الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رزق الله بن فضل الله
الرئيس مجد الدين بن تاج أخو القاضي شرف الدين النشو.
كان أولاً نصرانياً، فاستخدمه أخوه في استيفاء الخزانة والخاص، وكان ينوب أخاه النشو إذا غاب، ويدخل إلى السلطان الملك الناصر محمد، ويخرج، فلما كان في سنة ست وثلاثين وسبع مئة في يوم الجمعة استسلمه السلطان قبل الصلاة على يده، وأبى عليه فلكمه بيده، وعرض عليه السيف، فأسلم، وخلع عليه، وقال له: لا تكن إلا شافعي المذهب مثلي، واستخدمه عند الأمير سيف الدين ملكتمر الحجازي، فظهر وساد، وجلس في صدر الرياسة واتكا على وساد، وعظم شانه، وشاع ذكره، وعلا مكانه، وتوسع في الوجاهة قدره وإمكانه، وتبيدق وسط رقعة القلعة فرزانه، وكان قد بلغ السها راقيا، وطاف بكؤوس الجود ساقيا، ووهب فما أبقى على المال باقيا.
وكان أولاً فيه ميل إلى المسلمين، وحنو زائد على المؤمنين، رتب سبعاً يقرأ في الجامع الأزهر، وقرر نصيباً من الصدقات تخفى وعند الله تظهر، وكان يجهز في كل سنة إلى الحرمين ستين قميصا، ولا يجد كفه عن الجود محيصا.
وكان يحرص على أن يسلم من عبيده ممن يميل إليه سرا، يفعل ذلك خفيةً خيفةً من أمه حتى لا ينال شرا، فعل ذلك مع جماعة من غلمانه النصارى، وأرقائه الذين هم في سكرة الجهل حيارى.
ولم يزل في مراقي سعادة، ومعارج سيادة إلى أن أمسك هو وأخوه - على ما سيأتي ذكره في ترجمة أخيه - وسلمه السلطان إلى الأمير سيف الدين قوصون فأصبح مذبوحاً، ذبح نفسه بيده، ولم يمكن أحداً يتمكن من عقابه ولا فساد جسده، وذلك في ثالث شهر صفر سنة أربعين وسبع مئة.
وكان رحمه الله تعالى ربعة، حلو الوجه، مليح العينين، أقطف الجفون.
وكان نظيف الملبس، طيب الرائحة، يغير قماشه في غالب الأيام مرتين. وكان يفصل قماشه ويقول للخياط: طوله عن تفصيلي، وكف الفضل إلى داخل، فسألته عن ذلك فقال: أنا قصير، وأهب قماشي لمن يكون أطول مني، فإذا فتق ذلك الفضل جاء طوله. وكان كثيراً ما يهب قماشه، وقلما غسل له قماشاً إلا إن كان أبيض.
وعمر داراً مليحة إلى الغاية على الخليج الناصري.
وكتبت أنا إليه لما اهتدى:
أنت أهدى للخير من أن تهدّى
…
يا عزيزاً بكلّ غال يفدّى
هذه للسعود والفضل أولى
…
حزتها من مليك عصرك نقدا
هكذا الهمّة النّفيسة في النّا
…
س إذا حاولت من الله رشدا
لك سرٌّ أبدى وأعاد ال
…
فضل لله ما أعاد وأبدى
كيفما كنت لم تزل في الأيادي
…
والمعالي والفضل والبرّ فردا
أينما سرت في طريق المعالي
…
تتلقّى في كلّ أمرك سعدا
سوف ترقى مراتب السّعد حتى
…
يفتدي الدّهر طائعاً لك عبدا
ولعمري قد قلّد الله هذا ال
…
عصر من سعيك الموفّق عقدا
وإذا سدت في الشّباب فماذا
…
لك من بعد أن بلغت الأشدّا
أنت ذو فطنةٍ من النّار أذكى
…
وبنانٍ من السّحائب أندى
ومحلٍّ كالنّجم لمّا تعلّى
…
ومحيّا كالبدر لمّا تبدّى
إنّ منكم للملك لمّا ظهرتم
…
شرفاً زاده علّوك مجدا
شرفٌ قد علا على الشّمس قدرا
…
ما تعدّى لمّا عليها تعدّى
لك منه أخٌ تراه شقيقا
…
في رياض السّعود قد فاق وردا