الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
(ومَبنى يَمينٍ على العُرْفِ)، والاسم العرفي ما اشتهر مجازه حتى غلب على حقيقته كالرَّاوية حقيقة في: الجمل يستسقى عليه وعرفًا: للمزادة، وكالظَّعِيْنَةِ الناقة يظعن عليها (1)، وعرفًا المرأة في الهوْدَج (2)، وكالدَّابة حقيقة ما دَبَّ ودرج وعُرفًا: الخيل والبغال والحمير، وكالغَائِطِ حقيقة: المكان المطمئن من الأرض (3) وعرفًا: الخارج المستقذر، وكالعَذِرَة حقيقة: فناء الدار (4) وعُرفًا: الغائط، ونحو ذلك، وإنما يرجع إلى الاسم العرفي عند عدم النية والسبب والتعيين، ويقدم عند الإطلاق إذا اختلفت الأسماء شرعي فعرفي فلغوي، فإن اختلف بأن لم يكن له إلا مسمى واحد كسماء وأرض ورجل وإنسان ونحوها انصرف اليمين إلى مسماه بلا خلاف.
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 465، ولسان العرب 13/ 271، والقاموس المحيط 4/ 245.
(2)
الهوْدَجُ: من الهَدْجِ، وهو المشي والحركة رويدًا في الضعف، ومنه: الهَدَجَان: وهو مِشية الشيخ، والهَوْدَجُ: اسم لمراكب النساء مقبَّب وغير مقبَّب، سمي بذلك؛ لأنه يضطرب على ظهر الناقة ويتحرك عليها.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 6/ 44، ولسان العرب 2/ 387، 389.
(3)
ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 304، ولسان العرب 7/ 364 - 365.
(4)
ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 257، ولسان العرب 4/ 554.
(ويُرْجَعُ فيها) أي اليمين (إلى نِيَّةِ حَالف) فهي مبناها ابتداء (ليس) بيمينه (ظالمًا) نصًّا (1) مظلومًا كان أو لا، وأما الظالم الذي يستحلفه حاكم لحق عليه فيمينه على ما يصدقه صاحبه (إِنْ احتَمَلَها) أي النية (لَفظُهُ) أي الحالف (كَنِيَّتِهِ ببناءٍ وسَقْفٍ السَّمَاءَ)، وكنيته بالفراش وبالبساط الأرض، وباللباس الليل، وبالأخوة أخوة الإسلام، وما ذكرت فلانًا أي قطعت ذكره، وما رَأيْتُهُ أي قطعت رئَتَه، وكَنِيَّتِه بنسائي طوالق أقاربه النساء، وكنيتهِ بِجَوَاريْ أحرار سفنه، وما كاتَبْتُ فلانًا مكاتبة الرقيق، وبما عَرَفْتُهُ جعلته عريفًا، وبما أعْلَمْتُهُ أي: جعلته أعلما أي شققت شفته، وبما سألته حاجة أي شجرة صغيرة، وبما أكلت له دجاجة: الكُبَّةِ من الغزل، وبالفَرْشِ صغار الإبلِ، والحَصْرُ الْحَبْسُ والبَارَية السِّكِّيْنُ يبرأ بها ونحوه.
ويقبل حكمًا دعوى إرادة ما ذكره مع قرب احتمال من ظاهر لفظه ومع توسطه، فيقدم ما نواه على عموم لفظه؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله ويسوغ لغةً التعبير به عنه فانصرفت يمينه إليه، والعام قد يراد به الخاص كقوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (2) فالناس الأول أريد به نعيم بن مسعود
(1) المغني 13/ 543، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 5/ 28، وكتاب الفروع 6/ 353، وشرح الزركشي 7/ 155، 157، والمبدع 9/ 281، وغاية المنتهى 3/ 376.
(2)
سورة آل عمران من الآية (173).
الأشجعي (1)، والناس الثاني أبو سفيان وأصحابه (2)، وكقوله:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (3) ولم تدمر السماء ولا الأرض ولا مساكنهم، والخاص قد يراد به العام كقوله تعالى:{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4){وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (5){فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} (6) ولم يرد ذلك بعينه بل كل شيءٍ.
وحيث احتمله اللفظ صرف اليمين إليه بالنية لحديث: "وإنما لكل امرئٍ ما نوى"(7)، ولأن كلام الشارع يحمل على ما دل دليل على إرادته به فكذا كلام
(1) نعيم بن مسعود الأشجعي: بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع، يكنى أبا سلمة، صحابي مشهور أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلف بين قريظة وغطفان في وقعة الخندق فخالف بعضهم بعضًا وانصرفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قُتل في أول خلافة علي قبل قدومه البصرة في وقعة الجمل.
ينظر: أسد الغابة 5/ 348، والإصابة 6/ 363.
(2)
ينظر: جامع البيان للطبري 4/ 178، ونظم الدرر للبقاعي 5/ 129، والتفسير الكبير للرازي 9/ 99، والبحر المحيط لأبي حيان 3/ 436، وزاد السير 1/ 504 - 505، وفتح الباري 8/ 229.
(3)
سورة الأحقاف من الآية (25).
(4)
سورة فاطر من الآية (13).
(5)
سورة النساء من الآية (49).
(6)
سورة النساء من الآية (53).
(7)
سبق تخريجه ص 512.
غيره، وأما ما لا يحتمله اللفظ أصلًا كما لو حلف لا يأكل خبزًا وقال: أردت أن لا أدخل بيتًا فلا أثر له، ويجوز التعريض في مخاطبةٍ لغير ظالم ولو بلا حاجةٍ كمن سئل عن شخصٍ فقال: ما هو هنا يشير إلى نحو كفه.
فإن لم ينو حالف شيئًا فإلى سبب يمين وما هيجها فمن حلف لأقضين زيدًا حقه غدًا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد عدم تجاوز الغد أو اقتضاه السبب؛ لأن مبنى الأيمان على النية ثم السبب، فحيث نوى القضاء قبل خروج الغد أو دل السبب عليه تعلقت اليمين به، ومن حلف عن شيء لا يبيعه إلا بمائة لم يحنث إلا إن باعه بأقل، ولا يبيعه بها حنث ببيعه بها وبأقل منها؛ لأنها العرف في هذا، كان حلف لا يدخل دارًا وقال: أردت اليوم قُيِلَ منه حكمًا؛ لأنه محتمل ولا يعلم إلا، منه.
والعبرة في اليمين بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، فمن حلف لا يدخل بلدًا ما دام الظلم فيها فزال ودخل بعد لم يحنث أو حلف لوالي من ولاة الأمور لا أرى منكرًا إلا رفعته إليه فعزل، أو حلف على زوجته فطلقها، أو حلف على رقيقه أن لا يفعل كذا إلا بإذنه فأعتقه، أو باعه أو وهبه لم يحنث بذلك بعد ولو لم يرد ما دام كذلك، إلا إذا وجد محلوف على تركه أو ترك محلوف على فعله حال وجود صفة عادت.
ومن حلف ليتزوجن بر بعقد نكاح صحيح، كان حلف لا يكلم زيدًا لشربه الخمر فكلمه وقد تركه لم يحنث.