المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كتاب الشهادات) مشتقة من المشاهدة، واحدها شهادة لإخبار الشاهد بما يشاهده، - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٤

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌(باب النفقات)

- ‌فصل في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌(فَصْلٌ) في الحَضَانَةِ

- ‌فصل

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌(والخَطَأُ) ضربان:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في شُرُوْطِ وُجُوْبِ القِصَاصِ

- ‌فصل فى استيفاء القصاص في النفس وما دونها

- ‌(فصل)

- ‌فصل في الجراح فيما دون النفس

- ‌(فصل) في الديات

- ‌(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

- ‌فصل

- ‌(فصل) فى دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل

- ‌فصل في الشجاج وكسر العظام

- ‌فصل

- ‌(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القسامة

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌فصل

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل

- ‌فصل في التعزير

- ‌فصل في حد المسكر

- ‌فصل في القطع في السرقة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حد قطاع الطريق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حكم المرتد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في السحر وما يتعلق به

- ‌(فصل) في الأطعمة

- ‌فَصْلٌ في الذَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في شُروطِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ فِي طَرِيْق الحُكْمِ وَصِفَتِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌فصل

- ‌(فصل) في القسمة

- ‌فصل في الدعاوي والبينات

- ‌فصل

- ‌فصل في تعارض البينتين

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشَّهادةِ على الشهادةِ والرجوع عنها وأدائها

- ‌فَصْلٌ في أَداءِ الشَّهادةِ

- ‌فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ فيمَا إذا وصَلَ بإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالْمُجْمَلِ

الفصل: ‌ ‌(كتاب الشهادات) مشتقة من المشاهدة، واحدها شهادة لإخبار الشاهد بما يشاهده،

(كتاب الشهادات)

مشتقة من المشاهدة، واحدها شهادة لإخبار الشاهد بما يشاهده، يقال: شهد الشيء إذا رآه (1).

وأجمعوا على قبول الشهادة في الجملة (2)؛ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية (3) وحديث: "شاهداك أو يمينه"(4) ولدعاء الحاجة إليها لحصول التجاحد، قال شريح:"القضاء جمر فنحه عنك بعودين -يعني الشاهدين- وإنما الخصم داء والشهود دواء فأفرغ الشفاء على الداء". (5)

والشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه بل الحاكم يلزم به بشرطه، فهي الإخبار بما علمه الشاهد بلفظ خاص كشهدت أو أشهد ويأتي.

(تحملها) أي الشهادة على المشهود به (في غير حق اللَّه) تعالى ما لا كان

(1) ينظر: لسان العرب 3/ 239 - 240، والقاموس المحيط 1/ 305 - 306.

(2)

الإجماع ص 76 - 77، وينظر: الإفصاح 2/ 356.

(3)

سورة البقرة من الآية (282).

(4)

سبق تخريجه ص 960.

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 144، بإسناده عن أبي حصين عنه بجزء منه، ولفظه عنده:(قال شريح: القضاء جمر فادفع الجمر عنك بعودين)، وكذا رواه وكيع في أخبار القضاة 2/ 289.

ص: 1179

حق الآدمي كالبيع والقرض والغصب أو غيره كحد قذف (فرض كفاية) إذا قام به من يكفي سقط عن غيره، فإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه ولو عبدا وليس لسيده منعه لقوله تعالى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (1) قال ابن عباس وقتادة والربيع: "المراد به التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم"(2) ولدعاء الحاجة إلى ذلك في إثبات الحقوق والعقود كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولئلا يؤدي إلى امتناع الناس من تحملها فيؤدي إلى ضياع الحقوق.

وتطلق الشهادة على التحمل والأداء فيكون الأداء أيضا فرض كفاية قدمه الموفق (3) وجزم [به](4) جمع، وظاهر الخرقي أنه فرض عين (5)، فلذلك قال:(وأداؤها) أي الشهادة (فرض عين) قال في "الفروع"(6): "ونصه أنه فرض عين". قال في

(1) سورة البقرة من الآية (282).

(2)

رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان 3/ 126 - 127، وأوردد السيوطي في الدر المنثور 1/ 372، وابن الجوزي في زاد المسير 1/ 339.

(3)

ينظر: المغني 14/ 124، والكافي 4/ 519، والمقنع 29/ 249.

(4)

ما بين المعقوفين ليست في الأصل.

(5)

ينظر: المقنع لابن البناء 4/ 1298، والمغني 14/ 137، وشرح الزركشي 7/ 318، والإنصاف 29/ 252.

(6)

6/ 548.

ص: 1180

"الإنصاف"(1): "وهو المذهب". لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (2)، وخص القلب بالإثم؛ لأنه محل العلم بها، ويجبان إذا دعي إليهما لدون مسافة قصر (مع القدرة) على التحمل أو الأداء (بلا ضرر) يلحقه، فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء في بدنه أو ماله أو أهله، أو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته، أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم يلزمه لقوله تعالى:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (3)، ولأنه لا يلزمه ضر نفسه بنفع غيره، وإن كان الحاكم غير عدل فقال أحمد:"كيف أشهد عند رجل ليس عدلا"(4). وروى الطبراني عن أبي هريرة مرفوعا: "يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكون لهم كاتبا، ولا عريفا، ولا شرطيا"(5) فلو أدى شاهد وأبى الآخر وقال: احلف بدلي

(1) 29/ 252.

(2)

سورة البقرة من الآية (283).

(3)

سورة البقرة من الآية (282).

(4)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 549، والإنصاف 29/ 253، وشرح منتهى الإرادات 3/ 535.

(5)

أخرجه الطبراني في المعجم الصغير برقم 564 - 1/ 340، والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 233 وقال:"رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه داود بن سليمان الخراساني قال الطبراني: لا بأس به، وقال الأزدي: ضعيف جدا. ومعاوية بن الهيثم لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". ا. هـ.

ص: 1181

أثم، ويختص الأداء بمجلس الحكم.

ولا يقيمها على مسلم بقتل كافر، قاله في "الفروع"(1)، وظاهره يحرم، ولعل المراد عند من يقتله به، ومتى وجبت الشهادة وجبت كتابتها لئلا ينساها، وإن دعي فاسق لتحمل الشهادة فله الحضور مع عدم غيره إذ التحمل لا يعتبر له العدالة، فلو لم يؤدها حتى صار عدلا قبلت، ولا يحرم أداء الفاسق الشهادة ولو لم يكن فسقه ظاهرا؛ لأنه لا يمنع صدقه.

(وحرم أخذ أجرة) على الشهادة (و) أخذ (جعل عليها) ولو لم تتعين عليه؛ لأنها فرض كفاية كصلاة الجنازة، و (لا) يحرم أخذ (أجرة مركوب لمتأذ بمشي) إلى محلها من رب الشهادة، ومن عنده شهادة بحد للَّه تعالى كزنا وشرب فله إقامتها وتركها؛ لأن حقوق اللَّه مبينة على المسامحة، والستر مأمور به، ولذلك اعتبر في الزنا أربعة رجال وشدد فيه على الشهود ما لم يشدد على غيرهم طلبا للستر، واستحب القاضي وأصحابه وأبو الفرج والشيخ و"الترغيب" (2):"الترك للترغيب في الستر" وللحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف عنها كتعريضه لمقر بحد للَّه ليرجع عن إقراره لتعريض عمر

(1) 6/ 549.

(2)

ينظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 256 - 257، وكتاب الفروع 6/ 550، والمبدع 10/ 192، وشرح منتهى الإرادات 3/ 536.

ص: 1182

لزياد (1) بالرجوع، وتقبل الشهادة بحد قديم، ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله رب الشهادة إقامتها، لحديث:"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم ياتي قوم ينذرون ولا يوفون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون" رواه البخاري (2)، وإلا يعلم رب الشهادة بأن له عنده شهادة استحب إعلامه قبل إقامتها، وله إقامتها قبل إعلامه، لحديث:"ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها" رواه مسلم (3)، وحمل هذا

(1) زياد: ابن أبيه، من الدهاة القادة الفاتحين، من أهل الطائف، ولد عام الهجرة، اختلف في اسم أبيه، فقيل: عبيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، وقد أدرك زياد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتبا للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم، وهو أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم اللَّه، توفي سنة 53 هـ.

ينظر: الاستيعاب 2/ 523، وأسد الغابة 2/ 271، والإصابة 2/ 527 - 528، والتاريخ الكبير 3/ 357، وسير أعلام النبلاء 3/ 494 - 497.

(2)

من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا: أخرجه البخاري، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، كتاب الشهادات برقم (2651) صحيح البخاري 3/ 150، ومسلم، باب فصل الصحابة ثم الذين يلونهم. .، كتاب فضائل الصحابة برقم (2535) صحيح مسلم 4/ 1964.

(3)

في باب بيان خير الشهود، كتاب الأقضية برقم (1719) من حديث زيد بن خالد الجهني صحيح مسلم 3/ 1344، وكذا أخرجه أبو داود، باب في الشهادات، كتاب الأقضية برقم (3596) سنن أبي داود 3/ 304 - 305، والترمذي باب ما جاء في الشهداء أيهم خير، كتاب الشهادات برقم (2295) الجامع الصحيح 4/ 472، وابن ماجة، باب الرجل عنده الشهادة لا يعلم بها =

ص: 1183

الحديث على ما إذا ما لم يعلم رب الشهادة، والأول على ما إذا علم جمعا بينهما، ويحرم على من عنده شهادة بحق آدمي لا يعلمها كتمها للآية فيقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم منه لما تقدم، ولا يقدح أداء الشاهد بلا طلب حاكم وبلا طلب مشهود له لم يعلم به فيه كشهادة حسبة للَّه تعالى من غير تقدم دعوى.

(و) حرم (أن يشهد إلا بما يعلمه) لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1) قال المفسرون: وهو يعلم ما شهد به عن بصيرة وإيقان (2)، وقال ابن عباس:"سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: ترى الشمس؟ قال: على مثلها فاشهد أو دع"(3) رواه الخلال في جامعه (4)، والمراد العلم في أصل المدرك لا في

= صاحبها، كتاب الأحكام برقم (2364) سنن ابن ماجة 2/ 792، ومالك، باب ما جاء في الشهادات، كتاب الأقضية برقم (1426) الموطأ ص 471، وأحمد برقم (16592) المسند 5/ 91 - 92.

(1)

سورة الزخرف من الآية (86).

(2)

ينظر: جامع البيان للطبري 25/ 104 - 105، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/ 123، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/ 139، وفتح القدير للشوكاني 4/ 567.

(3)

أخرجه الحاكم، باب لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء الشمس، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 98 - 99، والبيهقي، باب التحفظ في الشهادة والعلم بها، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 156، من طريق عمرو بن مالك البصري، حدثنا محمد بن سليمان بن مسمول حدثنا عبيد اللَّه بن سلمة بن وهرام عن طاووس اليماني عن ابن عباس به. والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد"، ورده الذهبي بقوله:"واه، فعمرو بن مالك البصري قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول ضعفه غير واحد". ا. هـ، وقال البيهقي:"محمد بن سليمان بن مسمول تكلم فيه الحميدي، ولم يرو من وجه يعتمد عليه". ا. هـ، وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 198.

(4)

"الجامع في الفقه" للإمام، الفقيه، الحافظ، شيخ الحنابلة في عصره، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال، المتوفى سنة (311 هـ)، لم يصنف في مذهب أحمد مثله، فقد جمع النصوص عن الإمام أحمد ورتبها، قدر بعشرين مجلد، ويوجد جزء منه في مخطوطات المتحف البريطاني.

ص: 1184

دوامه، فمدركه العلم الذي تكون له الشهادة يكون (برؤية أو سماع) غالبا لجوازها ببقية الحواس كالذوق واللمس، فإن تحمل الشهادة على من يعرفه بعينه واسمه ونسبه جاز أن يشهد عليه مع حضوره وغيبته، وإن جهل حاضرا جاز أن يشهد عليه في حضرته فقط بمعرفته عينه نصا (1)، وإن كان غائبا فلا يشهد حتى يعرف اسمه، فإن عرفه به من يسكن إليه ولو واحدا جاز له أن يشهد عليه ولو امرأة لحصول المعرفة به، ولا تعتبر إشارته إلى حاضر مع ذكر نسبه ووصفه اكتفاء بهما، فإن لم يذكرهما أشار إليه لحصول التعيين.

وإن شهد شاهد بإقرار بحق لم يعتبر لصحة الشهادة ذكر سببه ولا قوله طوعا في

= ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 12 - 15، والمطلع ص 430 - 431، وسير أعلام النبلاء 14/ 297 - 298، والدر المنضد ص 17.

(1)

المغني 14/ 139، والكافي 4/ 546، وكتاب الفروع 6/ 552، والإنصاف 29/ 260 - 261، وشرح منتهى الإرادات 3/ 537.

ص: 1185

صحته مكلفا عملا بالظاهر، والرؤية تختص بالفعل كقتل وسرقة وغصب وشرب خمر ورضاع وولادة وعيوب مرئية في نحو مبيع؛ لأنه يمكن الشهادة على ذلك قطعا فلا يرجع إلى غيره.

والسماع ضربان: -

الأول: سماع من مشهود عليه كعتق وطلاق وعقد من نكاح وغيره وإقرار بمال ونسب وحد وقود ورق وغير ذلك، فيلزمه الشهادة بما سمع سواء استشهده مشهود عليه أو لا لئلا يمتنع ثبوت الغصب وسائر ما يتضمن العدوان فإن فاعلها لا يشهد بها على نفسه، أو كان الشاهد مستخفيا أو لا، فمن عنده حق ينكره بحضرة من يشهد عليه فسمع إقراره من لا يعلم به المقر جاز أن يشهد عليه بما سمعه منه.

الضرب الثاني: ما ذكره بقوله: (أو استفاضة) ما يشتهر المشهود به بين الناس فيتسامعون به بإخبار بعضهم بعضا، ولا يجوز لأحد أن يشهد باستفاضة إلا إن سمع ما يشهد به (عن عدد يقع به) أي بخبره (العلم)؛ لأن لفظ الاستفاضة مأخوذ من فيض الماء لكثرته (1)، قال في "شرح المنتهى" لمصنفه (2): "ويكون ذلك العدد عدد التواتر؛ لأنها شهادة فلا يجوز أن يشهد بها من غير علم لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ

(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 465، ولسان العرب 7/ 210 - 213، والقاموس المحيط 2/ 341.

(2)

3/ 539.

ص: 1186

مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} " (1) ومن قال: شهدت بالاستفاضة ففرع، ذكره في "الفروع" (2) و"الإنصاف" (3) و"التنقيح" (4)، وإنما تصح شهادة الاستفاضة (فيما يتعذر علمه غالبا بغيرها) أي الاستفاضة (كنسب) إجماعا (5)، وإلا لاستحالت معرفته إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغير ذلك، ولا يمكن المشاهدة فيه وكولادة (وموت ونكاح) وملك مطلق إذ الولادة قد لا يباشرها إلا المرأة الواحدة، والموت قد لا يباشره إلا الواحد ممن يحضره ويتولى غسله وتكفينه، والملك قد يتقادم سببه، فتوقف الشهادة في ذلك على المباشرة يؤدي إلى التعسر خصوصا مع طول الزمن، وكنكاح عقدا ودواما (وطلاق) وخلع نصا فيهما (6)؛ لأنه مما يشيع ويشتهر غالبا، والحاجة داعية إليه، (ووقف) بأن يشهد أن هذا وقف زيد لا أنه

(1) سورة الإسراء من الآية (36).

(2)

6/ 553.

(3)

29/ 271.

(4)

ص 314.

(5)

ينظر: المبسوط 16/ 149، 151 - 152، وبدائع الصنائع 6/ 266، والبحر الرائق 7/ 75، وعقد الجواهر الثمينة 2/ 715، والتاج والإكليل 5/ 244، وروضة الطالبين 11/ 266 - 267، ومغني المحتاج 4/ 448، والإفصاح 2/ 359 - 360، والمغني 14/ 141، والمبدع 10/ 197.

(6)

الهداية 2/ 147، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 266، وكتاب الفروع 6/ 552، وشرح الزركشي 7/ 323، وغاية المنتهى 3/ 466.

ص: 1187

وقفه، (ومصرفه) أي الوقف وما أشبه ذلك، قال الخرقي:"وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به"(1). ولأن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها غالبا بمشاهدتها ومشاهدة أسبابها أشبهت النسب، وكونه يمكن العلم بمشاهدة سببه لا ينافي التعذر غالبا.

ومن رأى شيئا بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة كتصرف مالك من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله الشهادة بالملك؛ لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل على صحة الملك كمعاينة سبب الملك من بيع فيه وارث، وإلا يراه يتصرف كما ذكر فإنه يشهد له باليد والتصرف؛ لأن ذلك لا يدل على الملك غالبا.

(و) من شهد بعقد (اعتبر ذكر شروط مشهود به) للاختلاف فيها، فربما اعتقد الشاهد صحة ما لا يصح عند القاضي، فيعتبر في نكاح يشهد به أنه تزوجها برضاها إن لم تكن مجبرة وذكر بقية الشروط كوقوعه بولي مرشد وشاهدي عدل حال خلوها من الموانع، وفي شهادة رضاع عدد الرضعات وأنه يشرب من ثديها أو من لبن حلب منه للاختلاف في الرضاع المحرم، ولا بد من ذكر أنه في الحولين، فإن شهد أنه ابنها من الرضاع لم يكف، وفي قتل ذكر القاتل وأنه ضربه بسيف فقتله أو جرحه فقتله أو أنه مات من ذلك، ولا يكفي أن يشهد أنه جرحه فمات لجواز موته بغير جرحه، وفي زنا ذكر مزني بها، وأين؟ وكيف؟ وفي أي وقت زنا؟ لاحتمال أن يشهد أحدهما بزنا غير الذي شهد به غيره فلا تلفق وأنه رأى ذكره في فرجها لئلا يعتقد الشاهد ما ليس بزنا

(1) المقنع لابن البناء 4/ 1298، والمغني 14/ 141، وشرح الزركشي 7/ 322.

ص: 1188

زنا، ويقال: زنت العين واليد والرجل كما تقدم (1).

وإن شهد أن هذا ابن أمته لم مجكم له به لجواز أن تكون ولدته قبل أن يملكها حتى يقولا: وأنها ولدته وهي في ملكه وكذا ثمرة شجرته، وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه، أو أن هذا الدقيق من حنطته، أو أن هذا الطير من بيضته حكم له به؛ لأنه لا يتصور أن يكون الغزل أو الدقيق أو الطير من قطنه أو حنطته أو بيضته قبل ملكه للقطن أو الحنطة أو البيضة، ولا يحكم له بالبيضة إن شهدا أن هذه البيضة من طيره حتى يشهدا أنها باضتها في ملكه، أو يشهدا أنه اشترى هذا العبد أو هذا الثوب ونحوه من زيد حتى يقولا: وهو في ملكه.

ومن ادعى إرث ميت فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان وارثا غيره، أو قالا: في هذا البلد سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لا سلم المال إليه بغير كفيل لثبوت إرثه، والأصل عدم الشريك، ويسلم إليه المال بكفيل إن شهدا بأنه وارثه فقط، ثم إن شهدا لآخر أنه وارثه شارك الأول في إرث الميت، قال الموفق في فتاويه (2):"إنما احتاج إلى بيان لا وارث سواه؛ لأنه يعلم ظاهرا، فإنه بحكم العادة يعلمه جاره ومن يعلم باطن أمره بخلاف دينه على الميت فلا يحتاج إلى إثبات أن لا دين عليه سواه لخفاء الدين، ولأن جهات الإرث يمكن الاطلاع عليها عن يقين".

(1) ص 762، 763.

(2)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 557، والمبدع 10/ 204، والإنصاف 29/ 286، وكشاف القناع 6/ 412.

ص: 1189

وإن شهد اثنان أن هذا ابن الميت لا وارث له غيره، وشهد آخران أن هذا ابنه لا وارث له غيره قسم الإرث بينهما ولا تعارض لجواز أن تعلم كل بينة ما لم تعلمه الأخرى، وإن شهدا أنه طلق واحدة من نسائه ونسيا عينها، أو أنه أعتق من أرقائه رقبة ونسيا عينها، أو أنه أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها لم تقبل شهادتهما؛ لأنها بغير معين فلا يمكن العمل بها، وإن شهد أحدهما بغصب ثوب أحمر والآخر بغصب ثوب أخضر، أو شهد أحدهما أنه غصبه الثوب اليوم والآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة؛ لأن اختلاف الشاهدين فيما ذكر يدل على تغاير الفعلين، وكذا كل شهادة على فعل متحد في نفسه كقتل زيد إذ لا يكون إلا مرة واحدة أو على فعل متحد باتفاق المشهود له والمشهود عليه، كالغصب إذا اتفقا على أنه واحد وكسرقة ونحوها إذا اختلف الشاهدان في وقت الفعل أو مكانه أو صفة متعلقة به كلونه وآلة قتل ونحوه مما يدل على تغاير الفعلين فلا تكمل البينة للتنافي، وكل من الشاهدين يكذب الآخر فيتعارضان ويسقطان، وإن أمكن تعدد الفعل ولم يشهدا بأنه متحد فبكل شيء شاهد فيعمل بمقتضى ذلك، فإذا ادعى الفعلين وأقام بكل منهما شاهدا، أو حلف مع كل من الشاهدين يمينا ثبتا، ولا تنافي بين شهادة الشاهدين بذلك لتغاير المشهود عليه، ولو كان بدل كل شاهد منهما بينة تامة ثبت كلا الفعلين فيما إذا كان الفعل غير متحد لا في نفسه ولا باتفاقهما لتمام نصاب كل منهما وعدم التنافي إن ادعاهما المشهود له، والا بأن ادعى أحدهما فقط ثبت ما ادعاه دون الآخر وتساقطتا في مسألة اتحاد الفعل في نفسه أو باتفاقهما، وكفعل من قول نكاح وقذف فقط دون

ص: 1190

غيرهما من الأقوال، فإذا شهد واحد أنه تزوجها أو قذفه أمس وشهد الآخر أنه اليوم لم تكمل البينة؛ لأن النكاح والقذف الواقعين أمس غير الواقعين اليوم، فلم يبق بكل نكاح أو قذف إلا شاهد، فلم تكمل البينة، ولأن من شرط النكاح حضور الشاهدين فإذا اختلفا في الشرط لم يتحقق حصوله، وكذا لو شهد أحدهما أنه قذفه غدوة أو خارج البلد أو بالعجمية، وشهد الآخر بخلافه؛ لأنه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولو كانت الشهادة بإقرار بفعل أو بغيره ولو نكاحا أو قذفا، أو شهد شاهد واحد بالفعل وآخر على إقراره جمعت وعمل بها لعدم التنافي، ولو شهد أحدهما أنه أقر له بألف وشهد الآخر أنه أقر له بألفين كملت البينة بألف، وله أن يحلف على الألف الآخر مع شاهده ويستحقه حيث لم يختلف السبب ولا الصفة، ولو شهدا لشخص بمائة وشهد آخران له بعدد أقل من المائة دخل الأقل فيها إلا مع ما يقتضي التعدد، كما لو شهد اثنان بمائة قرضا وآخران بخمسين ثمن مبيع فيلزمانه لاختلاف سببهما، ولو شهد واحد بألف وأطلق، وشهد الآخر بألف من قرض كملت شهادتهما حصلا للمطلق على المقيد، وإن شهدا أن عليه ألفا وقال أحدهما: قضاه بعضه بطلت شهادته نصا (1)؛ لأن قوله: قضاه بعضه يناقض شهادته عليه بالألف فأفسدها، وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادتهما؛ لأنه رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه أشبه ما لو

(1) المغني 14/ 265، والكافي 4/ 549، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 309، والمحرر 2/ 242، والمبدع 10/ 212، والتوضيح 3/ 1367، وغاية المنتهى 3/ 470.

ص: 1191

قال: بألف بل بخمسمائة.

ولا يحل لمن تحمل شهادة بحق أخبره عدل باقتضاء الحق أو انتقاله بنحو حوالة أن يشهد به نصا، ولو قضاه نصفه ثم جحده بقيته فقال أحمد:"يدعيه كله وتقوم البينة فتشهد على حقه كله ثم يقول للحاكم قضاني نصفه"(1) ومن له بينة بألف فقال لهما: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز لهما أن يشهدا بالخمسمائة له نصا (2)؛ لأن على الشاهد نقل الشهادة على ما شهد، قال تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} (3)، ولو شهد اثنان في محفل على شخص أنه طلق أو أعتق، أو على خطيب أنه قال على المنبر أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر قبلا لكمال النصاب.

(ويجب إشهاد) اثنين (في نكاح)؛ لأنه شرط فيه فلا ينعقد بدونهما وتقدم (4).

(ويسن) إشهاد (في) كل عقد (غيره) من بيع وإجارة وصلح لقوله تعالى: (وَأَشهِدُوَأ إِذَا تَبَايَعَتُم)(5) وحمل على الاستحباب، لقوله تعالى: {فَإِن

(1) ينظر: الانصاف 29/ 312،وغاية المنتهى 3/ 470، وشرح منتهى الإرادات 3/ 544.

(2)

المقنع الشرح الكبير والانصاف 29/ 313، والمحرر 2/ 242، والمبدع 10/ 212، والتوضيح 3/ 1367.

(3)

سورة المائدة من الآية (108).

(4)

ص 260.

(5)

سورة البقرة من الآية (282).

ص: 1192

أَمِن بَعضُكُم بَعضًا فَليُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِن أَمَنَتَهُ} (1).

(1) سورة البقرة من الآية (283).

ص: 1193