الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما أراد غازان العود من دمشق بعد ما ملكها إلى بلاده، ورتب الأمير سيف الدين قبجق نائب دمشق وجعل الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار نائب حلب والأمير فارس الدين البكي نائب السواحل كلها وزكريا بن الجلال وزيراً يستخرج الأموال من دمشق، وحلب وطرابلس، جعل بولاي هذا مقيماً بجماعة من عسكر التتار ردءاً لهؤلاء النواب إلى أن يستخدموا لهم جنداً، فنبت ببولاي الدار، وضاق عطنه من المقام بأرض الشام، وتذكر هو وقومه بلادهم وجنى له من دمشق جناية لما قدم من الغور في العشر الآخر سنة تسع وتسعين وست مئة.
الألقاب والأنساب
البيابانكي أحمد بن محمد
ابن البياعة: شمس الدين محمد بن عثمان
.
وجلال الدين محمد بن سليمان.
بيبرس
الملك المظفر ركن الدين البرجي الجاشنكير المنصوري، وكان يعرف بالعثماني.
كان أبيض أشقر مستدير اللحية أزهر، فيه عقل موفر الأقسام، ودين لا يدعه يقع في محظور ولا حرام. يتجنب الفواحش ويحاذيها، ويقول:
إنّ السلامة من ليلى وجارتها
…
أن لا تمرّ بوادٍ من بواديها
شاع عنه ترك المحرمات وذاع، وملأ الأقطار والأسماع، خلا أنه لم يرزق في ملكه سعداً ولا أنجز الله له من طول المدة وعدا، وخانه سفرآؤه وخبث عليه أمراؤه
وأسلموه وقفزوا، وتركوه فرداً وتميزوا، فولى مدبراً ولم يعقب، وخرج من مصر نحو الصعيد خائفاً وهو مترقب، إلى أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت، واصفرت شمس سعوده وشحبت، فعاد وقد استسلم للطاعه، وبذل في رضى الله جهد الاستطاعه، وكانت أمواله لا تحصى، وأوامره لا تعصى، وله قبل السلطنة إقطاع كبيرة فيه عدة طبلخانات.
وكان أستاذ الدار للملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان سلار النائب، فحكما في البلاد وتصرفا في العباد، والسلطان له الاسم لا غير، وكانوا نواب الشام خوشداشيته، وحزبه من البرجية.
ولما توجه السلطان الملك الناصر محمد إلى الحجاز ورد من الطريق إلى الكرك وأقام بها وأظهر لهم أنه ترك الملك، لعب الأمير سيف الدين سلار بالجاشنكير وسلطنه، وتسمى بالمظفر وفوض الخليفة إليه ذلك، وأفتاه جماعة من الفقهاء بذلك منهم الشيخ صدر الدين بن الوكيل، والشيخ شمس الدين بن عدلان، حتى قيل في ذلك:
ومن يكن ابن عدلانٍ مدبّرة
…
وابن المرّحل قل لي كيف ينتصر
وكتب عهده عن الخليفة، وركب بخلعة الخلافة السوداء والعمامة المدورة، والتقليد على رأس الوزير ضياء الدين النشائي، وناب له سلار، واستوسق له الأمر، وأطاعه أهل الشام ومصر، وحلفوا له في شوال سنة ثمان وسبع مئة، ولم يزل إلى وسط سنة تسع، حصل للأمير سيف الدين نغاي وجماعة من الخواص نحو المئة،
وخامروا عليه إلى الكرك، فخرج الناصر من الكرك وحضر إلى دمشق وسار في عسكر الشام إلى غزة فجهز المظفر يزكا قدم عليهم الأمير سيف الدين بلرغي فخامر إلى الناصر، فذل المظفر، وهرب في مماليكه نحو الغرب، ثم إنه رجع بعد ما استقر الملك الناصر في قلعة الجبل، فذكر أن قراسنقر ضرب حلقة بالقرب من غزة لما خرج من مصر نائباً في دمشق، فوقع في الحلقة الجاشنكير المذكور ومعه نحو ثلاث مئة فارس، فتفرق الجماعة عنه في ثامن ذي القعدة سنة تسع وسبع مئة، رجع بنفسه معه على الهجن إلى مصر والأمير بهادرآص، فوصلا به إلى الخطارة، وتسلمه منهما الأمير سيف الدين أسندمر، وردهما لأن السلطان كان قد جهز يقول للجاشنكير: تروح إلى صهيون فهي لك، فتوجه في البرية، فوقع به قراسنقر، وكتب إليه فيما بلغني ممن له اطلاع: الذي أعرفك به أنني قد رجعت إليك لأقلدك بغيك، فإن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلني كان ذلك شهادة.
ومات رحمه الله تعالى سنة تسع وسبع مئة، وقيل: سقاه سما فهلك من وقته.
وعلى كل حال فما جاشت نفس الجاشنكير ولا جشأت ولا عبأت بوارد الموت ولا خسأت.
عمر الجامع الحاكمي بعد الزلزلة، ووقف عليه الأوقاف والكتب النفسية الكبيرة، وكتب له ابن الوحيد ختمة في سبع أجزاء بقلم الأشعار ذهباً، أخذ لها ليقةً ألف وست مئة دينار، وزمكها وذهبها صندل المشهور، وغرم عليها جملةً من الأجر، وما أظن أنه بقي يتهيأ لأحد أن ينشىء مثلها، ولا من تسمو همته إلى أن يغرم عليها مثل ذلك.
وكانت سلطنته عصر يوم السبت ثالث عشري شوال سنة ثمان وسبع مئة بالقاهرة، وجعل الأمير سيف الدين بلرغي مكان الجاشنكير ومكان بلرغي الأمير سيف الدين بتخاص، ومكان بتخاص الأمير جمال الدين بن آقوش نائب الكرك.
وعمر الخانقاه الركنية التي في رحيبة العيد مجاورة لخانقاه سعيد السعداء، ورتب لها فيما قيل أربع مئة صوفي، وصنع داخلها للفقراء بيمارستانا. ولما حضر السلطان الملك الناصر من الكرك لم يستمر لها إلا بمئة صوفي لا غير، وكان في كل قليل يؤخذ من حاصلها السبعون ألفاً والخمسون ألفاً والأقل والأكثر.
وكنت قد قلت فيه رحمه الله تعالى:
تثنّى عطف مصرٍ من قدوم ال
…
مليك النّاصر الندب الخبير