الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في شروط من تقبل شهادته
وهي ستة بالاستقراء: -
ذكر الأول منها بقوله: (وشرط في شاهد) أي واحد الشهود (إسلام) لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (1)، والكافر ليس من رجالنا، ولأنه غير مأمون، وحديث جابر:"أنه عليه السلام أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض" رواه ابن ماجة (2) ضعيف؛ لأنه من رواية مجالد (3)، فلا تقبل من كافر ولو على كافر مثله غير رجلين كتابيين عند عدم مسلم بوصية مسلم ميت بسفر أو كافر، ويحلفهما حاكم وجوبا بعد العصر، لخبر أبي موسى
(1) سورة البقرة من الآية (282).
(2)
في باب شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض، كتاب الأحكام برقم 2374، سنن ابن ماجة 2/ 794، وكذا البيهقي، باب من أجاز شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر. .، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 165، من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد اللَّه به. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية 4/ 85:"مجالد فيه مقال". ا. هـ، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 198:"سيء الحفظ". ا. هـ، وضعف الحديث الألباني في الإرواء 8/ 283.
(3)
مجالد: بن سعيد بن عمير بن بسطام، الهمداني، الكوفي، أبو عمرو أو أبو عمير، توفي سنة 144 هـ، ضعفه ابن أبي حاتم، والحافظ ابن حجر.
ينظر: الجرح والتعديل 8/ 361، وتهذيب الكمال 27/ 219 - 225، وتقريب التهذيب ص 520.
رواه أبو داود (1)؛ لأنه وقت يعظمه أهل الأديان فيحلفان لا نشتري به -أي اللَّه تعالى، أو الحلف، أو تحريف الشهادة- ثمنا ولو كان ذا قربى، وما خانا وما حرفا، وأنها الوصية لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ] (2) إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ. . .} الآية (3) وقضى به ابن مسعود وأبو موسى الأشعري (4)، قا ل ابن المنذر:"وبهذا قال أكابر الماضين". (5)
(1) في سننه 7/ 303 برقم (3605)، وابن حزم في المحلى 9/ 407، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 165 من طريق هشيم عن زكريا، عن الشعبي: "أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء -بلد بالعراق- هذه ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا أبا موسى الأشعري، فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر باللَّه ما خانا، ولا كذبا، ولا بدلا، ولا كتما، ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما-. صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 687، وأخرجه بنحوه عبد الرزاق برقم (15539) المصنف 8/ 360، وابن أبي شيبة برقم (2489) الكتاب المصنف 7/ 91.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(3)
سورة المائدة من الآية (106).
(4)
قضاء ابن مسعود رضي الله عنه رواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص 156 - 157.
وقضاء أبي موسى الأشعري رضي الله عنه سبق تخريجه ص 1027، ورواه ابن جرير الطبري في جامع البيان 7/ 105.
(5)
لم أقف عليه، وذكره ابن قدامة في المغني 14/ 171.
فإن عثر: أي اطلع على أنهما أي الشاهدين الكتابيين استحقا إثما أي كذبا في شهادتهما قام آخران أي رجلان من أولياء الموصي فحلفا باللَّه تعالى لشهادتنا أي يميننا أحق من شهادتهما، ولقد خانا وكتما، ويقضي لهم للآية وحديث ابن عباس قال: "خرج رجل من بني سهم (1) مع تميم الداري (2) وعدي بن بداء (3) فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدموا بتركته
(1) هو: بديل، وقيل: بريل، وقيل: بثرير، وقيل: غير ذلك، ابن أبي مريم، وقيل: ابن أبي مارية، السهمي، مولى عمرو بن العاص، ذكر ابن بريرة في التفسير أنه لا خلاف بين المفسرين أنه كان مسلما من المهاجرين، وروى له الترمذي، لم أقف على سنة وفاته.
ينظر: الإصابة 1/ 407 - 408، وفتح الباري 5/ 411.
(2)
تميم: بن أواس بن خارجة بن سود بن جذيمة بن زراع بن عدي بن عبد الداري، أبو رقية الداري، مشهور في الصحابة، كان نصرانيا فأسلم سنة تسع من الهجرة، وحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال، انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان، ويعتبر أولا من أسرج المساجد في عهد عمر، وكان قراء، توفي بالشام سنة 40 هـ. ينظر: أسد الغابة 1/ 256 - 257، والإصابة 1/ 487 - 489، وسير أعلام النبلاء 2/ 442 - 448.
(3)
في الأصل: عدي بن زيد، والمثبت من كتب الحديث.
وعدي: بن بداء -بتشديد الدال- كان هو وتميم الداري نصرانيين يختلفان إلى الشام للتجارة، وأسلم تميم، وحسن إسلامه، لكن عدي بن بداء بقي على نصرانيته فمات نصرانيا، وذكر ابن حبان أن له صحبة، وأنكر ذلك أبو نعيم.
فقدوا جام فضة مخوصا بذهب، فأحلفهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا باللَّه لشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم فنزلت الآية فيهم" (1) وروى أبو عبيد (2) في "الناسخ والمنسوخ" (3) أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان (4). وأيضا فالمائدة
= ينظر: كتاب الثقات 3/ 318، ومعرفة الصحابة 4/ 2196 - 2197، وأسد الغابة 4/ 5 - 6، والإصابة 4/ 387.
(1)
أخرجه البخاري، باب قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. .} كتاب الوصايا برقم (2780) صحيح البخاري 4/ 12، وأبو داود، باب شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر، كتاب الأقضية برقم (3606) سنن أبي داود 3/ 307، والترمذي، باب ومن سورة المائدة، كتاب تفسير القرآن برقم (3060) الجامع الصحيح 5/ 242.
(2)
في الأصل: أبو عبيدة.
(3)
ص 156 - 157.
"الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن" من تصنيف الإمام القاضي أبو عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224 هـ، سار في تأليفه على منهج محدد المعالم، مميز السمات، حيث اعتنى بالإسناد، فعزى الأحاديث والآثار إلى أصحابها، وقسمه على أبواب الفقه، وعرض فيه مسائل الخلاف عرضا علميا وذلك بإيراد قول كل فريق وأدلته ومناقشتها والترجيح، ولم يقتصر في النسخ على الكتاب فحسب بل تطرق إلى النسخ في السنة، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق محمد المديفر. ينظر مقدمة الكتاب ص 5 - 6، 44 - 45.
(4)
سبق تخربجه ص 1028.
آخر سورة نزلت.
(و) الشرط الثاني: (بلوغ) فلا تقبل الشهادة من الصغير ذكرا أو أنثى ولو كان في حال أهل العدالة بأن كان متصفا بما يتصف به العدل.
(و) الثالث: (عقل) وهو نوع من العلوم الضرورية، والعاقل من عرف الواجب عقلا الضروري وغيره، وعرف الممكن والممتنع، كوجود الباري تعالى، وكون الجسم الواحد ليس في مكانين، وأن الواحد أقل من الاثنين، وأن الضدين لا يجتمعان، وعرف ما يضره وينفعه غالبا، فلا تقبل الشهادة من معتوه ومجنون؛ لأنه لا يمكنه تحمل الشهادة ولا أداؤها لاحتياجها إلى الضبط وهو لا يعقله.
(و) الرابع: (نطق) أي كون الشاهد متكلما فلا تقبل الشهادة من أخرس بإشارة؛ لأن الشهادة يعتبر فيها التعيين، وانما اكتفي بإشارة الأخرس في أحكامه كنكاحه وطلاقه للضرورة، (لكن تقبل من أخرس) إذا أداها (بخطه) لدلالة الخط على الألفاظ، (و) تقبل (من)(1) مجنون (يفيق) أحيانا إذا شهد (حال إفاقته)، لأنها شهادة عاقل أشبه من لم يجن.
والخامس: الحفظ فلا تقبل الشهادة من مغفل ولا من معروف بكثرة غلط وكثرة سهو؛ لأنه لا تحصل الثقة بقوله، وتقبل ممن يقل منه ذلك؛ لأنه لا يسلم منه أحد.
(و) السادس: (عدالة) وهي لغة: الاستقامة والاستواء، مصدر عدل بضم
(1) في أخصر المختصرات المطبوع ص 266: ممن.
الدال إذ العدل ضد الجور (1)، وشرعا: استواء أحوال الشخص في دينه واعتدال أقواله وأفعاله (2).
(ويعتبر لها) أي العدالة (شيئان): -
(الأول: الصلاح في الدين، وهو) نوعان: (أداء الفرائض) أي الصلوات الخمس والجمعة وما وجب من صوم وحج وزكاة وغير ذلك (برواتبها) أي الصلاة الراتبة، نقل أبو طالب:"الوتر سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم فمن ترك سنة من سننه صلى الله عليه وسلم فهو رجل سوء"(3). فلا تقبل ممن داوم على تركها، فإن تهاونه بها مما يدل على عدم محافظته على أسباب دينه، وربما جرى التهاون بها إلى التهاون بالفرائض، وتقبل ممن تركها في بعض الأحيان.
(و) النوع الثاني: (اجتناب المحارم بأن لا يأتي كبيره ولا يدمن) أي يدوم (علي صغيرة) وفي "الترغيب": بأن لا يكثر منها ولا يصر علي واحدة منها (4) وقد نهي اللَّه تعالي عن قبول شهادة القاذف لكون القذف كبيرة فيقاس عليه كل مرتكب وقال الشيخ تقي الدين: "يعتبر العدل في كل زمن بحسبه لئلا
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 246، ولسان العرب 11/ 430، والمطلع ص 408.
(2)
المغني 14/ 150، والمقنع والإنصاف 29/ 236 - 337، وشرح الزركشي 7/ 335.
(3)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 560، والمبدع 10/ 220، والإنصاف 29/ 339.
(4)
ينظر: تصحيح الفروع 6/ 562، والإنصاف 29/ 341، وشرح منتهى الإرادات 3/ 547.
تضيع الحقوق" (1). والكذب صغيرة فلا ترد الشهادة به إن لم يداوم عليه، إلا الكذب في شهادة زور وعلى نبي ورمي فتن ونحوه فكبيرة، ويجب الكذب في تخليص مسلم من قتل، قال ابن الجوزي: "وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به". (2) ويباح الكذب لإصلاح، وحرب، وزوجة فقط.
والكبيرة ما فيه حد في الدنيا -كالزنا وشرب الخمر- أو وعيد في الآخرة -كأكل مال اليتيم والربا وشهادة الزور وعقوق الوالدين- ونحو ذلك.
والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات كالتجسس وسب الناس بغير قذف والنظر المحرم والنبز باللقب، والغيبة والنصيمة من الكبائر فلا تقبل شهادة فاسق بفعل كزان وديوث، أو باعتقاد كمقلد في خلق القرآن، أو في نفي رؤية اللَّه في الآخرة، أو في الرفض أو التجهم ونحوه، كمقلد في التجسيم، وما تعتقده الخوارج والقدرية ونحوهم، ويكفر مجتهدهم أي مجتهد القائلين بخلق القرآن ونحوهم ممن خالف ما عليه أهل السنة والجماعة الداعية.
ولا تقبل شهادة قاذف حد أو لا لقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} (3) حتى يتوب لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (4) وتوبته تكذيب نفسه
(1) ينظر: الاختيارات الفقهية ص 610.
(2)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 563، والمبدع 10/ 221، وشرح منتهى الإرادات 3/ 547.
(3)
سورة النور من الآية (4).
(4)
سورة النور من الآية (5).
ولو كان صادقا فيقول: كذبت فيما قلت. لما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعا في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} قال: "توبته إكذاب نفسه"(1)، وتوبة غير القاذف ندم بقلبه على ما مضى من ذنبه، وإقلاع بأن يترك فعل الذنب الذي تاب منه، وعزم أن لا يعود إلى ذلك الذنب الذي تاب منه، ولا يعتبر مع ذلك إصلاح العمل لقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (2) ومع المغفرة يجب أن تترتب الأحكام لزوال المانع منها وهو الفسق؛ لأنه فسق مع زوال الذنب الذي تاب منه، وإن كان فسق الفاسق بترك واجب فلا بد لصحة توبته من فعله، وإن كان فسقه بترك حق لآدمي كقصاص وحد قذف فلا بد من التمكين من
(1) لم أقف عليه مسندا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور 6/ 131 إلى ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا، وعزاه في موضع آخر 6/ 132 إلى عبد بن حميد عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب موقوفا.
واللفظ الذي ذكره الشارح رحمه الله أخرجه عبد الرزاق عن الزهري برقم (15548) المصنف 8/ 362، وعن طاوس: أخرجه ابن أبي شيبة برقم (700) الكتاب المصنف 6/ 172، وعن الشعبي: أخرجه ابن أبي شيبة برقم (701) الكتاب المصنف 6/ 172 - 173، البيهقي في السنن الكبرى 10/ 153.
(2)
سورة النساء الآية (110).
نفسه ببذلها للمستحق، ويعتبر رد مظلمة فسق بترك ردها كمغصوب ونحوه، فإن عجز نوى رده متى قدر عليه أو يستحل رب المظلمة أو يستمهله.
والتوبة من البدعة الرجوع عنها والاعتراف بها واعتقاد ضد ما كان يعتقده من مخالفة أهل السنة.
ولا تصح التوبة معلقة بشرط، ولا يشترط لصحتها من قذف وغيبة ونميمة وشتم إعلامه والتحلل منه، قال أحمد:"إذا قذفه ثم تاب لا ينبغي أن يقول له: قذفتك هذا يستغفر اللَّه لأن فيه إيذاء صريحا"(1). واذا استحله يأتي بلفظ عام مبهم لصحة البراءة من المجهول.
ومن أخذ بالرخص -أي تتبعها من المذاهب- فسق نصا (2)، وذكره ابن عبد البر إجماعا (3)، وذكر القاضي في غير متأول ولا مقلد (4) ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره الأشهر عدمه، ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل، وإن قال: ينبغي كان جاهلا، ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل
(1) ينظر: كتاب الفروع 6/ 97، والمبدع 9/ 99 - 100، والإنصاف 26/ 411، والإقناع 4/ 265 - 266.
(2)
كتاب الفروع 6/ 571، والإنصاف 29/ 350، والإقناع 4/ 437، وشرح منتهى الإرادات 3/ 548.
(3)
في كتابه جامع بيان العلم وفضله 2/ 927.
(4)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 571، والإنصاف 29/ 350، وشرح منتهى الإرادات 3/ 548.
لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع، قاله الشيخ تقي الدين. (1)
ومن أتى فرعا مختلفا فيه كمن تزوج بلا ولي، أو تزوج بنته من زنا، أو شرب من نبيذ ما لا يسكره إن اعتقد تحريمه ردت شهادته نصا (2)؛ لأنه فعل ما يعتقد تحريمه فوجب أن ترد شهادته كما لو كان مجمعا على تحريمه، وإن تأول أي فعل شيئا من ذلك مستدلا على حله باجتهاد أو مقلدا لقائل بحله فلا ترد شهادته.
الشيء (الثاني): مما يستعمل للعدالة (استعمال المروءة) بوزن سهولة أي الإنسانية (بفعل ما يزينه ويجمله) عادة، (وترك ما يدنسه ويشينه) أي يعيبه عادة من الأمور الدنيئة المزرية به، فلا شهادة لمصافع (3) ومتمسخر، ورقاص ومشعبذ، والشعبذة والشعبوذة: خفة في اليدين كالسحر، ومغن، ويكره الغناء -بكسر العين المعجمة والمد- وهو: رفع الصوت بالشعر على وجه مخصوص، ويكره سماعه إلا من أجنبية، فيحرم التلذذ به، وكذا يحرم مع آلة لهو من حيث الآلة، وطفيلي الذي يتبع الضيفان، ومتزي بزي يسخر منه، ولا لشاعر يفرط في مدح بإعطاء أو في ذم بمنع، أو
(1) الاختيارات ص 573.
(2)
المغني 14/ 170، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 348، وشرح الزركشي 7/ 332، والمبدع 10/ 224، وغاية المنتهى 3/ 476.
(3)
قال في شرح منتهى الإرادات 3/ 549: "أي يصفعه غيره، لا يرى بذلك بأسا" ا. هـ. وينظر: المطلع ص 409.
يشبب بمدح خمر أو بمرد أو بامرأة معينة محرمة، ويفسق بذلك ولا تحرم روايته، ولا شهادة للاعب بشطرنج غير مقلد كمع عوض، أو ترك واجب وفعل محرم إجماعا، أو لاعب بنرد، ويحرمان أي اللعب بالشطرنج والنرد لحديث أبي داود في النرد (1) والشطرنج في معناه (2)، أو لاعب بكل ما فيه دناءة حتى في أرجوحة أو رفع ثقيل، وتحرم مخاطرته بنفسه فيه، أو لاعب بحمام طيارة أو مسترعيها من المزارع أو من يصيد بها حمام غيره، ويباح اقتناء الحمام للأنس بصوتها ولاستفراخها ولحمل كتب.
ولا شهادة لمن يأكل بالسوق [كثيرا](3) لا يسيرا كلقمة وتفاحة ونحوها، ولا
(1) وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنرد فقد عصى اللَّه ورسوله". أخرجه أبو داود، باب في النهي عن اللعب بالنرد، كتاب الأدب برقم (4938) سنن أبي داود 4/ 285، وابن ماجة، باب اللعب بالنرد، كتاب الأدب برقم (3762) سنن ابن ماجة 2/ 1273 - 1238، وأحمد برقم (19027، 19057، 19083) المسند 5/ 536، 541، 545 ومالك، باب ما جاء في النرد، كتاب الرؤيا برقم (1786) الموطأ ص 636، والحاكم، باب من لعب بالنرد. . .، كتاب الإيمان، المستدرك 1/ 50، والبيهقي، باب كراهية اللعب بالنرد. . .، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 214 - 215، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهي، وحسنه الألباني في الإرواء 8/ 285.
(2)
قال ابن عمر رضي الله عنهما: عندما سئل عن الشطرنج: "هو شر من النرد". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 212، وأخرج أيضا بإسناده عن ميسرة بن حبيب قال: مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون) ومن طريق آخر عنه به وزاد: (لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها).
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 550 =
شهادة لمن يمد رجليه بمجمع من الناس، أو يكشف من بدنه ما العادة جارية بتغطيته كصدره وظهره، أو يحدث بمباضعة أهله أو سريته، أو يدخل الحمام بغير مئزر، أو ينام بين جالسين أو يخرج عن مستوى الجلوس بلا عذر، أو يحكي المضحكات ونحوه في كل ما فيه سخف أو دناءة؛ لأن من رضيه لنفسه واستخفه ليس له مروءة، ولا تحصل الثقة بقوله، ولحديث أبي مسعود البدري (1) مرفوعا:"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"(2).
ومتى وجد شرط قبول الشهادة بأن بلغ صغير أو عقل مجنون أو أسلم كافر أو تاب فاسق قبلت شهادته بمجرد ذلك لزوال المانع.
ولا يشترط في الشهادات الحرية، فتقبل شهادة عبد وأمة في كل ما يقبل فيه حر
(1) أبو مسعود البدري: عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، صحابي مشهور بكنيته، اتفق أهل العلم على أنه شهد العقبة وأحدا وما بعدها، واختلفوا في شهوده بدرا، وجزم ابن الأثير في أسد الغابة بعدم شهوده بدرا، وإنما سبب لقبه بذلك أنه سكنه فسمي بدرا، وقيل: إنه نزل ماء ببدر فنسب إليه، استخلفه علي على الكوفة لما سار إلى صفين، توفي سنة 40 هـ، وقيل: بعدها وصححه الحافظ ابن حجر.
ينظر: أسد الغابة 4/ 57، والإصابة 4/ 432.
(2)
أخرجه البخاري، باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت، كتاب الأدب برقم (6120) صحيح البخاري 8/ 25، وأبو داود، باب في الحياء، كتاب الأدب برقم (4797) سنن أبي داود 4/ 252، وابن ماجة، باب الحياء، كتاب الزهد برقم (4183) سنن ابن ماجة 2/ 1400، وأحمد برقم (16641) المسند 5/ 100.
وحرة لعموم آيات الشهادة وأخبارها، والعبد داخل فيها فإنه من رجالنا، وهو عدل تقبل روايته وفتواه وأخباره الدينية، ومتى تعينت الشهادة على الرقيق حرم على سيده منعه منها كسائر الواجبات.
ولا يشترط للشهادةكون صناعة الشاهد غير دنيئة عرفا، فتقبل شهادة حجام وحداد وزبال وقمام وكناس يكنس الأسواق وغيرها وكباش يربي الكبش ويناطح به، وقراد يربي القرود ويطوف بها للتكسب، ودباب يفعل بالدب كما يفعل القراد، ونفاط يعلب بالنفط، ونخال أي يغربل في الطريق على فلوس ونحوه، وصباغ ودباغ وجمال وجزار وكساح ينظف الحشوش وحائك وحارس وصائغ ومكار وخدام إذا حسنت طريقتهم لحاجة الناس إلى هذه الصنائع؛ لأن كل أحد لا يليها فلو ردت به الشهادة لأفضى إلى ترك الناس لها فيشق ذلك عليهم.
وكذا تقبل شهادة من لبس غير زي بلد يسكنه أو لبس غير زييه المعتاد بلا عذر إذا حسنت طريقتهم بأن حافظوا على أداء الفرائض واجتناب المعاصي والريب.
وتقبل شهادة ولد الزنا حتى به.
وشهادة أعمى بما سمع إذا تيقن الصوت، وبالاستفاضة وبمرئيات تحملها قبل عماه، وكذا لو لم يعرف مشهود عليه إلا بعينه إذا وصفه للحاكم بما يتميز به، والأصم كالسميع فيما يراه أو سمعه قبل صممه.
ومن شهد بحق عند حاكم ثم عمي أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحاكم بشهادته إن كان عدلا، وإن حدث به مانع من كفر أو فسق أو تهمة كعداوة
وعصبية قبل الحكم منعه لاحتمال وجود ذلك عند الشهادة، وانتفاؤه حينها شرط للحكم بها غير عداوة ابتدئها مشهود عليه بأن قذف البينة أو قاولها عند الحكومة بدون عداوة ظاهرة سابقة فلا تمنع الحكم لئلا يتمكن مشهود عليه من إبطال الشهادة عليه بذلك، وإن حدث مانع من كفر وفسق وغيرهما بعد الحكم وقبل استيفاء محكوم به يستوفى مال أحد مطلقا ولا قود؛ لأنه إتلاف ما لا يمكن تلافيه.
وتقبل شهادة الشخص على فعل نفسه كحاكم على حكمه بعد عزله وقاسم ومرضعة على قسمته وإرضاعها ولو بأجرة؛ لأن كلا منهم يشهد لغيره فقبل كما لو شهد على فعل غيره، ولحديث عقبة بن الحارث في الرضاع (1) وقيس عليه الباقي.
(1) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه: "أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة سواء فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل، ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره". والحديث سبق تخريجه ص 578.