الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخط من الإحسان. كتب بخطه المليح ربعة في ربع البغدادي الكبير، بقلم المحقق الذي يتعذر فيه التحرير، ووقفها بالجامع الأموي. وعنده مغالاة في الكتب النفيسة من كل فن.
وكان قد فوض إليه الأمير سيف الدين أيتمش النظر في أمر الجامع الأموي، فاسترفع حساب المباشرين، وتعب في أمره، وتولى أمره بنفسه، وفي ضمن هذا ورد المرسوم بطلبه إلى مصر في يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، فتوجه إلى القاهرة وأقام بها قريباً من عشرة أيام، ونزل به الأمر الذي وجب، وحل به القضاء المكنى أبا العجب.
وتوفي رحمه الله تعالى في إحدى الجماديين من السنة المذكورة، وكان قد أشيع أنه طلب للوزارة.
؟
شيخو
الأمير الكبير الأتابك سيف الدين الناصري.
هو غير الأول، ومن صرح سعده وما تأول، وثبت سؤدده وما تحول، وكاد يكاثر أمواج البحار الزاخرة بما ملك وما تخول، وصدق الملك في أمره وما تقول، وكان قارون عصره، وعزيز مصره، وصاحب العقد والحل، والنقض والإبرام فيما حرم وما حل، وكانت الأمور به ماشيه، والخيرات فاشيه، وعيون حساده بأنوار سعوده عاشيه:
تعود على الدنيا عوائد فضله
…
فأقبل منها كلّ ما كان أدبرا
بحلمٍ كأنّ الأرض منه توقّرت
…
وجودٍ كأن البجر منه تفجّرا
فقوي بذلك حزبه، وأضاءت في الآفاق شهبه، وأنشأ خلقا كثيرا، وجعل في كل مملكة غير واحد أميرا، وأراهم من إحسانه وخلعه جنةً وحريرا، فكبر نوابه في البلاد وكثروا، وجروا طلقا في ميادين سعودهم وما عثروا.
ولم يزل على حاله إلى أن جرعه الدهر بغدره الأمرين، ونكد عيش جماعة كانوا على ملازمته مصرين، فجرح جراحة لم تندمل، وجعلت كل عين عليه بالدموع تنهمل.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبع مئة.
كان قد حظي عند الملك المظفر، وزادت وجاهته حتى شفع في الأمراء إخوة يلبغا وفي الأمير عز الدين طقطاي الدوادار، وأخرجهم من سجن الإسكندرية، ثم إنه استمر في دولة الملك الناصر حسن أحد أمراء المشور، في اخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان في أيام الخدم، وصار زمام الدولة بيده، وساسها أحسن سياسة بسكون وعدم شر، وكان يمنع كل حزب من الوثوب على الآخر، وعظم شأنه.
ولم يزل على حاله إلى أن رسم السلطان بإمساك الوزير وأخيه الأمير سيف الدين بيبغاروس في طريق الحجاز، وكان شيخو قد خرج متصيداً إلى ناحية طنان، فلما كان يوم السبت رابع عشري شوال سنة إحدى وخمسين وسبع مئة رسم السلطان الملك
الناصر حسن بإمساك الأمير سيف الدين منجك الوزير، وحلف الأمراء لنفسه، وكتب تقليد بنيابة طرابلس باسم الأمير سيف الدين شيخو، وجهز إليه مع الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير، فتوجه إليه وأخذه من برا، وحضر به إلى دمشق، فوصل إليها ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة إحدى وخمسين، وعلى يده مرسوم السلطان بإقامته في دمشق أميراً على إقطاع الأمير سيف الدين تلك السلامي.
وتجهز تلك إلى القاهرة، فما وصل إلا وقد جاء على عقبه الأمير سيف الدين أرغون التاجي وعلى يده مرسوم بإمساكه وتجهيزه إلى باب السلطان، وتقييد مماليكه واعتقالهم بقلعة دمشق. ولما أمسك قرأ:" والفتنة أشدّ من القتل "، وقال: أين الأيمان التي حلفناها؟، وجهز سيفه صحبة الأمير سيف الدين طقتمر الشريفي، ثم جهز الأمير شيخو صحبة الأميرين مقيدا ومعهما الأمير سيف الدين جوبان وثلاثون جندياً يوصلونه إلى غزة، ولما وصلوا إلى قطيا توجهوا به إلى الإسكندرية، ولم يزل بها معتقلاً إلى أن خلع الملك الناصر حسن، وتولى الملك الملك الصالح صالح، فرسم بالإفراج عنه وعن بقية الأمراء الذين اعتقلوا مع الوزير منجك.
ووصل الأمير سيف الدين شيخو إلى القاهرة في رابع شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، ونزل الأشرفية، واستقر على عادته أولاً، وخرج مع السلطان
الملك الصالح إلى الشام في واقعة بيبغاروس وتوجه إلى حلب هو والأمير طاز وأرغون الكاملي خلف بيبغاروس - على ما تقدم في ترجمة أرغون الكاملي - وعاد مع السلطان إلى القاهرة، ولما أقام بها صمم على العمل على إمساك بيبغاروس وأحمد الساقي وبكلمش بعد ما هربوا إلى الروم، فأمسكوا وحزت رؤوسهم، على ما تقدم في تراجمهم.
وصمم أيضاً على إمساك ابن دلغادر، فأمسك، ولم يزل به إلى أن أحضر إلى القاهرة ووسط وعلق على باب زويلة.
ثم إنه خرج بنفسه في طلب الأحدب الخارج بالصعيد، وأبعد في طلبه، وعدى مدينة قوص، فهرب أمامه وأمسك من جماعته جماعة كثيرة إلى الغاية، ووسطهم من مكان الظفر بهم إلى القاهرة، وأبلى في أمرهم بلاءً حسناً، وطهر الأرض منهم. وكان ذلك في أواخر سنة أربع وخمسين وسبع مئة وأوائل سنة خمس وخمسين. ولم يزل مظفراً منصوراً فيما يحاوله.
وقلت أنا فيه:
شيخو أمير الجيوش سار
…
لأحدبٍ باسه لطيخ
أهمل أمر العقاب لمّا
…
ريّش في ضعفه الفريخ
قولوا له أنت في ضلالٍ
…
ما فيه خير وفيه ريخ
مالك قدّامه مطارٌ
…
أنت صبيٌّ وذاك شيخو
ولم يزل على حاله إلى أن قيل له: إن الأمير سيف الدين جردمر أخا الأمير سيف الدين طاز والأمير ركن الدين عمر بن أحمد بن بكتمر الساقي قد أوقعا بينك وبين السلطان، وقد عزموا على الإيقاع بك، فتيقظ هو لهذا الأمر، وخلع السلطان
الملك الصالح في يوم الاثنين ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبع مئة، وأخرج السلطان الملك الناصر حسن وأجلسه على التخت، وحلف له هو والعساكر، وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى حلب نائبا ومعه إخوته، واستقر هو بالقاهرة على حاله، كل الأمور راجعة إلى أمره، وزادت عظمته بعد ذلك، وزادت أملاكه وإقطاعه ومستأجراته بالشام وبالديار المصرية، وصار نوابه بالشام في كل مدينة أمراء كباراً، وخدموه وبالغوا، إلى أن قيل: إنه كان يدخل ديوانه من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مبلغ مئتي ألف درهم وأكثر، وهذا شيء لم نسمع به في هذه الدولة التركية.
وعمر المدرسة العظيمة، والخانقاه المليحة، والتربة الحسنة في الصليبة، وقرر في المدرسة الأربعة مذاهب، ووقف عليها الوقوف العظيمة.
ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبع مئة، فخرج شخص من مماليك السلطان المرتجعية عن الأمير سيف الدين منجك يدعى باي قجا، لما جلس السلطان في دار العدل وأذن للخاصكية بالدخول، فوثب عليه وضربه بالسيف في وجهه وفي يده. وكانت واقعةً صعبة، ومات من الزحمة على ما قيل يوم ذاك جماعة، وكان يوماً عظيماً. وركب عشرة من مقدمي الألوف ملبسين وتوجهوا إلى قبة النصر، وأمسك باي قجا المذكور، وقرر فلم يقر على أحد، وقال: أنا قدمت إليه قصة لينقلني من الخاصكية إلى الإقطاع فما قضى شغلي، فبقي هذا الأمر في نفسي. ثم إنه بعد مدة سمر باي قجا وطيف به في الشوارع.
واستمر الأمير سيف الدين عليلاً من تلك الجراحة، ولم يصعد منها إلى القلعة إلى أن خرج السلطان إلى سرياقوس، ولم ينزل بها، ثم إنه دخل المدينة قبله.