الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي
وهي تقطع الخصومة عند النزاع ولا تسقط حقا فتسمع البينة بعدها.
وإن رجع حالف وأدى ما حلف عليه قبل وحل لمدع أخذه.
ويستحلف منكر في كل حق آدمي لحديث: "لو يُعْطَى النَّاسُ بدعواهم لادَّعَى قومٌ دماءَ رجالٍ وأموالَهم ولكن اليمين على المدعي عليه"(1).
غير نكاح ورجعة وطلاق وإيلاء إلا إذا أنكر مُوْلٍ مُضِيَّ الأربعة أشهر فإنه يستحلف، وغير أصل رق كدعوى رق لقيط وولاء واستيلاد ونسب وقذف وقصاص في غير قَسَامَةٍ فلا يمين في واحد من هذه العشرة؛ لأنها لا يقضى فيها بالنكول.
ولا يستحلف منكر في حق اللَّه تعالى كحد زنا أو شرب أو سرقة أو محاربة؛ لأنه لو أقرَّ ثم رجع قبل منه وخلي سبيله بلا يمين فَلألَّا يستحلف مع عدم الإقرار أولى، ولأنه يستحب ستره والتعريض للمقر به ليرجع، وقال عليه السلام لهزّالٍ (2) في قصة ماعز "لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك"(3).
(1) سبق تخريجه ص 722.
(2)
هزّال: بن يزيد بن ذئاب بن كليب بن عامر بن جُذيمة بن مازن الأسلمي، والد نُعَيْم.
ينظر: أسد الغابة 5/ 396 - 397، وتهذيب الكمال 30/ 171 - 172، والإصابة 6/ 420.
(3)
من حديث يزيد بن نعيم عن أبيه: أخرجه أبو داود واللفظ له، باب في الستر على أهل الحدود، كتاب الحدود برقم (4377) سنن أبي داود 4/ 134، وأحمد برقم (21383 - =
ولا يستحلف في عبادة وصدقة وكفارة ونذر؛ لأنه حق للَّه تعالى أشبه الحد، ولا يستحلف شاهد أنكر تحمل شهادة ولا حاكم أنكر أنَّهُ حكم أو طلب يمينه أنه حكم بحق، ولا وصي على نفي دين على موصيه، ولا يحلف مدعى عليه بقول مدع ليحلف أنه ما أحلفني أني ما أحلفه، ولا مدع طلب يمين خصمه فقال: ليحلف أنه ما أحلفني؛ لأن ذلك كله لا يُقضى فيه بنكول فلا فائدة بإيجاب اليمين فيه على نفي ذلك؛ لأنه حق آدمي، وإن ادعى وصي وصية للفقراء فأنكر الورثة حلفوا، فإن نكلوا عن اليمين قضي عليهم بالنكول؛ لأنها دعوى بالمال. ومن حلف على فعل غيره كإن ادعى أن زيدا غصبه نحو ثوب أو اشتراه منه فأنكر وأقام المدعي شاهدا بدعواه وأراد الحلف معه أو دعوى عليه في إثبات بأن ادعى دينارًا على زيدٍ مَثلًا فانكر وأقام المدعي شاهدًا وأراد الحلف معه، أو حلف على فعل نفسه كمن ادعى عليه بدين فأنكر ولا بينة وأراد يمينه أو دعوى عليه حلف على البت أي القطع في الجميع، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل حلفه:"قل واللَّه الذي لا إله إلا هو ماله عندي شيء"
= 21384) المسند 6/ 284، والحاكم، كتاب الحدود، المستدرك 4/ 363، والبيهقي، باب المعترف بالزنا يرجع عن إقراره فيترك، كناب الحدود، السنن الكبرى 8/ 228، والحديث قال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال الزيلعي في نصب الراية 3/ 307:"وبزيد بن نعبم روى له مسلم وذكره ابن حبان في الثقات، وأبوه نعيم ذكره في الثقات أيضًا وهو -أي نعيم- مختلف في صحبته، فإن لم تثبت صحبته فالحديث مرسل".
رواه أبو داود (1)، ومن حلف على نفي فعل غيره كمن ادعي عليه أن أباه غصبه أو سرق كذا وأنكر ولا بينة فعلى نفي العلم أو حلف على نفي دعوى عليه أي على غيره كإن ادعى دينًا على مورثه فأنكر ولا بينة فإنه يحلف على نفي العلم، لحديث الحضرمي حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألك بينةٌ؟ قال: لا ولكن أحلفه واللَّه ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين" رواه أبو داود (2)، فأقره عليه السلام، ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه، ورقيقه كأجنبي في
(1) في باب كيف اليمين، كتاب الأقضية برقم (3620) سنن أبي داود 3/ 311، والبيهقي، باب يحلف المدعى عليه في حق نفسه، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 180، من طريق أبي الأحوص، حدثنا عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -يعني لرجل حلفه-: "إحلف باللَّه الذي لا إله إلاهو ماله عندك شيء" يعني للمدعي. والحديث ضعّفه الألباني في الإرواء 8/ 308. وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 418 برقم (2280) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس: (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم المدعي البينة، فلم يكن له بينة فاستحلف المطلوب، فحلف باللَّه الذي لا إله إلاهو، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنك قد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاصك قول لا إله إلا اللَّه). قال الألباني في الإرواء 8/ 308: "قلت: وعطاء بن السائب كان اختلط، وحماد بن سلمة كان سمع منه قبل الاخنلاط وبعد الاختلاط".
(2)
في باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه، كتاب الأقضية برقم (3622) سنن أبي داود 3/ 312، وكذا أحمد برقم (21342) المسند 6/ 278، والبيهقي، باب يحلف المدعى عليه في حق نفسه. . .، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 180، من طريق كردوس عن الأشعث بن قيس به. والحديث ضعّفه الألباني في الإرواء 8/ 309، لأن كردوس مجهول الحال.
حلفه على نفي عمله، فمن ادعى أن عبد زيد جنى علي فأنكر ربه ولا بينة حلف أنه لا يعلم أن عبده جنى على المدعي، وأما بهيمته إذا ادعى أنها جنت فما ينسب إلى تقصير أو تفريط فيه فإنه يحلف على البت وإلا فعلى نفي العلم.
ومن توجه عليه حلف لجماعة حلف لكل واحد يمينًا؛ لأن حق كل منهم غير حق للبقية ما لم يرضوا بيمين واحدة فيكتفى بها، ولو ادعى واحد حقوقًا على واحد فعليه في كل يمين إلا أن تتحد الدعوى فيمينٌ واحدة كما في "المبدع"(1)، وتجزئ اليمين باللَّه تعالى وحده لقوله تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} (2){وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (3)، قال بعض المفسرين: من أقسم باللَّه فقد أقسم باللَّه جَهْدَ اليمين "واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال: واللَّه ما أردت إلا واحدة"(4).
ولحاكم تغليظها فيما فيه خطر كجناية لا توجب قودًا أو عتقٍ ونصاب زكاة لا فيما دون ذلك بلفظ كو اللَّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال
(1) 10/ 288.
(2)
سورة المائدة من الآية (107).
(3)
سورة الأنعام من الآية (109).
(4)
سبق تخريحه ص 877.
الشافعي: "رأيتهم يؤكدون اليمين بالمصحف، ورأيت ابن مازن (1) قاضي صنعاء يغلظ اليمين به". (2) قال ابن المنذر: "ولا نترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لفعل ابن مازن ولا غيره".
ويقول يهودي غلظ عليه: واللَّه الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملائه.
ويقول نصراني غلظ عليه: واللَّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
ويقول مجوسي ووثني: واللَّه الذي خلقني وصورني ورزقني؛ لأنه يعظم خالقه ورازقه أشبه كلمة التوحيد عند المسلم، ويحلف صابئ يعظم النجوم ورافضي يعظم عليًّا ومن يعبد غير اللَّه تعالى باللَّه تعالى لحديث:"من كان حالفا فليحلف باللَّه العظيم"(3).
(1) ابن مازن: طرف بن مازن الكناني، أبو أيوب، الصنعاني، قاضي اليمن، توفي سنة 191 هـ.
ينظر: تعجيل المنفعة ص 404، والكامل في الضعفاء 6/ 2373، والمجروحين 3/ 29.
(2)
ينظر: الأم 7/ 36.
(3)
من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب كيف يُستحلف، كتاب الشهادات برقم (2679) صحيح البخاري 3/ 157، ومسلم، باب النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى، كتاب الإيمان برقم (1646) صحيح مسلم 3/ 1267، وكلاهما بدون لفظ "العظيم".
ولحاكم تغليظها بزمن كبعد العصر لقوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} (1) قال بعض المفسرين: أي صلاة العصر (2) ، ولفعل أبي موسى (3)، أو بين أذان وإقامة؛ لأنه وقت يرجى فيه إجابة الدعاء فترجى فيه معاجلة الكاذب بالعقوية.
والتغليظ بمكان فبمكة بين الرُّكْنِ والمقام لزيادته على غيره في الفضيلة، وبالقدس عند الصخرة لفضيلتها، وفي سنن ابن ماجة مرفوعًا:"هي من الجنة"(4).
وببقية البلاد عند المنبر لحديث مالك والشافعي وأحمد عن جابر
(1) سورة المائدة من الآية (106).
(2)
ينظر: جامع البيان للطبري 7/ 109، وأحكام القرآن للشافعي 2/ 155، وزاد المسير لابن الجوزي 2/ 448، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/ 106، وفتح القدير للشوكاني 2/ 87.
(3)
رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان 7/ 109 - 110، وسبق تخريجه في شروط من تقبل شهادته ص 1027.
(4)
أخرجه ابن ماجة، باب الكمأة والعجوة، كتاب الطب برقم (3456) سنن ابن ماجة 2/ 1143، وكذا أحمد برقم (20127) المسند 6/ 59، من طريق عبد الرحمن بن مهدي حدثنا المشمعل بن إياس المزني، قال: سمعت عمرو بن سليم المزني يقول: سمعت رافع بن عمرو المزني يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "العجوة والصخرة من الجنة"، وزاد ابن ماجة "قال عبد الرحمن حفظت الصخرة من فيه". قال الشيخ محمد عبد الباقي في تعليله على سنن ابن ماجة:"في الزوائد وإسناده صحيح، رجاله ثقات". وقال الألباني في الإرواء 8/ 311: "رجاله ثقات رجال الشيخين غير المشمعل بن إياس وهو ثقة بلا خلاف ولكنه اضطرب في متنه".
مرفوعًا: "من حلف على منبري هذا بيمينٍ آثمةٍ فليتبوأ مقعده من النار"(1) وقيس
(1) أخرجه الإِمام مالك، باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الأقضية برقم (1434) الموطأ ص 476 - 477، عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد اللَّه بن نسطاس عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري به. ومن طريق ماللك بهذا الإسناد أخرجه الشافعي، كتاب اليمين مع الشاهد الواحد، المسند 2/ 73، وأحمد برقم (14296) المسند 4/ 305، وابن حبان، باب ذكر إيجاب دخول النار للحالف على منبر رسول اللَّه كذبًا، كتاب الإيمان برقم (4368) الإحسان 10/ 210، والحاكم، كتاب الأيمان والنذور، المستدرك 4/ 296 - 297، والبيهقي، باب تأكيد اليمين بالمكان، كتاب الشهادات السنن الكبرى 10/ 176.
وأخرجه أبو داود، باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الأيمان والنذور برقم (3246) سنن أبي داود 3/ 221 - 222، وابن ماجة، باب اليمين عند مقاطع الحقوق، كتاب الأحكام برقم (2325) سنن ابن ماجة 2/ 779، والحاكم، والبيهقي -في الموضع السابق- من طرق أخرى عن هاشم بن هاشم بهذا الإسناد، وزاد فيه هؤلاء "ولو على سواك أخضر" والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه بها ووافقه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء 8/ 313: "قلت وفيه نظر، فإن عبد اللَّه بن نسطاس قال الذهبي في الميزان لا يعرف، تفرد به هاشم بن هاشم". قلت: ولكن وثقه النسائي. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 515، وتهذيب التهذيب 6/ 56.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجة -في الموضع السابق- برقم (2326) سنن ابن ماجة 2/ 779، وأحمد برقم (8162) المسند 2/ 631، والحاكم -في الموضع السابق- من طريق الحسن بن يزيد بن فروخ الضمري المدني قال: سمعت أبا سلمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (أشهد لسمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد أو أمة يحلف عند هذا المنبر على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار". قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، وقال الذهبي:"صحيح". وصحّحه الألباني في الإرواء 8/ 314.
عليه باقي منابر المساجد.
ويحلف ذمي بموضع يعظمه كما يغلظ عليه بالزمان، قال الشعبي لنصراني:"اذهبْ إلى البيعة". (1) وقال كعب بن سور (2) في نصراني: "اذهبوا به إلى المذبح". (3) زاد بعضهم وتغليظه بهيئة كتحليفه قائمًا مستقبلًا القبلة كاللعان.
ومن أبي التغليظ لم يكن ناكلًا عن اليمين؛ لأنه قد بذل الواجب عليه فوجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له، وإن رأى الحاكم ترك التغليظ كان مصيبًا.
ومن وجب عليه يمين فحلف وقال: إن شاء اللَّه أعيدت عليه؛ لأن الاستثناء يزيل حكمها وكذا إن وصل كلامه بشرط أو كلام غير مفهوم وتقدم.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة برقم (417) الكتاب المصنف 6/ 99 - 100، وابن حزم في المحلى 9/ 384.
(2)
في الأصل: سوار، وسبق التنبيه على ذلك ص 377.
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (15543) المصنف 8/ 361، وابن حزم في المحلى 9/ 384.