الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكتب هو الجواب إلي عن ذلك:
وافى مثالك مطوّياً على نزهٍ
…
يحار مسمعه فيها وناظره
فالعين ترتع فيما خطّ كاتبه
…
والسمع ينعم فيما قال شاعره
وإن وقفت أمام الحيّ أنشده
…
ودّ الخرائد لو تقنى جواهره
جوبان
النوين الكبير، النوين المعظم، نائب الممالك القانية.
كان بطلاً شجاعا، آمراً مطاعا، ذا إقدام وثبات، وله في الحروب إذا حميت وثبات، عظيماً ذا مهابه، كبيراً بين المغول، تقبس النار منه شهابه، شديد الوطأه، يخاف كل من في الأردو خطأه، عالي الشأن، كثير الفخار، بعيد المنال، رفيع المنار، همته عاليه، وعزمته بالحزم حاليه، صحيح الإسلام، مليح الانقياد في الدين والاستسلام، حظه من الصلاة موفور الأقسام، وعقيدته في النصح للإسلام، تعرف من ثغره البسام.
بذل الذهب الكثير حتى أوصل الماء إلى مكة، وجرى بها، ولم يبق للماء ثمن يباع به، وإنما الثمن لأجرة نقله، ووصل الماء إلى مكة، وجرى فيها بالصفا وبباب إبراهيم وبالأبطح في أوائل جمادى الأولى سنة ست وعشرين وسبع مئة.
وأنشأ مدرسةً مليحة بالمدينة النبوية في جوار الحرم الشريف وتربةً ليدفن بها، وكان له ميل كثير إلى المسلمين. وهو أحد الأسباب المتوفرة في تقرير الصلح بين بوسعيد مخدومه وبين السلطان الملك الناصر محمد.
أخبرني جماعة من أهل الرحبة أنه لما نزل خربندا عليها، ونصب المجانيق رمى منجنيق قراسنقر حجراً تعتع القلعة، وشق منها برجاً، ولو رمى غيره هدمها إلى الأرض.
وكان جوبان يطوف على العساكر، ويرتب المحاصرين، فلما رأى ذلك أحضر المنجنيقي، وقال له: أتريدني أقطع يدك الساعة، وذمه وسبه بانزعاج وحنق، وقال: والك، في شهر رمضان نحاصر المسلمين ونرميهم بحجارة المنجنيق؟ لو أراد القان أن يقول لهؤلاء المغول الذين معه: ارموا على هذه القلعة مخلاة تراب كل واحد كان طموها، وإنما هو يريد أخذها بالأمان من غير سفك دم، والله متى عدت رميت حجراً آخر سمرتك على سهم المنجنيق.
وحكى لي منهم غير واحد أنه كان ينزع النصل من النشاب ويكتب عليه: إياكم أن تذعنوا أو تسلموا وطولوا أرواحكم فهؤلاء ما لهم ما يأكلونه، وكان يحذرنا هكذا بعدة سهام يرميها إلى القلعة، واجتمع الوزير، وقال له: هذا القان ما يبالي ولا يقع عليه عتب، وفي غد وبعده إذا تحدث الناس أيش يقولون! نزل خربندا على الرحبة، وقاتل أهلها، وسفك دماءهم، وهدمها في شهر رمضان. فيقول الناس: أفما كان له نائب مسلم ولا وزير مسلم، وقرر معه أن يحدثا القان خربندا في ذلك، ويحسنا له الرحيل عن الرحبة. فدخلا إليه، وقالا: المصلحة أن نطلب كبار هؤلاء وقاضيهم، ويطلبوا منك الأمان، ونخلع عليهم ونرحل عنهم بحرمتنا، فإن الطابق قد وقع في خيلنا، وما للمغل ما تأكل خيولهم، وإنما هم يأخذون قشور الشجر
ينحتونها ويطعمونها خيلهم، وهؤلاء مسلمون، وهذا شهر رمضان، وأنت مسلم وتسمع قراءتهم القرآن، وضجيج الأطفال والنساء في الليل، فوافقهم على ذلك. فطلبوا القاضي وأربعةً من كبار البحرية، وحضروا قدام خربندا، وخلعوا عليه، وباتوا فما أصبح للمغل أثر، وتركوا المجانيق وأثقالها رصاصاً، والطعام والعجين وغيره، ولم يصبح له أثر.
وهذه الحركة وحدها تكفيه عند الله تعالى، ويرى الله له أقل من ذلك، حقن دماء المسلمين ودفع الأذى عنهم، لكنه أباد عدداً كثيراً من المغل وجرى له ما تقدم في ترجمة أيرنجي، وأخذ من الوزير الرشيد ألف ألف دينار.
وقد مر ذكر ابنه تمرتاش وابنته بغداد، وكان ابنه دمشق خواجا قائد عشرة آلاف فارس. وزالت فيما بعد سعادتهم، وتنمر لهم بوسعيد، وتنكر، وقتل دمشق خواجا ولده، وهرب جوبان إلى والي هراة لائذاً به فآواه، وأطلعه إلى القلعة ثم قتله، ونقل تابوت جوبان - رحمه الله تعالى - إلى المدينة الشريفة ليدفن في تربته، لأن ابنته الخاتون بغداد جهزته مع الركب العراقي، فما قدر الله له ذلك، وبلغ السلطان الملك الناصر ذلك فجهز الهجن إلى المدينة، وأمرهم أن لا يمكن من الدفن في تربته فدفن في البقيع.
وكانت قتلته - رحمه الله تعالى - في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، وكان من أبناء الستين لأنه لما قدم دمشق مع غازان كان من أكبر قواده، وكان له من الأولاد تمرتاش ودمشق خواجا وصرغان شيرا وبغبصطي وسلجوك شاه بغداد.