الرزاق برقم (15813) المصنف 8/ 433 - 434.

(4)

أخرجه عبد الوزاق برقم (15832) المصنف 8/ 440.

(5)

وما روي عن عمران بن حصين وسمرة بن جندب رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق برقم (15819) المصنف 8/ 436، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 71 - 72.

ص: 1039

مُحرَّمٍ، بخلاف نذر (1) صوم يوم حيض فلا ينعقد؛ لأنه منافٍ للصوم لمعنًى فيه، ومن نذر ذبح معصوم حتى نفسه فعليه كفارة يمين فقط لحديث "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين"(2).

النوع (السادس: نذرُ تبرّرٍ كصَلاةٍ وصِيَامٍ واعْتِكَافٍ) وصدقة بما لا يضره ولا عياله ولا غريمه، وحج وعمرة وزيارة أخ في اللَّه وعيادة مريض وشهود جنازة (بقَصْدِ التَّقَرُّبِ مُطْلقًا) أي غير مُعلق بشرط، (أَوْ مُعلقًا بشرط) وجود نعمة يرجوها أو دفع نِقمةٍ يَخَافُها (كـ) قوله:(إِنْ شفا اللَّهُ مَريضي) أو سلم مالي (فـ للَّهِ عَلَىَّ كذا)، أو حلف بقصد التقرب كقوله: واللَّه لأن شفا اللَّه مريضي أو سلم مالي فـ دلّه عليَّ

(1) في الأصل: ونذر.

(2)

من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: أخرجه أبو داود، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، كتاب الأيمان والنذور برقم (3290) سنن أبي داود 3/ 323، والترمذي، باب ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية، كتاب النذور والأيمان برقم (1524) الجامع الصحيح 4/ 87، والنسائي، باب كفارة النذر، كتاب الأيمان والنذور برقم (3833، 3839)، المجتبى 7/ 26 - 27، وابن ماجة، باب النذر في المعصية، كتاب الكفارات برقم (2125) سنن ابن ماجة 1/ 686، وأحمد برقم (25567) المسند 7/ 352، 130، والبيهقي، باب من جعل فيه كفارة يمين، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 69، والحديث صححه الألباني في الإرواء 8/ 214.

ص: 1040

كذا، فوجد شرطه (فيلزمُهُ الوفاءُ بهِ) نصًّا (1)، وكذا إن طلعت الشمس وقدم الحاج فـ للَّه عَلَيَّ كذا ذكره في "المستوعِب"(2)، لعموم حديث:"من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه" رواه البخاري (3)، وذم اللَّه تعالى الذين ينذرون ولا يوفون فقال:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} (4)، ومن نذر طاعة وما ليس بطاعة لزمه فعل الطاعة فقط، لحديث ابن عباس قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذَا هو برجلٍ قائم فسأل عنه فقيل: أبو إسرائيل (5)، نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم (6)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مُرُوْهُ فليجلس، وليستظل، وليتكلم،

(1) مسائل الإمام أحمد رواية صالح 2/ 317، 318، ورواية أبي داود ص 223، 224، ورواية ابن هانئ 2/ 75، 76، والمغني 13/ 622، والكافي 4/ 422، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 195، وشرح الزركشي 7/ 195، والمبدع 9/ 332.

(2)

3/ 291.

(3)

جزء من حديث سبق تخريجه ص 903.

(4)

سورة التوبة الآيات (75 - 77).

(5)

أبو إسرائيل: الأنصاري، أو القرشي العمري، له صحبة، يعد في أهل المدينة، لم أقف على سنة وفاته.

ينظر: أسد الغابة 6/ 11، والإصابة 7/ 10 - 11.

(6)

في الأصل: ولا يصوم.

ص: 1041

وليُتِمَّ صومه" رواه البخاري (1)، ويكفر للمتروك كفارة واحدة ولو خصالًا كثيرة لأنه مَنذورٌ وَاحدٌ، ويجوز فعل ما نذره من الطاعة قبل وجود ما علق عليه لوجود سببه وهو النذر كإخراج كفارة يمين قبل الحنث.

(ومَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ) ممن تسن له الصَّدَقة (بكُلِّ مَالِهِ) بقصد القربة (أجزأه ثُلُثُه) يوم نذره يتصدق به ولا كفارة نصًّا (2) لقوله عليه السلام لأبي لبابة بن المنذر (3): "يجزئ عنك ثلث حين قال: إن توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك، وأن أنْخَلِعَ من مالي

(1) في باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، كتاب الأيمان والنذور برقم (6704) صحيح البخاري 8/ 120، وأيو داود، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، كتاب الأيمان والنذور برقم (3300) سنن أبي داود 3/ 235، وابن ماجة، باب من خلط في نذره طاعةً بمعصية، كتاب الكفارات برقم (2136) سنن ابن ماجة 1/ 690، والبيهقي، باب ما يوفى به من النذور وما لا يوفى، كتاب النذور، السنن الكبرى 10/ 75.

(2)

مسائل الإمام أحمد رواية صالح 1/ 410، ورواية أبي داود ص 223، ورواية ابن هانئ 2/ 76، المغني 13/ 629، 630، والكافي 4/ 422، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 189، 190، وشرح الزركشي 7/ 205 - 207، والمبدع 9/ 330 - 331.

(3)

في الأصل: أبي لبابة بن عبد المنذر، والمثبت من كتب الحديث والتراجم.

وأبو لبابة بن المنذر: الأنصاري مختلف في اسمه، قيل: رفاعة، وقيل: بشير، وقيل: غير ذلك، توفي في خلافة عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين.

ينظر: أسد الغابة 6/ 265، والإصابة 7/ 289 - 290.

ص: 1042

صدقةً للَّه عز وجل ولرسوله" رواه أحمد (1)، ولو نذر الصدقة ببعض مسمى من ماله كنصفه لزمه ما سماه؛ لأنه التزام ما لا يمنع منه شيء كسائر النذور.

(أو) نذر (صَوْمَ شهرٍ ونحوه) وأطلق فلم يعينه (لَزمَهُ التَّتَابُعُ)؛ لأن إطلاق الشهر يقتضيه سواء صام شهرًا هلاليًّا أو ثلاثين يومًا بالعدة، فإن قطعه بلا عذر استأنفه لئلا يفوت التتابع، وإن قطعه لعذر خُيِّرَ بين الاستئناف بلا كفارة وبين البناء على ما مضى ويتم ثلاثين يومًا ويكفر كما لو حلف عليه؛ لأنه لم يأتِ بالمنذور على وجهه.

وكذا لو نذر صوم سنةٍ فيلزمه التتابع، ويصوم اثني عشر شهرًا سوى رمضان وسوى أيام النهي، لانصراف نذره إلى صوم سنةٍ كاملةٍ بالنذر، ولو شرط التتابع فيقضي عوض رمضان وأيام النهي، وإن نذر صوم سنة من الآن أو من وقت كذا فكنذر صوم سنةٍ معينةٍ فلا يدخل في نذره رمضان وأيام النهي فلا يقضيها، ولا كفارة؛ لأن تعيين أولها تعيين لها قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ

(1) في المسند 4/ 561 برقم (15650)، وكذا أخرجه أبو داود بنحوه، باب فيمن نذر أن يتصدَّق بماله، كتاب الأيمان والنذور برقم (3319 - 3320) سنن أبي داود 3/ 240 - 241، ومالك، باب جامع الأيمان، كتاب النذور والأيمان برقم (1039) الموطأ ص 299، والدارمي، باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرَّجل، كتاب الزكاة برقم (1658) سنن الدارمي 1/ 479، وابن حبان، باب ذكر الإخبار عمَّا يجب على المرء من الاقتصار عن ثلث ماله. . .، كتاب الركاة برقم (3371) الإحسان 8/ 164 - 165، والبيهقي، باب ما يستدل به على أن قوله صلى الله عليه وسلم خير الصدقه ما كان عن ظهر غنى. .، كتاب الزكاة، السنن الكبرى 4/ 181، والحديث صحّحه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود 3/ 639.

ص: 1043

شَهْرًا} (1) فإذا عين أولها تعين أن يكون آخرها انتهاء الثاني عشر.

وإن نذر صوم شهر معين كالمحرم فلم يصمه لعذر أو غيره فعليه القضاء متتابعًا؛ لأنه أوجبه على نفسه كذلك، وعليه كفارة يمين لفوات المحل، وإن صام قبله لم يجزئه كصوم شعبان عن رمضان، وإن أفطر يومًا فأكثر لغير عذر استأنف شهرًا من يوم فطره لوجوب التتابع وكفر لفوات المحل، وإن أفطر يومًا فأكثر لعذر بنى على ما مضى وقضى ما أفطره متتابعًا متصلًا بتمامه وكفر لما تقدم، وإن جُنَّ الشهر الذي نذر صومه كله لم يقضه، ولا كفارة لعدم تكليفه فيه كرمضان.

و(لا) يلزمه تتابع (إِنْ نَذَرَ) أن يصوم (إيَّامًا معدودةً) ولو ثلاثين نصًّا (2)؛ لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) إلا بشرط أو نية.

ومن نذر صومًا فعجز عنه لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ لا يرجى بُرؤه أطعم لكل يوم مسكينًا وكفَّرَ كفَّارة يمينٍ حَمْلًا للمنذور على المشروع، وسبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر، وسبب الإطعام المحجز عن واجب بالصوم، فاختلف السببان واجتمعا فلا يسقط واحد منهما لعدم ما يسقطه، أو نذره حال عجزه فكذلك، وعلم منه انعقاد

(1) سورة التوبة من الآية (36).

(2)

كتاب الروايتين والوجهين 3/ 63، والكافي 4/ 425، والمغني 13/ 652، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 219، والمحرر 2/ 200، والمبدع 9/ 339، وغاية المنتهى 3/ 396.

(3)

سورة البقرة من الآية (184).

ص: 1044

نذره إذنْ لحديث: "من نذر نذرا لم يُطِقْهُ فكفارته كفارة يمين"(1)، ولأن العجز إنما هو من فعل المنذور فلا فرق بين كونه حال عقد النذر ويستمر أو يطرأ عليه.

وإن نذر صلاةً ونحوها فعجز فعليه الكفارة فقط؛ لأنه لم يف بنذره، وإن عجز لعارضٍ يُرجى زواله انتظر ولا كفارة إن لم يعين وقتًا، فإن استمر عجزه حتى صار غير مَرْجُوِّ الزوال فكما تقدم.

وإن نذر حجًا لزمه مع قدرته عليه كبقية العبادات، فإن لم يطقه ولا شيئًا منه حُجَّ عنه كمن عجز عن حجة الإسلام، وإلا بأن أطاق بعض ما نذره أتَى به وكفر للباقي، ومع عجزه عن زادٍ وراحلةٍ حال نذره لا يلزمه كحجةِ [الإسلام](2)، ثم إن وجدهما لزمه.

(1) أخرجه أبو داود، باب من نذر نذرًا لا يطيقه، كتاب الأيمان والنذور برقم (3322) سنن أبي داود 3/ 241، والدارقطني، باب النذور، سنن الدارقطني 4/ 159، والبيهقي، باب من قال: علي نذرٌ ولم يسمِّ شيئًا، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 45، من طريق طلحة بن يحيى الأنصاري، عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي هند، عن بكير بن عبد اللَّه الأشج عن كريب عن ابن عباس مرفوعًا به. قال أبو داود:"روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي هند فوقفوه على ابن عباس". والحديث حسّن إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 176 وقال: "فيه طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه، وقال أبو داود روي موقوفًا يعني وهو أصح". وقال في التقريب ص 283 عن طلحة هذا: "صدوق يهم".

(2)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 454.

ص: 1045

وإن نذر صومًا وأطلق أو صوم بعض يوم لزمه يوم تام بنيته من [الليل](1)؛ لأنه أقل الصوم.

وإن نذر صلاةً وأطلق فعليه ركعتان قائمًا لقادر على قيام؛ لأن الركعة لا تجزئ في فرضٍ، ولمن نذر صلاة جالسًا أن يصليها قائمًا لإتيانه بأفضل مما نذره.

وإن نذر المشي إلى بيت اللَّه الحرام أو إلى موضع من مكة أو إلى حرمها وأطلق فلم يقل: في حج ولا عمرة ولا غيره، أو قال: غير حاجٍّ ولا معتمرٍ لزمه المشي في حج أو عمرة حملًا له على المعهود الشرير وإلغاءً لإرادته غيره، من مكانه أي دويرة أهله كما في حج الفوض، ولا يلزمه إحرام قبل ميقاته ما لم ينو مكانًا بعينه للمشى منه والإحرام فيلزمه، أو ينوي بنذره المشي إلى بيت اللَّه الحرام إتيانه لا حقيقة المشي، فيلزمه الإتيان ويُخَيَّرُ بين المشي والركوب لحصوله بكلٍّ منهما، وإن ركب من نذر المشي إلى بيت اللَّه الحرام لعجز أو غيره، أو مشى من نذر الركوب فعليه كفارة يمين لحديث:"كفارة النذر كفارة يمين"(2).

وإن نذر المشي إلى مسجد المدينة المنورة أو إلى المسجد الأقصى لزمه ذلك ولزمته الصلاة فيه ركعتين، إذ القصد بالنذر القربة وإنما يحصل ذلك بالصلاة فتضمن ذلك نذرها، كنذر المشي إلى بيت اللَّه الحرام حيث وجب به أحد النُّسُكَيْنِ.

ومن نذر الصلاة في المسجد الحرام لم يجزئه في غيره؛ لأنه أفضل المساجد، وإن

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 454.

(2)

سبق تخريجه ص 887.

ص: 1046

نذرها في مسجد المدينة أجزأته فيه وفي المسجد الحرام؛ لأنه أفضل منه، وإن نذرها في الأقصى أجزأته في الثلاثة وتقدم ما يعلم منه دليل ذلك، فإنْ عَيَّنَ بنذره مسجدًا غير الثلاثة لم يتعين، فيخير بين فعله وبين التكفير لحديث:"لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثة مساجد"(1).

وإن نذر عتق رقبةٍ فعليه عتق ما يجزئ عن الواجب في نحو ظهار حملًا للنذر على المعهود شرعًا إلا أن يعينها فيُجزئه ما عينه، لكن لو مات المنذور المعين أو أتلفه ناذر قبل عتقه لزمه كفارة يمين بلا عتق نَصًّا (2) لفوات محله، وعلى متلف لمنذور غير ناذر قيمته له لبقاء ملكه عليه، ولا يلزمه صرفها في العتق، ومن قال: إن ملكت عبد زيد فـ للَّه عَلَيَّ أن أعتقه بقصد القربة ألزم بعتقه إذا ملكه؛ لأنه نذر تبرر، وإن كان في لجاجٍ وغضبٍ خُيِّرَ بينه وبين كفارة يمين.

ومن نذر طوافًا أو سعيًا فأَقلُّه أُسْبُوعٌ حملًا على المعهود شرعًا، وإن نذر طوافًا أو سعيًا على أربع فعليه طوافان أو سعيان أحدهما عن يديه والأخرى عن رجليه، وهذا قول ابن عباس في الطواف رواه سعيد (3) لقوله عليه السلام لكبشة بنت

(1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، كتاب أبواب التطوع برقم (1189) صحيح البخاري 2/ 54، ومسلم، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كتاب الحج برقم (1397) صحيح مسلم 4/ 1012.

(2)

المغني 13/ 641، والشرح الكبير والإنصاف 28/ 243، 244، وشرح الزركشي 7/ 215، والمبدع 9/ 344، وكشاف القناع 6/ 284.

(3)

ورواه أيضًا عبد الرزاق برقم (15895) المصنف 8/ 457.

ص: 1047

معدي كرب (1) حيث قالت: "يا رسول اللَّه! آليت أن أطوف بالبيت حبوًا، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: طُوْفِيْ على رجْلَيْكِ سُبْعَيْن، سُبْعًا عن يديك، وسُبْعًا عن رجليك" رواه الدارقطني (2)، ولأن الطواف على أربع مثله وقيس عليه السعي.

ومن نذر طاعةً على وجه منهي عنه كالصلاة عريانًا أو الحج حافيًا حاسرًا أو الصلاة في ثوبٍ نجسٍ أو حريرٍ وَفَّى بها على الوجه المشروع كما لو أطلق، وتلغى تلك الصفة ويكفر؛ لأنه لم ينذره على وجهه كما لو كان أصل النذر غير مشروع.

(وسُنَّ الوفاءُ بالوَعْدِ) ولا يلزم الوفاء به نصًّا (3)، (و) يـ (حرم بلا استثناءٍ) لقوله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. .} (4) أي لا تقولن ذلك إلا معلقًا بإن شاء اللَّه تعالى (5).

(1) كبشة بنت معدي كرب: الكنديَّة، أمُّ معاوبة بن حُدَيْج الصحابي المعروف، وهي عمّة الأشعث بن قيسٍ، ذكر قصَّتها الدارقطني في سننه، رَوَتْ عن ابنها معاوبة بن حُديج، لم أقف على سنة وفاتها.

ينظر: أسد الغابة 7/ 249، والإصابة 8/ 295.

(2)

في باب المواقيت، كتاب الحج، سنن الدارقطني 2/ 273، وضعّفه الحافظ ابن حجر في الإصابة 8/ 295.

(3)

كتاب الفروع 6/ 415، والمبدع 9/ 345، والإنصاف 28/ 251، وغاية المنتهى 3/ 398.

(4)

سورة الكهف الآيتان (23 - 24).

(5)

ينظر: جامع البيان للطبري 15/ 228، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 77، 78، وفتح القدير للشوكاني 3/ 278.

ص: 1048