الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفدي الشيخ نجم الدين
الخطيب حسن بن محمد. وزين الدين الموقع عمر بن داود. ونور الدين علي بن إسماعيل.
والصفدي: الطبيب.
وشهاب الدين الطبيب: أحمد بن يوسف.
والصفدي: سراج عمر شيخ سعيد السعداء.
صرغتمش
الأمير سيف الدين الناصري رأس نوبة.
كان جميل الصوره، وصفات الحسن فيه محصولة محصوره، محياه كالبدر السافر في الظلام، أو الشمس إذا برزت من خلف الغمام. كتب وقرا، وأضاف أهل العلم وقرى، وعمر المدرسة المعروفة به بالقاهره، وجعل نجوم محاسنها في الإبداع زاهره، وكان يتلو القرآن على المشايخ، ويحب أن يكون في التجويد ذا قدم راسخ، إلا أن أخلاقه كان فيها شراسه، ونفسه فيها على احتمال الأذى نفاسه، فأقدم على عزل القضاه، واتبع السلطان في ذلك رضاه؛ لأنه كان قد انفرد بالتدبير، وثقلت وطأته على الدولة حتى خف عندها ثبير، وسالمته الأيام، وتيقظ سعده والناس عنه نيام، فكان مع جماله وبطشه يغلو عند من يعتبره بأرشه:
كالبدر حسناً وقد يعاوده
…
عبوس ليث العرين في عبده
كأنّما مبرم القضاء به
…
من رسله والحمام من رصده
ولم يزل عالي الكعب، مالي القلوب بالرعب في حتى أخذ " أخذةً رابيه "، ولم تكن أنياب النوب عنه نابيه، فأمسكه الناصر حسن في العشرين من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وسبع مئة. وكان ذلك آخر العهد به.
أول ما ورد إلى القاهرة في جلبة الخواجة المعروف بالصواف في سنة سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين وسبع مئة، فاشتراه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بثمانين ألف درهم، وخلع عليه تشريفاً كاملاً بحياصة ذهب، وكتب له توقيعاً بمسامحة كثيرة في متاجره، فقارب الثمن عنه مئة ألف درهم وهذا ما بلغنا ولا سمعنا به في هذه الدولة التركية، وأكثر ما بلغنا عن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي، وكان أقباش مملوك الإمام الناصر قد اشتراه الإمام الناصر بخمسة آلاف دينار أظنها كانت رائجا، وهو الدينار بستة دراهم، أو دينار الجيش: اثنا عشر درهما، ومع ذلك فلم تكن لصرغتمش صورة عند أستاذه ولا مكانة، ومات وهو في الطباق من جملة آحاد الجمدارية.
وقد كنت يوماً عند القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص وقد أنعم عليه السلطان بعشر طاقات أديم طائفي، فجاء إلى النشو يطلبها، وما احتفل به، وتردد مرات حتى أخذها، ثم إنه بقي بعد ذلك خامل الذكر إلى أيام المظفر حاجي، فخرج مع الأمير فخر الدين أياز السلاح دار لما جاء نائباً إلى حلب وهو معه مسفر حتى يقره في النيابة وعاد، ثم إنه جعل بعد ذلك يتقدم رتبة بعد رتبة إلى أن ورد مع السلطان الملك الصالح صالح إلى دمشق في واقعة بيبغاروس، وتوجه الأمير سيف الدين شيخو والأمير سيف الدين طاز إلى حلب خلف بيبغاروس، وبقي هو عند السلطان في دمشق يدبر أمره، إلى أن عاد السلطان إلى مصر، ولما وصلوا إليها عمل على الوزير علم الدين بن زنبور، وقام في أمره قياماً عظيماً، وبالغ في أمره إلى أن أمسكه وصادره، وأخذت منه أموال عظيمة، وقوى نفسه في أمره، وأعاره الأميران شيخو وطاز سكتةً في أمره لأنه توجع، وصمم عليهما، ومنها عظم، ولم يزل إلى أن أعيد الملك الناصر حسن إلى الملك وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى حلب، وبقي هو والأمير شيخو.
ولما جرح شيخو تلك الجراحة ومات منها انفرد الأمير صرغتمش بتدبير الملك، وعظم أمره وزاد مكانة، وعزل القضاة بمصر والشام، وغير النواب الكبار، وخضع السلطان له وصبر عليه وأرخى به طول الإمهال إلى أن أمسكه في التاريخ المذكور ومعه حاجب الحجاب الأمير سيف الدين طشتمر القاسمي وملكتمر المحمدي وابن تنكز
وطرغاي وأولاد آراي، وجهز إلى ثغر الإسكندرية، وقضى الله أمره فيه دون الجماعة.
وعمر تلك المدرسة، وكان يتعصب لمذهبه كثيراً، وبالغ في عمارتها وزخرفها، وكان يؤثر الفضلاء ويقربهم، ويسأل عن مسائل في اللغة والفقه، ويعظم العجم ويؤثرهم.
وكان قد انفرد بالحديث في أمر الأوقاف، وأمر البريد في مصر والشام. وضاق الناس منه، فما كان يركب البريد بمصر أحد إلا بعلمه، ومنع أحداً من البريدية أن يحمل معه دراهم وذهباً أو قماشاً على ظهر خيل البريد، وأمر بأن يعتبروا في قطيا، وزاد في هذا وأمثاله. وبالغ في أمر الأوقاف، وعمرت الأوقاف في أيامه.
ووجدت بخطه في حائط المدرسة السلطانية بحلب مكتوبا:
أبداً تستردّ ما تهب الدنيا
…
فيا ليت جودها كان بخلا
وكتب: صرغتمش الناصري. فلما رأيت ذلك عجبت من هذا الاتفاق، فكأنه كاشف نفسه بما وقع له، واستردت الدنيا ما وهبته، وأخذ السلطان من أمواله وحواصله شيئاً يعجز الوصف عنه.
وكنت أنا قد كتبت قصيدة أمدحه بها، لكني ما جهزتها إليه، وهي:
يا همّ لا تدخل إلى خاطري
…
فإنّ لي صرغتمش الناصري
قد زيّن الله الليالي به
…
لأنّه كالقمر الزاهر
وكّمل الله المعالي به
…
فأصبحت في رونق باهر
والملك قد أضحى به في حمىً
…
لأنّه كالأسد الخادر
غلّ يد الظلم وعدوانه
…
وكفّ كفّ الخائن الجائر
مسدّد الآراء في فعله
…
لأنّه ذو باطن طاهر
ما أبصر الناس ولم يسمعوا
…
بمثله في الزمن الغابر
سيوفه إن سلّها في الوغى
…
كبارقٍ تحت الدجى طائر
يغمدها في مهجات العدا
…
فتكتسي قرب الدم المائر
يمينه للجود معتادة
…
قد أخجلت صوب الحيا الماطر
فعن عطاءٍ جوده حدّثنا
…
واللطف يرويه لنا عن جابر
كواكب السعد له قد غدت
…
تخدمه في الفلك الدائر
ومذهب النعمان زاد فضله
…
فشاع في البادي وفي الحاضر
وزاده حسناً إلى جماله
…
فراق في الباطن والظاهر
أنشا له مدرسةً حسنها
…
بين الورى كما لمثل السائر
فسيحة الأرجاء قد زخرفت
…
بكلّ لونٍ راق للناظر
رخامها مختلفٌ لونه
…
كمثل روض يانعٍ زاهر
وذهنه متّقدٌ بالذكا
…
لأنّه ذو خاطرٍ حاضر
وعلمه زاد على غيره
…
كلج بحرٍ طافحٍ زاخر
يسبق برق الجوّ إدراكه
…
لا كامرئٍ في جهله عاثر
يقول من يسمع ألفاظه
…
كم ترك الأوّل للآخر
فوصفه أعجز كلّ الورى
…
من ناظم القول ومن ناثر
إنّ الثنا في وصفه قد غدا
…
غنيمة الوارد والصادر
تلهو به الركبان في سيرهم
…
لأنّه أعجوبة السامر
يلقى الذي يسعى إلى بابه
…
بنائلٍ من جوده الغامر
فالله يرعاه ولم ينسه
…
عند خطوب الزمن الغادر
لأنّه فوّض ما في نفسه
…
منه إلى المقتدر القاهر