الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بركته بجار ومجرور، معتمداً في إحياء ميته على من هو عدل في حكمه لا يحيف، مستنداً في استخراج حقوقه إلى الجلد حتى لا يقال إن أبا بكر رجل أسيف، مساوقاً مباشرته في جليله وحقيره، وقليله وكثيره، وغائبه وحاضره، ومعروفه ونادره، فلا يدع مستحقيه من صرف ما لهم في أوار ولا أوام، ولا يمكن أحداً منهم يسلك طريقاً معوجة فإنه ابن قوام، فلو لم يكن الظن به جميلاً ما عذق به هذا الأمر دون البريه، ولو لم يكن أسداً في الحق ما أسند إليه نظر الشبليه، وليتبع شروط الواقف حيث سارات مقاصده لأنه ناظر، وليصرف ما أمر به على ما أراده فإنه إن كان غائباً فله إله حاضر، والوصايا كثيرة ومنه تؤخذ فوائدها، وعلى جيد الزمن تنضد منه فرائدها، وهو بحمد الله تعالى ابن بجدتها علماً ومعرفه، وأدرى الناس بما يتحرك فيها من لسان أو شفه، ولكن التقوى زمام كل أمر، وعمدة الدين وعماده من زيد وعمرو، فلا ينزع منها حلة ارتداها، ولا يترك طريقاً سلكها عمره واقتفاها، والله تعالى يعينه في سكونه وحركته، وينفع الناس بعلمه وبركته. والخط الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة في ثبوت العمل بما اقتضاه، والله الموفق بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
أبو بكر بن محمد بن قاسم
الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شيخ الإقراء والعربية بالشام، مجد الدين المرسي ثم التونسي الشافعي.
قدم القاهرة مع أبيه، وأخذ النحو والقراءات عن الشيخ حسن الراشدي، وحضر حلقة الشيخ بهاء الدين بن النحاس، وسمع من الفخر علي والشهاب بن مزهر.
كان الشيخ مجد الدين آية في ذكائه، غاية في إكبابه على العلوم واعتنائه، تفرد في وقته بمعرفة العربية وغوامضها الأدبية، فلو رآه ابن السراج لما راج، والزجاجي لسود مصنافته بالعفص والزاج، أو السيرافي لقال لصاحبيه سيرا في المهامه، أو قفا بنا نسمع بعضاً أو كلاً من كلامه، أو الفارسي لترجل قدامه، وحمل لواء الفخر له ومعه قدامه.
وفيه قلت أنا:
تملّك النحو حتى ما لذي أدبفي الناس نون وواو بعدها حاء
هذا مليك لهذا العلم فاصغ لما
…
أقوله لاكسائيٌّ وفرّاء
وكان مجيداً في غير ذلك من الفنون، معيداً مبدياً لما في سواه من النكت والعيون، تخرج به الأئمة، وملكهم ما أرادوا من المقادات والأزمه، ونالته محنة من كراي نائب الشام، وانتجع لها بارق الصبر وشام، وعلى يده ظهر غش الباجربقي، وبهرجة نقده، ولولاه لدام مدة وبقي.
ولم يزل على حاله أن أصبح مظهره في القبر ضميرا، وسكن المجد في الأرض حفيرا.
وتوفي رحمه الله تعالى يوم السبت سادس عشري ذي القعدة سنة ثماني عشرة وسبع مئة.
ومولده تقريباً سنة ست وخمسين وست مئة بتونس.
أقام بالقاهرة مدةً ودخل دمشق في ولاية قاضي القضاة عز الدين في الولاية الثانية، وحضر عند زين الدين الزواوي، ورتب صوفياً بالخانقاه الشهابية، وجلس للإقراء، ثم سكن العقيبة، وناب في الإمامة بجامعها ثم اشتهر أمره وشاعت فضائله، وحضر الدروس، وولي مشيخة الإقراء بالتربة الصالحية والتربة الأشرفيه، وولي تدريس النحو بالناصرية ودرس بالأصبهانيه، وصار شيخ البلد في الإقراء والعربيه، مع المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك.
حدثني غير واحد ممن أثق به أن الناس سألوا الشيخ شمس الدين الأيكي عن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وعن الشيخ صدر الدين بن الوكيل أيهما أذكى؟ فقال: ابن الزملكاني، ولكن هنا شاب مغربي هو أذكى منهما يعني به الشيخ مجد الدين. وامتحن على يد الأمير سيف الدين كراي فضربه بباب القصر ضرباً كثيراً لما ألقى المصحف - على ما سيأتي في ترجمة كراي - ولما سب الأمير الخطيب جلال الدين، قال له الشيخ مجد الدين: اسكت اسكت، وقوى نفسه ونفسه عليه فرماه وقتله، وكان في وقت قد انفعل للشهاب الباجربقي ودخل عليه أمره، ثم إنه أناب وأفاق وجاء إلى القاضي المالكي واعترف وجدد إسلامه - على ما سيأتي في ترجمة الباجربقي.
وكانت طريقته مرضية، وعنده دين وصلاح، وفيه مودة ومحبة للخلوة والانقطاع، وتلا عليه شيخنا الذهبي بالسبع، وانتقى له جزءاً من مشيخة ابن البخاري وحدث به. ومن الناس من يقول فيه: محمد بن قاسم، وشيخانا البرزالي والذهبي قالا فيه: أبو بكر بن محمد، والله أعلم.