الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرة وسبع مئة، واعتقلا في قلعة دمشق في أيام نائب الكرك، ثم إنه ورد المرسوم في شهر رمضان بنقلهما إلى الكرك.
جنكلي
بفتح الجيم، وسكون النون، وفتح الكاف، وبعدها لام وياء آخر الحروف: ابن محمد بن البابا بن جنكلي بن خليل بن عبد الله العجلي، الأمير الكبير المعظم الرئيس بدر الدين كبير الدولة الناصرية محمد، ورأس الميمنة بعد الأمير جمال الدين نائب الكرك.
كان شكلاً هائلا، ووجهاً يحاكي القمر كاملا، يتوقد وجهه وضاءه، ويتفقد حلمه الذين أساؤوا إناءه، يعرف حق من قصده، ويقبل بوجه حنوه على من رصده، ويزرع من المعروف ما يسره في غد إذا حصده، قد صارت المكارم له جبله، والمواهب تتحدر من غمائم أنامله المستهله، يحفظ فرجه، ويسد بالعفة ما يفتحه له السلطان من فرجه، لا يقرب من مماليكه من كان أمرد، ولا يجعله على باله أأقبل عليه بوجهه أم رد، وليس له من الجواري حظيه، ولا امرأة يدنو إليها بحسنة أو خطيه، اللهم إلا ما كان من أم أولاده التي حضرت معه من البلاد، ولم تر عليها له طارفاً يستجده على مالها من التلاد، يصلي العشاء الآخرة، ويدخل إلى فرشها، ويخرج لصلاة الصبح وكأنها بلقيس في عرشها.
وكان يحب أهل العلم ويجالسهم، ويطارحهم المسائل ويدارسهم، ويبسط لهم الود الأكيد ويؤانسهم. وكان يعرف ربع العبادات ويجيده، ويتكلم على الخلاف فيه
ويفيده. وكان يميل إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية ويترشف كلامه، وينتشي بذكره، لو كنت أعلم أنه يتناول المدامه، وينفر عمن ينحرف عنه ويوليه الملامه، ويوفر العطاء لمن قلده، ويسني الهبات لمن قيد كلامه وجلده إذا كتبه وجلده. هذا مع الإحسان المطلق مع الناس أجمع، والبر الذي إذا فاض أخجل الغيوث الهمع، تارة بجاهه الذي لا ترد إشارته الملوك، وتارة بماله الذي تنخرط جواهره في السلوك.
وكان آخر وقته كبير الدولة في السلم وإثارة غبار السنابك، وإذا حضر دار عدل قال: يا أتابك، سبحان من أتى بك.
ولم يزل على حاله في سؤدده إلى أن غاب بدره وأفل، ونزل شخصه إلى حضيض القبر واستفل.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة ست وأربعين وسبع مئة، يوم الاثنين العصر سابع عشر ذي الحجة.
وكان ينتسب إلى إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، وسيأتي ذكر ولده الأمير ناصر الدين محمد.
خطبه الملك الأشرف خليل وهو في تلك البلاد، ورغبه في الحضور، فلم يوافق حتى يرى منشوره بالإقطاع، فكتب له منشوراً بإقطاع جيد وجهزه إليه، فلم يتفق حضوره. ثم إنه وفد على السلطان الملك الناصر محمد، وذلك في أوائل سنة أربع وسبع
مئة. وكان وصوله إلى دمشق يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة سنة ثلاث وسبع مئة، وكان مقامه بالقرب من آمد، فأكرمه وأمره، ولم يزل عنده معظماً مبجلاً.
وكان في آخر وقت، بعد خروج الأمير سيف الدين أرغون من الديار المصرية، يجهز إليه الذهب مع الأمير سيف الدين بكتمر الساقي ومع غيره، ويقول له: لا تبوس الأرض على هذا ولا تنزله في ديوانك، كأنه يريد إخفاء ذلك.
وكان يجلس أولاً في الميمنة ثاني نائب الكرك، فلما توجه نائب الكرك لنيابة طرابلس، جلس الأمير بدر الدين رأس الميمنة. وكان السلطان الملك الناصر محمد قد زوج ابنه إبراهيم بابنة الأمير بدر الدين، وما زال معظماً في كل دولة.
وكتب له في ألقابه عن السلطان الملك الصالح إسماعيل: الأتابكي الوالدي البدري. وكانت له في الدولة الصالحية وجاهة زائدة لم تكن لغيره. لأنه هو الذي أخذ السلطان وأجلسه على الكرسي، وحلف له، وحلف الناس له.
وكان ينفع العلماء والصلحاء والفقراء وأهل الخير وغيرهم. وكنت أتردد إليه وآخذ منه إحساناً كثيراً رحمه الله تعالى.
وقلت محبةً فيه، ولم أكتب بها إليه:
محيّا حبيبي إذا ما بدا
…
يقول له البدر يا مخجلي
بلغت الكمال ولي مدّة
…
أدور عليه وما تمّ لي
فبالله قل لي ولا تخفني
…
سرقت المحاسن من جنكلي؟!