الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فصدقه الحاكم قبل قول الحاكم وحده إن كان عدلا، وإن لم يشهد عليه رجلان بالحكم وليس حكما بالعلم بل إمضاء للحكم السابق كقوله ابتداء: حكمت بكذا فيقبل منه، وإن لم يذكر الحكم فشهد به عدلان قبلهما وأمضاه لقدرته على إمضائه ما لم يتيقن صواب نفسه؛ لأنهما إذا شهدا عنده بحكم غيره قبلهما، وإن تيقن صواب نفسه لم يقبلهما ولم يمضه؛ لأن الشهادة إنما تفيد غلبة الظن، واليقين أقوى بخلاف من نسي شهادته فشهدا عنده بها فلا يشهد بذلك؛ لأن الشاهد لا يقدر على إمضاء شهادته وإنما يمضيها الحاكم ففارق الحاكم بذلك، وإن لم يشهد بحكمه أحد ووجده مكتوبا ولو في قمطرة تحت ختمه أو شهادته بخطه وتيقنه ولم يذكره لم يعمل به نصا (1) لاحتمال أنه زور عليه، وقد وجد ذلك كثيرا كوجدان خط أبيه بحكم فليس له إنفاذه أو بشهادة فليس له أن يشهد به على شهادة أبيه كشهادة غيره إذا وجدها بخطه ولو تيقنه إلا على قول مرجوح، قال المنقح:"وهو أظهر وعليه العمل". (2) قال الموفق: "وهذا الذي رأيته عن أحمد في
(1) المغني 14/ 47، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 535، 536، والمحرر 2/ 211، وكتاب الفروع 6/ 988، والمبدع 10/ 95، وغاية المنتهى 3/ 438.
(2)
التنقيح ص 306.
الشهادة" (1)؛ لأنه إذا كان في قمطرة تحت ختمه لم يحتمل إلا أن يكون صحيحا.
وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته باطنا ولو عقدا أو فسخا لحديث: "إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار" متفق عليه (2)، وقول علي "زوجاك شاهداك"(3) إن صح فإنما أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه ولم يجبها إلى التزويج؛ لأن فيه طعنا على الشهود، واللعان يحصل به الفرقة ولا يصدق الزوج، ولهذا لو قامت به البينة لم ينفسخ النكاح، فمتى علمها حاكم كاذبة لم ينفذ حكمه بها حتى ولو في عقد وفسخ، فمن حكم له ببينة زور بزوجية امرأة لم تحل له باطنا، فإن وطئ مع العلم فكزنا فيجب عليه الحد بذلك وعليها الامتناع منه ما أمكنها، فإن أكرهها فالإثم عليه دونها، ويصح نكاحها غيره؛ لأن نكاحه كعدمه، وقال الموفق:"لا يصح لإفضائه إلى وطئها من اثنين أحدهما بحكم الظاهر والآخر بحكم الباطن". (4)
(1) المغني 14/ 57.
(2)
سبق تخريجه ص 962.
(3)
لم أقف عليه مسندا، وأورده ابن قدامة في المغني 14/ 38، والبهوتي في شرح منتهى الإرادات 3/ 500.
(4)
المغني 14/ 38.
وإن حكم حاكم بطلاقها ثلاثا بشهود زور فهي زوجته باطنا، ويكره له اجتماعه بها ظاهرا؛ لأنه طعن على الحاكم ولا يصح نكاحها ممن يعلم بالحال من الشاهدين أو غيرهما لبقائها في عصمة الأول، ومن حكم لمجتهد أو عليه بما يخالف اجتهاده عمل باطنا بالحكم له أو لغيره كما يعمل به ظاهرا لرفعه الخلاف، وإن باع حنبلي لحما متروك التسمية عمدا فحكم بصحته شافعي نفذ حكمه، فيدخل الحكم بالطهارة أو النجاسة تبعا لا استقلالا، وإن رد حاكم شهادة واحد برؤية هلال رمضان لم يؤثر ذلك في الحكم بعدالته ويلزم الصوم من علم ذلك، (ولو رفع إليه) أي الحاكم (حكم) مختلف فيه كنكاح امرأة نفسها (لا يلزمه نقضه) -صفة لحكم- بأن لم يخالف نص كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا قطعيا (لينفذه) -متعلق برفع- (لزمه) أي الحاكم (تنفيذه) وإن لم يره صحيحا عنده؛ لأنه حكم بما ساغ الاجتهاد فيه لا يجوز نقضه فوجب تنفيذه لذلك، وكذا إن كان نفس الحكم مختلفا فيه كحكمه بعلمه وتزويجه يتيمة وحكم على غائب أو بالثبوت بطريق الشهادة على الحق أو نحوه، وظاهر هذا أن الحكم بشيء حكم بصحة الحكم به وفي "شرح المحرر"(1) - "لأن الحكم المختلف فيه صار محكوما به فلزم تنفيذه كغيره" انتهى.
وإن رفع خصمان إلى حاكم عقدا فاسدا عنده فقط كنكاح بلا ولي وأقرا بأن حاكما نافذ الحكم كحنفي حكم بصحته فله إلزامهما ذلك العقد؛ لأنه حق أقرا به
(1) ينظر: المحرر 2/ 210، وتصحيح الفروع 6/ 493، والإنصاف 28/ 551 - 552، وشرح منتهى الإرادات 3/ 501.
وله رده والحكم بمذهب؛ لأن الحكم به لا يثبت بقولهما بلا بينة فلا يلزمه لعدم ثبوته عنده، ومن قلد مجتهدا في صحة نكاح لم يفارق زوجته بتغير اجتهاده كحكم بخلاف مجتهد نكح ثم رأى بطلانه فيلزمه فراق زوجته لاعتقاد تحريم وطئها.