الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلّ من جرّعني سمّه
…
فهو الذي أطعمته شهدي
الحسين بن خضر
ابن محمد بن حجي بن كرامة بن بحتر بن علي بن إبراهيم بن الحسين بن إسحاق بن محمد: الأمير ناصر الدين التنوخي المعروف بابن أمير الغرب، مقامه ومقام ذويه بجبال الغرب من بلاد بيروت، والحسين بن إسحاق في أجداده، وهو ممدوح أبي الطيب في القصيدة القافية التي يقول فيها:
شدوا بابن إسحاق الحسين فصافحت
…
ذفاريّها كيرانها والنمارق
وله فيهم أمداح ومراث. وكرامة بن بحتر هو الذي هاجر إلى نور الدين الشهيد فأقطعه الغرب وما معه بإمرية فسمي أمير الغرب بذلك، قال الأمير ناصر الدين المذكور: ومنثوره إلى الآن عندنا بخط العماد الكاتب، وتحضر كرامة بعد البداوة، وسكن حصن سلحمور من نواحي إقطاعه، وهو على تل عال بغير بناء، وانتشأ أولاده هناك، ولم يزالوا كذلك إلى أن كان الحضر، فكان قذى في عين صاحب بيروت أيام الفرنج، وشجاً في حلقه، ورام حصره مراراً، فتوعر الوصول إليه، فلما صار الحال إلى أولاده الشباب هادنهم صاحب بيروت وسالمهم، وجعلوا ينزلون إلى الساحل، وألفوا الصيد بالطير وغيره، فراسلهم، وطلب الاجتماع بهم في الصيد، فتوجه كبارهم وتصيدوا معه إلى آخر النهار، فأكرمهم وقدم لهم ضواري وطيوراً وكساهم قماشاً ولمن معهم، وعادوا إلى حصنهم، ولم يزل يستدرجهم مرة بعد مرة إلى أن أخرج ابنه معه
وهو شاب، فقال: قد عزمت على زواجه، وأدعو له ملوك السواحل، وأريدكم تحضرون ذلك النهار، فتوجه الثلاثة الكبار وبقي أخوهم الصغير في الحصن ووالدته وجماعة قليلة، وتوجهوا إليه، وامتلأ الساحل بالشواني والمدينة بالفرنج الغتم وتلقوهم بالشمع والمغاني، فلما صاروا في القلعة، وجلسوا مع الملوك قعدوا إلى العصر، ثم إنهم غدروا بهم وتكاثروا عليهم وأمسكوهم وأمسكوا غلمانهم، وغرقوهم وركبوا في الليل، ومع صاحب بيروت جميع العسكر القبرسي واشتغلوا بالحصن، وانجفل الفلاحون قدامهم والحريم والصبيان إلى الجبال والشعراء والكهوف وطاولوهم، وعلم أهل الحصن بأن الجماعة قد أمسكوهم وغرقوهم، ففتحوا الباب، وخرجت العجوز ومعها ولدها الصغير وعمره سبع سنين، ولم يبق بينهم سوى هذا واسمه حجي، وهو جد والد هذا ناصر الدين.
ولما حضر السلطان صلاح الدين وفتح صيدا وبيروت، توجه إليه هذا حجي وباس رجل السلطان صلاح الدين في ركابه، فلمس رأسه بيده وقال: أنا آخذ ثأرك، طيب قلبك، أنت موضع أبيك، وأمر له بكتابة أملاك أبيه، وهي القرايا التي بأيديهم بستين فارساً. ولم يزالوا على ذلك إلى أيام الملك المنصور قلاوون، فذكر أولاد تغلب من مشغرا قدام الشجاعي أن بيد الجبلية أملاكاً عظيمة بغير استحقاق، ومن جملتهم أمراء الغرب، وتوجهوا معه إلى مصر، فرسم المنصور بإقطاع أملاك الجبلية مع بلاد طرابلس لجندها وأمرائها، فأقطعت لعشرين فارساً من طرابلس، فلما كان أيام الملك الأشرف توجهوا إليه وسألوه أن يخدموا على أملاكهم بالعدة، فرسم لهم بها وأن يزيدوها عشرة أرماح أخر.
ولما كان أيام الروم في أيام تنكز وكشفها الأمير علاء الدين بن معيد، حصل من تفضول في حقهم، فرسم السلطان الملك الناصر أن تستمر عليهم بمضاعفة العدة، فاستقرت عليهم لستين فارساً، وهي إلى الآن باقية على هذا الحال.
وأما هذا ناصر الدين فإنه كان جواداً سمحاً، لا يزول كرمه ولا يمحى، يخدم أعيان الناس، ويتجاوز الحد في ذلك والقياس، ومن يتوجه إلى تلك النواحي، فإنه يجد منه ثغر جود يخجل الأقاصي.
وكان يكتب جيداً ويأتي من المحاسن ما حق له أن يدعى سيداً، ويترسل ترسلاً فيه فصاحة وبلاغة، وكلمات كأنها قد صاغها صياغة، وفيه عدة فضائل، وكرم عشرة ولطف شمائل، ورئاسة تدل على كرم أصله، وسيادة يترجم عنها لسان قلمه ونصله. وهو مطاع في قومه، لا يصل المشتري ولا زحل إلى سومه، إذا قال لأحدهم: اسكت رمي من وقته بالصمات، وإذا قال له قم قام، وإذا قال له مت مات، يتسارعون إلى امتثال أوامره، ويتقارعون على الفوز بالتحلي من كلامه بجواهره.
ولم يزل على حاله إلى أن غرب نجم أمير الغرب، ولم يدفع عنه أحد بطعن ولا ضرب.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في نصف شوال سنة إحدى وخمسين وسبع مئة.
ومولده سنة ثمان وستين وست مئة.
ولما كبر وأسن نزل قبل موته بسنتين عن إمرته لولده الأمير زين الدين صالح، وكنت قد توجهت إلى بيروت ولم يكن بها، فسير إلي قاصداً يطلبني لأتوجه إليه إلى أعبيه، لأرى مكانه فيها، فإن الناس يصفونه بحسن زائد وطيب هواء وماء،