الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان آخر العهد به، وقبره ظاهر في إسكندرية في تربة يزوره الناس كما يزورون قبور الصالحين. وهو الذي عمر الخان الذي للسبيل بالقصير المعيني - رحمه الله تعالى -.
ولما وصل إلى صفد كان الأمير سيف الدين تنكز يجهز إليه كل يوم والثاني حملي فاكهة وحلوى وكذلك الصاحب شمس الدين غبريال، ما أخلا بذلك مدة مقامه بصفد، وحضر إليه يوماً بريدي وعلى يده كتاب من الأمير سيف الدين تنكز على العادة، فيما كان يكتب به إلى نواب الشام في مهمات الدولة، فلما رأى الكتاب رمى البريدي إلى الأرض، وضربه مئتي عصاً، وقال: والك! أنا إلى الآن ما برد خدي من ركبة السلطان وفخذه، وصار تنكز يأمر علي، وينهي.
وقال يوماً للأمير علم الدين سنجر الساقي مشد الديوان بصفد: والله، أنا مالي عند السلطان ذنب أخافه، ولا أخشاه، ولكن أخشى ممن يستشيره في أمري، فإنا كنا إذا استشارنا في أمر أحد قد غضب عليه نقول: يا خوند، اقتله. فأنا أخشى من مثل هؤلاء محاضر السوء.
وقلت - وقد داخلتني رقة عظيمة - وقد رأيته ومماليكه يودعونه:
تشفّى مماليك المليك بحادثٍ
…
ألمّ بمن عنه الثّناء يطيب
وقالوا: طغى فينا
طغاي
وما طغى
…
ومن أين للوجه المليح ذنوب
طغاي
ابن سوتاي، هو الحاج طغاي بن النوين سوتاي.
لما توفي سوتاي والده، وثب على الحكم على التومان الذي بديار بكر علي باشاخال بوسعيد، فحاربه الحاج طغاي غير مرة، وانكسر الحاج طغاي غير مرةً، ويعود إلى حرب علي باشا، وما يعود عنه إلى أن قال علي باشا: ما رأيت أقوى من وجه هذا، ولكن هذا حمار حرب.
ولم يزل بعد قتل علي باشا في محاربة قوم بعد قوم من التتار، وهو ملاحظ المسلمين متحيز إليهم، إلى أن قتله إبراهيم شاه بن بارنباي أخيه على ما تقدم في ترجمة إبراهيم شاه، وجاء الخبر بقتله من نواب الثغور والأطراف في يوم عاشوراء سنة أربع وأربعين وسبع مئة. وحز إبراهيم شاه رأسه بيده.
كان المذكور حمار حرب، وحمال طعن وضرب، لا يرجع عن القتال ولا ينثني، ولا يطأطئ رأسه لرزية ولا ينحني، إلى أن غدر به ابن أخيه، وشده في أواخيه، ولم تنفعه قرابه، وما جرد سيفه إلا أن يكون عنق عمه قرابه، فأصبح بين قومه مخذلا، وأمسى على التراب مجدلا، على أنه كان ردءاً للمسلمين، وبدءاً وعوداً في الذب عن المؤمنين، فالله يرحمه قتيلا، ولا يحرمه من أجره نقيراً ولا فتيلا.
طغاي
مملوك الأمير سيف الدين تنكز وأمير آخوره.
كان في آخر وقت قد تمكن من أستاذه تمكناً زائدا، وأصبح لولا الخوف من السلطان جعله للجيوش قائدا، وكان لا يخالفه في أمر، ولا يرجع إلى غير رأيه بخلاف
زيد ولا عمرو، فكان هو وسيف الدين جنغاي المقدم ذكره - قد استحوذا على عقله، ومن سواهما عنده أخبر بنقله، على أن طغاي وجنغاي لم ير الناس منهما إلا ما أحبوه، ولم يحركا على أحد ساكناً، وإن كان الناس قد أوقدوا جمر الفتن، وشبوه.
وما زال عند مخدومه في مكانة تسفل زحل عن تربها، وتصغر الشمس عن أن تكون في رتبة تربها، إلى أن أمسك، وقيل له: بعيد بين يومك وأمسك، ففصل السيف جسده نصفين، وكان ألفاً واحداً فأصبح ألفين.
وكان ذلك في المحرم سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.
يقال عن هذا طغاي: إنه خلص من أستاذه من الإقطاعات في الحلقة الأويراتية والوافدية ألف إقطاع، والسلطان نقم عليه ما نسب إلى أستاذه، وكان أولاً إذا راح في البريد إلى مصر أكرمه، وعظمه، وخلع عليه الخلع السنية، وأنعم عليه الإنعامات الوافرة، ولكن سبحان من لا يتغير، ولا يحول ولا يزول.
وكان قد حصل أموالاً عظيمة، فأخذت ونهبت، ووسطه الأمير سيف الدين بشتاك في سوق الخيل يوم الموكب، ووسط خوشداشة جنغاي على ما تقدم.
طغاي
الخوندة الكبرى زوج السلطان الملك الناصر وأم ابنه آنوك المقدم ذكره، وكانت
جاريته أولاً، ثم إنه أعتقها، وتزوجها، وقيل: إنها أخت الأمير سيف الدين أقبغا عبد الواحد المقدم ذكره.
كانت بديعة الحسن، باهرة الجمال الذي لا يطيق وصفه القالة اللسن.
رأت من السعادة، ما لا يراه غيرها من زوجات ملوك مصر الذاهبات، وتنعمت في ملاذ ما وصلت إليها يد الناهبات، لم يدم على محبة أحد غيرها، ولا نأى قسه عن ديرها، ولا عقل مجنونه عن ليلاها، ولا وقفت به جمال غرامه إلا في عقبة إيلاها، لأن نياق أشواقه؛ كانت كثيرة الشرود، سريعة الانتقال والانفتال عن مراعي زرود، وكانت فيما بعده معظمةً في كل دوله، مكرمة في كل زمان أحال الله حوله.
ولم تزل كذلك إلى أن كسفت شمسها وهانت في الثرى بعدما عز على كف الثريا لمسها.
وتوفيت - رحمها الله تعالى - في شوال سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون مصر.
كانت هي الخوندة الكبرى بعد بنت نوكاي، وهي أكبر الزوجات، مقدمة حتى على ابنة الأمير سيف الدين تنكز.
حج بها القاضي كريم الدين الكبير، واحتفل بها، وحمل لها البقل في محائر طين على ظهور الجمال، وأخذ لها البقر الحلابات، تكون معها في الطريق؛ ليؤخذ