الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجودك قد عمّ الوجود وأهله
…
فما منزلٌ من فيض فضلك قد خلا
وأنت فلم تبرح تغيث ولم تزل
…
تعين ذوي الحاجات منك تفضّلا
فلا زلت محروس المقرّ مبلّغا
…
أمانيك مشكور الندى دائم العلا
ورثاه والده بشعر كثير، ومنه ما كتبه تحت خطه بعد وفاته:
آها لكاتبها وما
…
فعلت بأنملها الظراف
نوب المنون العارضا
…
ت لكلّ حيٍّ بالتّلاف
أفرطت في تفريطهنّ
…
بما أفتن من التلاق
تجتاح أرواح الورى
…
بظواهرٍ منها خواف
لتعيدهم كمرامدٍ
…
بالريح تنسفها السّواف
أجّجن نيران الجحيم
…
أسىً بقلبي والشّغاف
وأطلن سقماّ ماله
…
إلاّ علاج الموت شاف
عبد الله بن أحمد
الوزير علم الدين بن القاضي تاج الدين بن زنبور.
كان كاتباً سعيد البدايه، متصرفاً له في التدبير عنايه، جمع له من الوظائف الجليلة ما لم يجمع لغيره، ودانت له الأيام حتى ذل الأُسود لعيره، وجمع له من الأموال ما تقصر عنه أمواج الأمواه، وتكل عن وصفه أفواج الكلم من الأفواه، واقتنى من الأملاك ما يحار له الأملاك، وحاز من الإنعام ما يقف السابح في ذكره إن عام، وأما المراكيب والمراكب والملابس التي تفخر بها الكواكب، فشيء زاد على المعهود مقداره، وضاقت في البر والبحر أقطاره.
وعاند أولاً وكاد يدركه العطب، ونهض من وهدة الخطب إلى ذروة المنبر من العز وخطب، ثم إنه استقل من يعانده، واستذل من يراوده، فوقع هو في هوة لا يصل من ينتاشه إلى قرارها، وتاه في موماة هلاك لا ينجيه الحذر من فرارها، فأخذ من مأمنه، وثار إليه الشر من مكمنه، فأصبح علمه منكسا، وقلمه مركسا، ونزلت به من الزمان بليه، وأمست حلية المنصب من ابن زنبور خليه، يطلب من ينصره فلا يجده، ويروم من يعضده فلا يعده ولا يعده، وتنوع له العذاب، وتفرع من الهوان ما أذله وأذاب، إلى أن تقطعت القلوب له رحمه، وجاءه الفرج فلم يخلص إليه من الزحمه، عادة من الزمان أجرى الناس عليها، وأجراهم بعد غاياتهم إليها.
ثم إنه جهز إلى قوص، مع حظه المنقوص، ففارق أربعة رق له فيها الحسدة: مناصبه ووطنه وماله وولده، فبات وزيراً سعيدا، وأصبح فقيراً في البلاد طريدا، فلا رغبة لعاقل في العليا، ومرحباً بإقبال هذه الدنيا، فقد:
تفانى الرجال على حبّها
…
وما يحصلون على طائل
ولم يزل بقوص، والذل يغور به ويغوص، إلى أن اندفع إلى القبر واندفن، وخرج من دنياه وما معه غير الكفن.
وتوفي بقوص رحمه الله تعالى في ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وسبع مئة.
أول ما علمته من أمره أن القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص استخدمه كاتب الإصطبلات بعد أولاد الجيعان في أواخر أيام الملك الناصر محمد، وبقي القاضي
علم الدين على هذه الوظيفة إلى أن خرج القاضي علم الدين بن القطب من مصر إلى دمشق، فخلت عنه وظيفة استيفاء الصحبة، وخرج إلى حلب وكشف القلاع، وحصل أموالاً. وبقي على ذلك إلى أن أمسك جمال الكفاة في واقعته الأخيرة، ومات تحت العقوبة، فنقل القاضي موفق الدين إلى نظر الخاص، فبقي قليلاً، وطلب الإعفاء فأعفوه، وتولى علم الدين بن زنبور الخاص، وأضيف إليه من الجيش بعد القاضي أمين الدين، ولم يزل على ذلك إلى أن أمسك الأمير سيف الدين منجك الوزير، فأضيفت الوزارة إلى ابن زنبور، وهذا أمر ما اتفق لغيره أبداً، ولا سمعنا به وإنما كان الجيش والخاص مع جمال الكفاة، وهذه الوظائف الثلاث، هي عبارة عن الدولة إلا كتابة السر، فعلم الدين بن زنبور، أول من جمع له هذه الوظائف.
وبقي على ذلك إلى أن خرج السلطان الملك الصالح صالح إلى الشام في واقعة بيبغاروس، فحضر معه إلى دمشق وأظهر في دمشق عظمة زائدة، وروع الكتاب ومباشري الأوقاف ولكنه لم يضرب أحداً، ولا كشف رأسه، وتوجه مع السلطان عائداً إلى مصر، في أوائل ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة. ولما وصل عمل السلطان سماطا عظيماً، وخلع فيه على الأمراء كبارهم وصغارهم، وكان تشريف الأمير صرغتمش ناقصاً عن غيره، وكان في قلبه من الوزير، فدخل إلى الأمير سيف الدين طاز وأراه تشريفه، وقال: هكذا يكون تشريفي، واتفق معه على إمساك ابن زنبور. وخرج من عنده وطلبه وأهانه وضربه ورسم عليه وجد في ضربه، ومصادرته، فأخذ منه من الذهب والفضة والقماش والأصناف والكراع والأملاك ما يزيد على الحد، ويتوهم الناقل لذلك أنه ما يصدق في ذلك، ويستحيي العاقل من
ذكره. وبقي ف العقوبة زماناً، وكان الأمير سيف الدين شيخو يعتني به في الباطن، فشفع فيه وخلصه وجهزه إلى قوص فأقام بها إلى أن مات في التاريخ المذكور، وقيل: إنه سم، وقيل: نهشه ثعبان، والله أعلم.
وتولى الوزارة بعده القاضي موفق الدين وتولى الخاص القاضي بدر الدين كاتب يلبغا، وتولى القاضي تاج الدين أحمد بن أمين الملك نظر الجيش.
وبلغنا أنه لما أعيد الملك الناصر حسن إلى الملك أعيدت المصادرة على من بقي من ذوي قرابة ابن زنبور، وأنه أخذ له، ومنهم جملة من المال، وأما ما أخذ منه في المصادرة في حياته فنقلت من خط الشيخ بدر الدين الحمصي من ورقة بخطه، على ما أملاه القاضي شمس الدين محمد البهنسي: أواني ذهب وفضة ستون قنطاراً. جوهر ستون رطلاً. لولو أردبان. ذهب مصكوك مئتا ألف وأربعة آلاف دينار، ضمن صندوق، ستة آلاف حياصة، ضمن صناديق زركش: ستة آلاف كلوته، وذخائر عدة، قماش بدنه: ألفان وست مئة فرجية. بسط: ستة آلاف. صنجة دراهم: خمسون ألف درهم. شاشات: ثلاث مئة شاش. دواب عاملة: ستة آلاف. حلابة: ستة آلاف. معاصر سكر: خمس وعشرون معصرة. وخيل وبغال: ألف، دراهم ثلاثة أرداب. إقطاعات سبع، كل إقطاع: خمسة وعشرون ألف درهم. عبيد: مئة. خدم: ستون. جواري: سبع مئة. أملاك القيمة عنها. ثلاث مئة ألف دينار. مراكب: سبع مئة. رخام القيمة عنه: مئتا ألف درهم. نحاس: قيمته أربعة آلاف دينار. سروج وبدلات خمس مئة. مخازن ومتاجر: أربع مئة ألف دينار. نطوع: سبعة آلاف. دواب: خمس مئة. بساتين: مئتان. سواقي: ألف وأربع مئة.