الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان صالحاً حسن الشكل مليح المحاضرة، وكان حنلبياً، وينتسب إلى صاحب جامع الأصول.
وتوفي بداره بحارة الديلم في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وسبع مئة.
الحسين بن أبي بكر بن جندربك
الأمير شرف الدين أمير حسين الرومي.
كان من فرسان الخيل، وممن يسامي بسؤدده نجوم الليل، يجيد اللعب بالطير الجارح، ويصيد به ما هو في الجو طائر وفي البر سارح، هذا إلى ما هو فيه، مبرز في رمي النشاب، وصيد الوحش الذي يشهد له به البازي والكلاب، لا يكاد الوحش ينجو من يديه، ولا يفوته في ظهيرته أو أبرديه.
باشر الحروب مصافاً وحصارا، وكانت النصرة له غاية وقصارى. وكان في لسانه عجمه، لا تمنعه من اختبار سهم من عربي ولا عجمه، لأنه كان يؤثر قرب الفضلاء، ويود محادثة النبلاء، ويسأل عن غوامض بالنسبة إليه من القرآن، ويفحص عن مشكلات من معاني شعراء الأوائل وأهل الزمان، وله التنديب الحلو، والتندير الذي لا يرى وهو من التعجب خلو.
ونادم الأفرم في القصر، وفاز بنضارة ذلك العصر، ووقع بينه وبين الأمير
سيف الدين تنكز ونجا، وجعل الله له من أمره مخرجا، لنيته السليمه، وطويته القويمه. وطلبه السلطان فيما بعد ذلك، وسلكه من التقريب بحضرته أقرب المسالك.
ولم يزل على حاله إلى أن أفل نجم حياته، وتغيرت بالأسقام حلاوة شياته.
وتوفي بالقاهرة - رحمه الله تعالى - في سابع المحرم سنة تسع وعشرين وسبع مئة، ودفن بجوار جامعه بحكر جوهر النوبي.
كان وهو أمرد رأس مدرج طلب حسام الدين لاجين لما كان نائب الشام، وكان يؤثره ويقربه لأنه كان صياداً شجاعاً. وكان يحبه لأجل أخيه الأمير مظفر الدين، وربما تنادم معهما خلوة.
ولما ولي الملك حسام الدين لاجين طلبه إلى مصر وخلع عليه خلعة ولم يرضها، ثم إنه عاد إلى الشام وطلبه فيما أظن ثانياً، ورسم له بعشرة، وجرى للسلطان ما جرى على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى، فأقام بمصر إلى أن حضر السلطان الملك الناصر محمد من الكرك، فرسم له بالعشرة، وحضر مع الأفرم إلى دمشق صحبة الطلب. ثم إنه آخذ الطبلخاناه ولاق بقلب الأفرم ونادمه، ولم يزل معه بدمشق إلى أن هرب الأفرم عند قدوم الملك الناصر من الكرك إلى دمشق، فلحق هو بالسلطان ودخل معه ومع خواصه، وجهزه السلطان إلى الكرك ومعه الأمير سيف الدين تنكز، فأحضر الخزانة، وتوجه مع السلطان إلى القاهرة، ودخل معه بأنواع الحيل والتقرب إلى أن ما وصل إلى مصر إلا وهو من جملة المقربين.
أخبرني من لفظه قال: كنا ونحن سائرون في الطريق إذا مررنا بصيد آخذ الصقر
الجارح وأقول ياخوند: إن كان نملك مصر فهذا الطير يأخذ هذه الرمية، قال: وأتحيل وأقارب وأبلغ الجهد وأرميه فلا يخطي، فأقول: ياخوند هذا بسعادتك، فنزل من قلبه.
وكان محظوظاً في الصيد بالجوارح والضواري والنشاب، لا يكاد يفوته شيء منه. رأيت أنا هذا منه مراراً عديدة لما كنت أسافر معه، فإنني كتبت له الدرج بصفد وبمصر، وكان يستصحبني معه في أسفاره شاماً ومصراً، ثم إن السلطان أعطاه في مصر إمرة مئة وقدمه عل ألف، وأفرد له زاوية من طيور الجوارح، فكان أمير شكار مع الأمير سيف الدين كوجري.
وحضر مع السلطان إلى دمشق لما توجه إلى الحجاز في سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، وأقام بدمشق ولم يتوجه إلى الحجاز لأنه وقع وكسرت رجله، وكان الأمير سيف الدين تنكز يحضر لزيارته ويعوده كل قليل، وهو نائب دمشق.
ولما عاد السلطان عاد معه إلى مصر ولقي الحرمة الوافرة وحظي بالديار المصرية، وكان ينتمي إلى الأمير سيف الدين طغاي الكبير وينبسط معه فحلا بقلب الخاصكية وسلم لذلك لما أمسك السلطان الأمير علاء الدين أيدغدي شقير والأمير سيف الدين بكتمر الحاجب، وما أعطاه الناس في تلك الواقعة سلامه.
ثم إنه توالت عليه الأمراض فرسم له السلطان بالعود إلى الشام، فحضر إليها وهو مستمر عند تنكز على تلك المحبة، إلى أن وقع بينهما بسبب القصب الذي له في قرية عمتنا، وتخاصما في سوق الخيل ورجعا إلى دار السعادة وتحاكما، ثم إنهم سعوا بينهما في المصالحة، فقام تنكز وقام أمير حسين فوضع يده على عنق تنكز وقبل رأسه، فما حمل
تنكز منه ذلك. قال لي أمير حسين: والله ما تعمدت ذلك، ولكنه كان خطأ كبيراً، فكتب تنكز وطالع السلطان، فشد الفخري قطلوبغا من أمير حسين شداً كبيراً، فما أفاد كتاب تنكز، ورسم السلطان للأمير شرف الدين أن يكون مقامه بصفد وإقطاعه على حاله، وجاء كتاب السلطان إليه يقول فيه: إنك أسأت الأدب على نائبنا، وما كان يليق بك هذا، وحضر كتاب السلطان إلى نائب صفد بأن الأمير شرف الدين طرخان لا تجرده إلى يزك ولا تلزمه بخدمة إن شاء ركب وإن شاء نزل، فأقام بصفد قريباً من سنتين ونصف. ومن هنا كتبت له الدرج.
ثم إن الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار لما حضر إلى دمشق لإحضار الأمير علاء الدين ألطنبغا من حلب ليتوجه إليها أرغون الدوادار نائباً، كأنه قال للأمير سيف الدين تنكز لما جاء ذكر أمير حسين: والله ما كان السلطان هان عليه أمره، فحينئذ جنح تنكز للصلح مع أمير حسين وسير إليه بالغور ليلتقيه إلى القصير المعيني، فاصطلحا هناك وخلع عليه، ووعده بأنه إذا عاد من مصر أخذه معه إلى دمشق ففاوض السلطان في ذلك فما وافق على ذلك، وطلب الأمير شرف الدين إلى مصر وجاء الفور البريد وأخذه وتوجه به إلى دمشق، وجهز تنكز إلى مصر، فتوجه إليها على خيل البريد، وكنت معه، فوصل إليها في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبع مئة، وخلع عليه وأنعم عليه بإقطاع الأمير بهاء الدين أصلم السلحدار، فأقام عليه إلى أوائل سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
وتوفي رحمه الله تعالى، وحنا السلطان عليه حنواً كثيراً، وأعطى مماليكه الإقطاعات في الحلقة ورتب لهم الرواتب وأمر بعض أقاربه، ورتب الرواتب لبناته وزوجته وأقاربه وبعض غلمانه وأباح طيوره بحضوره، وهذا لم يتفق لغيره.
وهو الذي بنى القنطرة على الخليج وإلى جانبها الجامع الذي له في حكر جوهر النوبي، ولما فرغ أحضر إليه المشد والكاتب حساب ذلك، وقال: هذا حساب هذه العمارة، فرمى به في الخليج، وقال: أنا خرجت عن هذا لله تعالى، فإن خنتما فعليكما، وإن وفيتما فلكما. يقال: إنه غرم على ذلك فوق المئتي ألف درهم، وكان - رحمه الله تعالى - على الدرهم والدينار من يده شحيحاً، وأما من خلفه فما كان يقف في شيء، وكان الفرس والقباء عنده هين الأمر، يطلق ذلك كثيراً.
وكان خفيف الروح دائم البشر، لطيف العبارة، كثير التنديب الداخل، وكانت في عبارته عجمة، لكنه إذ قال الحكاية أو ندب أو ندر يظهر لكلامه حلاوة في السمع والقلب. قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس رحمه الله تعالى: نحن إذا حكينا ما يقوله هو ما يكون لذلك حلاوة كلامه من فيه.
وكان ظريفاً إلى الغاية في شمائله وحركاته، وكان فيه الخير والصدقة، ولكنه كان يستحيل في الآخر بعد إقباله.
وكان يجلس في مصر رأس الميمنة من أسفل، ولما حضر توتاش جلس مكانه، وكان هو يجلس في الميسرة بعد ذلك إلى أن مات.