الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادة بن عبد الغني
الإمام المفتي زين الدين أبو سعد الحراني المؤذن الشروطي الحنبلي.
كان قد طلب الحديث في وقت، ودار على الشيوخ قليلاً، ونسخ جملة من الأجزاء سنة بضع وتسعين وست مئة، ثم إنه تقدم في الفقه وناظر، وتميز في الفروع وفاكر بها وحاضر، فرأى أنه ارتفع عن هذه الدرجه، وأعدم بذاك الناس من حسن ضرجه، وكان عنده صحيح مسلم، عن القاسم الإربلي.
ولم يزل على حاله إلى أن حكم الموت فساده في عباده، وأباده الله تعالى فيمن أباده.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة إحدى وسبعين وست مئة.
اللقب والنسب
ابن عبادة الوكيل شهاب الدين أحمد بن علي
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان
الشيخ الإمام الفاضل الزاهد الورع تقي الدين بن تمام التلي الصالحي الحنبلي.
سمع من يحيى بن قميرة، وخطيب مردا، والكفرطابي، وإبراهيم بن خليل،
وجماعة، والمرسي، واليلداني، وقرأ النحو على ابن مالك، وعلى ولده بدر الدين.
كان رجلاً صالحا، دائم البشر لا يرى كالحا، ديناً خيرا، صيناً يرى وجهه في الظلمات نيرا، نزهاً محبوباً إلى القلوب، صلفاً طول عمره في الزهد على أسلوب، فقيراً لا يملك شيئا، ولا يجد له في الأرض فيئا، حسن الشعرة والمنادمه، مليح الذاكرة برئيا في المصادقة من المصادمه، ظريف البزة مع الزهد والقناعه، نظيف الملبس في الجمعة والجماعه، وله النظم الذي هو أسرى من النسيم وأسنى من العقد النظيم، يكاد يرشفه السمع راحا، ويداوي من قلوب أهل الكآبة جراحا، قد انسجم لفظه فهو صوب غمامه، ولذ تركيبه فهو صوت حمامه، تمكنت القوى في قوافيه، وطاب تلاف النفوس في تلافيه.
ولم يزل على حاله إلى أن كسف بدر ابن تمام في تمامه، وغرد الحمام بل ناح على كأس حمامه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثماني عشرة وسبع مئة ليلة السبت ثلاث شهر ربيع الآخر.
ومولده سنة خمس وثلاثين وست مئة.
وسيأتي ذكر أخيه الشيخ محمد إن شاء الله تعالى في المحمدين.
أخبرني القاضي شرف الدين أبو بكر بن القاضي شمس الدين بن شيخنا أبي الثناء محمود، قال: كان جدي، يعني القاضي شهاب الدين محموداً، قد أذن لغلامه الذي
نفقته معه أنه مهما طلب منه الشيخ تقي الدين من الدراهم يعطه بغير إذنه، قال: فما كان يأخذ منه إلا ما هو مضرور إليه انتهى.
قلت: وكان قد صحبه أكثر من خمسين سنة، وكان قد حج وجاور واجتمع بالتقي الحوراني وبقطب الدين ابن سبعين، وسافر وطوف البلاد، وأقام بالديار المصرية مدة، وصحب الفقراء والفضلاء، وتفرد عن ابن قميرة بالجزء الرابع من حديث الصفا، وخرج له فخر الدين بن البعلبكي مشيخة، قال: شيخنا البرزالي: قرأتها عليه، وكان زاهداً متقللاً من الدنيا، لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا سراج ولا زبدية، وبيته خال من جميع ذلك، أنشدني شيخنا العلامة شهاب الدين محمود إجازةً لنفسه ما كتبه من الديار المصرية إلى الشيخ تقي الدين ابن تمام:
هل عند من عندهم برئي وأسقامي
…
علمٌ بأنّ نواههم أصل آلامي
وأنّ جفني وقلبي بعد بعدهم
…
ذا دائمٌ وجدهم فيهم وذا دامي
بانوا فبان رقادي يوم بينهم
…
فلست أطمع من طيفٍ بإلمام
كتمت شأن الهوى يوم النّوى فنمى
…
بسرّه من دموعي أيّ نّمام
كانت لياليّ بيضاً في دنوّهم
…
فلا تسل بعدهم ما حال أيامي
ضنيت وجداً بهم والنّاس تحسب بي
…
سقماً فأُبهم حالي عند لوّامي
وليس أصل ضنى جسمي النحيل سوى
…
فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تّمام
مولى متى أخل من برء برؤيته
…
خلوت فرداً بأشجاني وأسقامي
نأى ورؤيته عندي أحبّ إلى
…
قلبي من الماء عند الحائم الظامي
وصدّ عني فلن يسأل لجفوته
…
عن هائمٍ دمعه من بعده هام
يا ليت شعري ألم يبلغه أنّ له
…
أخاً بمصر حليف الضّعف من عام
ما كان ظنّي هذا في مودّته
…
ولا الحديث كذا عن ساكني الشام
فكتب الجواب ابن تمام عن ذلك:
يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام
…
يكابد الشّوق من عامٍ إلى عام
الله في رمقٍ أودى السّقام به
…
كم ذا يعلّل فيكم نضو أسقام
ما ظنّكم ببعيد الدار منفردٍ
…
حليف همّ وأحزانٍ وآلام
يا نازحين متى تدنوا النّوى بكم
…
حالت لبعدكم حالي وأيّامي
كم أسأل الطّرف عن طيفٍ يعاوده
…
وما لجفني من عهدٍ بأحلام
استودع الله قلباً في رحالكم
…
عهدته منذ أزمانٍ وأعوام
وما قضى بكم في حبكم أرباً
…
ولو قضى فهو من وجدٍ بكم ظام
من ذا يلوم أخا وجدٍ بحبّكم
…
فأبعد الله عذّالي ولوّامي
في ذمّة الله قومٌ ما ذكرتهم
…
إلا ونمّ بوجدي مدمعي الدّامي
قوم أذاب فؤادي فرط حبّهم
…
وقد ألمّ بقلبي أيّ إلمام
وما اتخذت سواهم عنهم بدلاً
…
ولا نقضت لعهدي عقد إبرام
ولا عرفت سوى حبي لهم أبدا
…
حباً يعبّ؟ ر عنه جفني الهامي
يا أوحداً أعربت عنه فضائله
…
وسار في الكون سير الكوكب السّامي
في نعت فضلك حار الفكر من دهشٍ
…
وكلّ ظامٍ سقي من بحرك الطّامي
لا يرتقي نحوك السّاري على فلكٍ
…
فكيف من رام أن يسعى بأقدام
منك استفاد بنو الآداب ما نظموا
…
وعنك ما حفظوا من رقم أقلام
أنت الشّهاب الذي سامى السّماك علاً
…
وفيض فضلك فينا فيض إلهام
لمّا رأيت كتاباً أنت كاتبه
…
وأضرم الشّوق عندي أيّ إضرام
أنشدت قلبي هذا منتهى أربي
…
أعاد عهد حياتي بعد أعوام
يا ناظريّ خذا من خدّه قبلاً
…
مهو الحرير بتقبيلٍ وإكرام
ثم اسرحا في رياضٍ من حدائقه
…
وقد زهي زهرها الزّاهي بأكمام
من ذا يوفّيه في ردّ الجواب له
…
عذراً إليك ولو كنت ابن بسّام
فكم جنحت ولي طرفٌ يخالسه
…
وأنثني خجلاً من بعد إحجام
يا ساكناً بفؤادي وهو منزله
…
محلّ شخصك في سرّي وأوهامي
حقاً أراك بلا شكّ مشاهدةً
…
ما حال دونك إنجادي وإتهامي
ولذّ عتبك لي يا منتهى أربي
…
وفي العتاب حياةٌ بين أقوام
حوشيت من عرضٍ يشكى ومن ألمٍ
…
لكنّ عبدك أضحى حلف آلام
ولو شكا سمجت منه شكايته
…
إنّ الثمانين تستبطي يد الرّامي
وحيد دارٍ فريدٌ في الأنام له
…
جيران عهدٍ قديم بين آكام
طالت بهم شقّة الأسفار ويحهم
…
أخفوا وما نطقوا من تحت أرجام
أبلى محاسنهم مرّ الجديد بهم
…
وأبعد العهد عنهم بعد أيام
فلا عداهم من الرّحمن رحمته
…
فهي الرّجاء الذي قدّمت قدّامي
وكم رجوت إلهي وهو أرحم لي
…
وقلّ عند رجائي قبح آثامي
فطال عمرك يا مولاي في دعةً
…
ودام سعدك في عزٍّ وإنعام
ولا خلت مصر يوماً من سناك بها
…
ولا نأى نورك الضّاحي عن الشّام
وأنشدني العلامة أبو حيان قال: أنشدنا لنفسه ابن تمام:
وقالوا: تقول الشّعر قلت أُجيده
…
وأنظمه كالدّرّ راقت عقوده
وأبتكر المعنى البديع بصنعةٍ
…
يحلّى بها عطف الكلام وجيده
ويحلو إذا كرّرت بيت قصيدةٍ
…
وفي كلّ بيتٍ منه يزها قصيده
ولكنّني ما شمت بارق ديمةٍ
…
ولا عارضٍ فيه ندى أستفيده
فحسبي إلهٌ لا عدمت نواله
…
وكلّ نوالٍ يبتديه يعيده
وأنشدني أيضا قال: أنشدني لنفسه:
وقالوا صبا بعد المشيب تعلّلاً
…
وفي الشّيب ما ينهى عن اللهو والصّبا
نعم قه صبا لمّا رأى الظّبي آنساً
…
يميل كغصن البان يعطفه الصّبا
أدار التفاتاً عاطل الجسيد حالياً
…
وفي لحظه معنىً به الصبّ قد صبا
ومزّق أثواب الدّجا وهو طالعٌ
…
وأطلع بدراً بالجمال تحجّبا
جرى حبّه في كلّ قلبٍ كأنّما
…
تصوّر من أرواحنا وتركّبا
وأنشدني، قال: أنشدنا لنفسه:
أُكاتبكم وأعلم أنّ قلبي
…
يذوب إذا ذكرتكم حريقا
وأجفاني تسحّ الدّمع سيلاً
…
به أمسيت في دمعي غريقا
أُشاهد من محاسنكم محيّاً
…
يكاد البدر يشبهه شقيقا
وأصحب من جمالكم خيالاً
…
فأنّى سرت يرشدني الطريقا
ومن سلك السّبيل إلى حماكم
…
بكم بلغ المنى وقضى الحقوقا
ومن شعره:
طرقتك من أعلى زرود ودونها
…
عنقا زرود ومن تهمامة نفنف
تتعسّف المرمى البعيد لقصدها
…
يا حبّذا المرمى وما تتعسّف
ومنه:
معانٍ كنت أشهدها عياناً
…
وإن لم تشهد المعنى العيون
وألفاظ متى فكّرت فيها
…
ففيها من محاسنها فنون
ومنه:
تبدّى فهو أحسن من رأينا
…
وألطف من تهيم به العقول
وأسفر وهو في فلك المعاني
…
وعنه الطّرف ناظره كليل
له قدٌّ يميل إذا تثنّى
…
كذاك الغصن من هيفٍ يميل
وخدٌّ ورده الجوريّ غضٌّ
…
وطرفٌ لحظه سيفٌ صقيل
وخالٌ قد طفا في ماءٍ حسنٍ
…
فراق بحسنه الخدّ الأسيل
تخال الخدّ من ماءٍ وجمرٍ
…
وفيه الخال نشوانٌ يجول
وكم لام العذول عليه جهلاً
…
وآخر ما جرى عشق العذول
قلت: وهو مأخوذ من قول أبي الطيب:
مالنا كلّنا جوٍ يا رسول
…
أنا أهوى وقلبك المتبول