الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاذي بن بدليك
الأمير سيف الدين أخو الأمير شهاب الدين أحمد الساقي، المقدم ذكره.
كان أولاً من جملة البريدية بمصر، ثم إنه أعطي طبلخاناه بحلب، وأقام بها. وخرج على الصالح صالح، وحضر مع بيبغاروس إلى دمشق، وهرب معه. وكان في جملة من أمسك على حلب، وأحضروه إلى دمشق.
وكان في جملة من وسط بسوق الخيل بدمشق في شوال سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة.
الألقاب والأنساب
الشارعي
المحدث إسماعيل بن إبراهيم.
الشارمساحي الشاعر
أحمد بن عبد الدائم.
ابن الشاطبي
علاء الدين علي بن يحيى.
الشاطبي يوسف بن أحمد.
شافع بن علي
ابن عباس بن إسماعيل بن عساكر الكناني العسقلاني ثم المصري: الشيخ الإمام
الأديب ناصر الدين سبط الشيخ عبد الظاهر بن نشوان.
روى عن الشيخ جمال الدين محمد بن مالك، وغيره.
وروى عنه الشيخ أثير الدين، وعلم الدين البرزالي، وجمال الدين إبراهيم الغانمي وغيره من الطلبة.
كتب المنسوب فأحسنه، وجود طريقه وأتقنه، فإذا خط غض الزهر عينه، وطلب من العقود دينه، وإذا نظم القريض نظرت النجوم بطرف غضيض، وإذا نثر فضح الدرر، ملأ الدنيا إنشاءً، وأبرزها كالنجوم زهرت عشاء.
وكثر من التصانيف وما ارتابت فيها العقول، وقال فسمع الناس ما يقول.
كتب الإنشاء بمصر زمانا، ونظم قلائده على جيد الزمان عقيانا. إلا أنه أضر بأخرة، فعدم الناس طروسه الموشاه، ورقاعه التي هي بالزاهر مفشاه، ولكن فوائد نظمه ونثره تسيل ملء الحقائب، وصوب قريحته إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب.
ولم يزل على حاله إلى أن شافه شافعاً حينه، وحل على وجوده من العدم دينه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة ثلاثين وسبع مئة في سابع عشري شعبان، ودفن بالقرافة.
ومولده سنة تسع وأربعين وست مئة.
كان قد أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى سنة ثمانين وست مئة في صدغه، فعمي بعد ذلك، ولازم منه بيته.
وكان جماعةً للكتب؛ أخبرني من لفظه شهاب الدين البوتيجي الكتبي بالقاهرة، قال: خلف ثماني عشرة خزانة كتباً نفائس أدبية، وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب، وبقيت تبيع منها إلى أن خرجت من القاهرة سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
وأخبرني البوتيجي أيضاً، قال: كان إذا لمس الكتاب وجسه، قال: هذا الكتاب الفلاني، وهو لي ملكته في الوقت الفلاني، وإذا أراد أي مجلد كان، قام إلى خزانته وتناوله منها كأنه الآن وضعه بيده.
اجتمعت به أنا في القاهرة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، واستنشدني شيئاً من نظمي، فأنشدته لنفسي:
إن وردي من الحمام قريب
…
فلهذا أمست دموعي مفاضه
ولكم جهد ما يكون بعيداً
…
ومشيبي رشاش تلك المخاضه
فأنشدني من لفظه لنفسه:
قال لي من رأى صباح مشيبي
…
عن شمالٍ من لمّتي ويمين
أيّ شيء هذا؟ فقلت مجيباً
…
ليل شكٍّ محاه صبح يقين
وأنشدني هو من لفظه لنفسه:
تعجّبت من أمر القرافة إذ غدت
…
على وحشة الموتى بها قلبنا يصبو
فألفيتها مأوى الأحبّة كلّهم
…
ومستوطن الأصحاب يصبو له القلب
فأنشدته أنا لنفسي:
ألا إنّ القرافة إن غدونا
…
تميل لها القلوب ولا عجيبا
فما فينا مصابٌ قطّ إلاّ
…
تضمّ له قريباً أو حبيبا
وأنشدني هو أيضاً لنفسه:
وبي قامةٌ كالغصن حين تمايلت
…
وكالرّمح في طعن يقدّ وفي قدّ
جرى من دمي بحرٌ بسهم فراقه
…
فخضّب منه ما على الخصر من بند
وأنشدته أنا لنفسي:
قد شدّ حبّي بندا
…
في حمرةٍ مثل خدّه
كخاتمٍ من عقيقٍ
…
قد زان خنصر قدّه
فقال: لو اتفق لك خنصر خصره لكان أحسن، فقلت:
في حمرة البند معنى
…
ممن سباني بهجره
كخاتمٍ من عقيقٍ
…
قد زان خنصر خصره
وكتبت له أستدعي إجازته، ونسخة ذلك: المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام المفيد القدوة جامع شمل الأدب، قبلة أهل السعي في تحصيله والدأب:
أخي المعجزات اللائي أحرزن طرسه
…
كأُفقٍ به للنيّرات ظهور
وما ثمّ إلا الشّمس والبدر في السّما
…
وهذا شموسٌ كلّه وبدور
البليغ الذي أثار أوابد الكلم من مظان البلاغه، وأبرز عقائل المعاني تتهادى في تيجان ألفاظه، فجمع بين صناعة السحر والصياغه، وأبدع في طريقته المثلى فجلت عن المثل، وأنبت في رياض الأدب غروس فضل لا تقاس بدوحات البان ولا الأثل، وأظهر نظامه عقوداً حلت من الزمان كل ما عطل، وقال لسان الحال ممن يتعاطاه: مكره أخاك لا بطل، وجلا عند نثاره كلمات مقصورات في خيامه، وذر على كافور قرطاسه من أنفاسه مسك ختامه، ناصر الدين شافع بن علي
لا زال في هذا الورى فضله
…
يسير سير القمر الطّالع
حتّى يقول النّاس إذ أجمعوا
…
ما مالك الإنشا سوى شافع
إجازة كاتب هذه الأحرف ما يجوز له روايته من كتب الحديث وأصنافها، ومصنفات العلوم على اختلافها، إلى غير ذلك كيفما تأدى إليه من مشايخه الذين أخذ عنهم من قراءة أو سماع أو إجازة أو مناولة أو وصية. وإجازة ماله - فسح الله في مدته - من تأليف ووضع، وتصنيف وجمع، ونظم ونثر. والنص على ذكر مصنفاته وتعيينا في هذه الإجازة إجازةً عامة على أحد القولين في مثل ذلك. والله يمتّع بفوائده، وينظم على جيد الزّمن عنه بيد غيره من إنشائه.
أما بعد، فالحمد لله الذي أمتع من الفضلاء بكل مجيز ومستجيز، وأشهد من معاصري ذوي الدراية والرواية من جمع بين البسيط من علو الإسناد والوجيز. نحمده على نعمه التي يجب له عليها الإحماد، ونشكره على تهيئة فضلها المخول شرف الإسعاف والإسعاد، ونصلي على سيدنا محمد المعظمة رواة حديثه، وحق لهم التعظيم، العالية قدراً وسندا، من شأنه التبجيل والتفخيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وما أحقهم بالصلاة والتسليم.
وبعد، فإني وقفت على ما التمسه الإمام الفاضل، الصدر الكامل، المحدث الصادق، العلي الإسناد، الراقي درجات علم الحديث النبوي بعلو روايته السائرة على رؤوس الأشهاد، وهو غرس الدين خليل بن أيبك:
وحسبي به غرساً تسامى أصالةً
…
إلى أن سما نحو السماء علاؤها
حوى من بديع النّظم والنّثر ما رقى
…
إلى درجاتٍ لا يرام انتهاؤها
استجاز - أعزه الله - فأتى ببديع النظم والنثر في استجازته، وقال فأبدع في إبدائه وإعادته، وتنوع في مقالهما فأسمع ما شنف الأسماع، وأبان عما انعقد على إبداعه الإجماع، وقال فما استقال، ورتل آي محكم كتابه فتميز وحق له التميز على كل حال.
وقد أجبته إلى ما به رسم جملةً وتفصيلا، وأصلاً وفرعا، وأبديت به وجهاً من وجوه الإجابة جميلا، ما يجوز لي روايته من كتب الحديث وأصنافها، ومصنفات العلوم حسب إجازة ألافها، حسبما أجزت به من المشايخ الذين أخذت عنهم، وسألت
الإجازة منهم، بقراءة أو سماع أو مناولة أو وصية، ومالي من تأليف ووضع، ونظم ونثر وجمع، كشعري المتضمنة الديوان المثبت فيه، ومناظرة الفتح بن خاقان المسمى شنف الآذان في مماثلة تراجم قلائد العقيان، وسيرة مولانا السلطان الملك الناصر المتضمنة أجزاء متعددة، وسيرة والده السلطان الشهيد الملك المنصور المتضمنها جزء واحد التي حسنتها على ألسنة الرعايا متعددة، وسيرة ولده الملك الأشرف، ونظم الجواهر في سيرة مولانا السلطان الملك الناصر، أيضاً نظماً، وما يشرح الصدور من أخبار عكا وصور، والإعراب عما اشتمل عليه البناء الملكي الناصري بسرياقوس من الإغراب، وإفاضة أبهى الحلل على جامع قلعة الجبل، وقلائد الفرائد وفرائد القلائد فيما لشعراء العصريين من الأماجد، ومناظرة ابن زيدون في رسالته، وقراضات الذهب المصرية في تقريظات الحماسة البصرية، والمقامات الناصرية، ومماثلة رسائل ما حل من الشعر، وتضمين الآي الشريفة والأحاديث النبوية في المثل السائر، والمساعي المرضية في الغزوة الحمصية، وما ظهر من الدلائل في الحوادث والزلازل، والمناقب السرية المنتزعة من السيرة الظاهرية، والدر المنظم في مفاخرة السيف والقلم، والحكام العادلة فيما جرى بين المنظوم والمنثور من المفاضلة، والرأي الصائب في إثبات ما لا بد منه للكاتب، والإشعار بما للمتنبي من الأشعار، وتجرية الخاطر المخاطر في مماثلة فصوص الفصول وعقود العقول مما كتب به القاضي الفاضل في معنى السعيد بن سناء الملك، وعدة الكاتب وعمدة المخاطب،
وشوارد المصائد فيما لحل الشعر من الفوائد، ومخالفة المرسوم في الوشي المرقوم، ومالي غير ذلك من حل نظم ونظم حل، ورسائل فيما قل أو جل. وما يتفق لي بعد ذلك من نظم ونثر وتأليف وجمع حسبما التمسه مني بمقتضى إجازته، وإيدائه وإعادته. وكتب في يوم الأحد خامس عشر صفر سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
وكتب بخط يده بعد ذلك: أجزت له جميع ذلك بشرطه، وكتب: شافع بن علي بن عباس.
وأنشدنا إجازة له:
أرى الخال من وجه الحبيب بأنفه
…
وموضعه الأولى به صفحة الخدّ
وما ذاك إلا أنّه من توقّدٍ
…
تسامى يروم البعد من شدّة الوقد
وأنشدني له إجازة، وقد احترقت الكتب أيام الأشرف:
لا تحسبوا كتب الخزانة عن سدى
…
هذا الذي قد تمّ من إحراقها
لمّا تشتّت شملها وتفرّقت
…
أسفت فتلك النار من زفراتها
وأنشدني إجازة له:
شكا لي صديقٌ حبّ سوداء أُغريت
…
بمصّ لسانٍ لا تملّ له وردا
فقلت له: دعها تلازم مصّه
…
فماء لسان الثّور ينفع للسّودا
وأنشدني له إجازة:
قل لمن أطرى أبا دلفٍ
…
بمديحٍ زاد في غرره
كم رأينا من أبي دلفٍ
…
خبره يربي على خبره
ثمّ ولّى بالممات وما
…
ولّت الدّنيا على أثره
وأنشدني له إجازة في انكفاف بصره:
أضحى وجودي برغمي في الورى عدماً
…
إذ ليس لي فيهم وردٌ ولا صدر
عدمت عيني ومالي فيهم أثرٌ
…
فهل وجودٌ ولا عينٌ ولا أثر؟
وأنشدني له إجازة:
لقد فاز بالأموال قومٌ تحكّموا
…
ودان لهم مأمورها وأميرها
نقاسمهم أكياسها شرّ قسمةٍ
…
ففينا غواشيها وفيهم صدورها
وأنشدني له إجازة في سجادة خضراء:
عجبوا إذا رأوا بديع اخضرارٍ
…
ضمن سجّادةٍ بظلٍّ مديد
ثمّ قالوا: من أيّ ماءٍ تروّى؟
…
قلت: ماء الوجوه عند السّجود
وأنشدني له إجازة في ممسحة القلم:
وممسحةٍ تناهى الحسن فيها
…
فأضحت في الملاحة لا تبارى
ولا نكر على القلم الموافي
…
إذا في ضمنها خلع العذارا
وأنشدني له إجازةً في شبابة:
سلبتنا شبّابةٌ بهواها
…
كلّ ما ينسب اللّبيب إليه
كيف لا والمحسن القول فيها
…
آخذٌ أمرها بكلتا يديه
وأنشدني له إجازة:
ومن عجبٍ أنّ السّيوف لديهم
…
تكلّم من تأتمّه وهي صامته
وأعجب من ذا أنّها في أكفّهم
…
تحيد عن الكفّ المدى وهي ثابته
وكتب إليه السراج الوراق، ومن خطه نقلت:
أيا ناصر الدين انتصر لي فطالما
…
ظفرت بنصرٍ منك بالجاه والمال
وكن شافعاً فالله سمّاك شافعا
…
وطابقت أسماءً بأحسن أفعال
وقدرك لم نجهله عند محمّدٍ
…
لأن ابن عبّاسٍ من الصّحب والآل
قلت: يريد بمحمد هنا القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر.
وكتب إليه أيضاً، ومن خطه نقلت:
سيّدي اليوم أنت ضيفٌ كريمٌ
…
فاق معنىً في جوده بمعان
لو رأى الفتح سؤدد الفتح هذا
…
ما انتمى بعده إلى خاقان
أو رآه فتح المغارب صلّى
…
بعلاه قلائد العقيان
وكأنّي أراكما في مجارا
…
ة المعاني بحرين يلتقيان
وتطارحتما مذاكرةً تفتن
…
ن منها أزاهر الأفنان
فإذا مرّ للصنائع ذكرٌ
…
فاجعلاني في بعض من تذكران
ومن نثر الشيخ ناصر الدين شافع - رحمه الله تعالى - في شمعة، قوله:
شمعة ما استتم نبتها بروضة الأنس حتى نورن ولا نما بدوحة المفاكهة حتى
أثمر. أومأ بنان تبلجها إلى طرق الهداية وأشار، ودل على نهج التبصر وكيف لا وهي علم في رأسه نار. كأنما هي قلم امتد بما أليق من ذهب، أو صعدة إلا أن سنانها من لهب، وحسبها كرماً أن جادت بنفسها، وأعلنت بإمتاعها على همود حسها، سائلها في الجود بامثالها مسؤول، ودمه بالعفو للصفو من سماحتها مطلول. تحيتها: عموا صباحاً بتألف فجرها، وتمام بدرها في أوائل شهرها. قد جمعت من ماء دمعها ونار توقدها بين نقيضين، ومن حسن تأثيرها وعين تبصرها بين الأثر والعين. كم شوهد منها في مدلهم الليل للشمس وضحاها، ومن تمام نورها للنجم إذا تلاها، وكم طوى باع أنملتها المضيئة رداء الليل إذا يغشاها. قد غيرت ببياض ساطع نورها على الليل من أثواب الحداد، وتنزلت منه منزلة النور الباصر ولا شبهة أن النور في السواد. إن تمايل لسان نورها فالإضاءة ذات اليمين وذات الشمال، وإن استقام على طريقة الإنارة فلما يلزم إنارتها من الإكمال. نارها إنما هو من تلاعب الهوى بحشاها، ونحولها بمكابدة تعذيبها بما من الاصفرار يغشاها. كم عقدت على سفك دمها مع البراءة من العقوق من محافل، وكم قتلت على إطفاء نائرها، ولا ثائرة من قاتل، فهي السليمة التي كم بات من زبان صرفها بليله السليم، وكم أجدى نفسها على نفسها بنفح روح ربها من عذاب أليم.