الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طغاي
الأمير سيف الدين الكبير.
لم يكن في مماليك أستاذه من حاز جماله، ولا بلغ القمر كماله، ولا ملك الرمح قده، ولا رأى السيف مضاء جفنه ولا حده، وكان شاباً أبيض طويلا، لا تجد العيون لجماله نداً ولا مثيلا، قد فات الوصف، وفاق ثغره عقد الجوهر في الرصف.
وأما مكانته فما ملكها في وقته أحد ولا حازها، ولا داناها فضلاً عن أن يكون جازها. كان السلطان يكون مع خواصه يمزح، ويجول في ميدان خلوته ويمرح، حتى يقال: جاء طغاي، وكل منهم ينزوي، ويميل إلى مكانه المعروف به وينضوي، وكان يضع يده في حياصة أكبر الخواص، والذي لا يجد السلطان عنه مناص، ويخرج به إلى برا، ويرميه إلى الأرض، ويضربه مئتي دبوس، وهلم جرا. هذا والسلطان يرى ويسمع، وماله إلى خلاص ذلك نظر يطمح، ولا أمل يطمع، وحسبك أن تنكز ما كان يطير إلا بجناحه، ولا يتوصل إلى نيل مقاصده إلا بنجاحه.
ولم يزل على حاله إلى أن زالت سعادته، وفرغت من الإقبال عليه مائدته، فاستحال عليه وما استحيا، وأعرض عنه ولم يسمع فيه لوماً ولا لحيا، وأخرجه إلى صفد، وأحوجه بعد العطاء الجزيل والصفد، وبعد قليل أخذه من صفد في صفد، وعمد إليه سيفاً، فأغمده في جفن حبسه، وفقد الناس مثله في أبناء جنسه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في الإسكندرية.
وكان سبب تغيره عليه أمور منها أنه لما مرض السلطان احتاج إلى أن يحلق رأسه، فحلقه، وحلق مماليك السلطان رؤوسهم، ولم يحلق طغاي ذؤابته، وكانت سوداء طويلة، مليحة إلى الغاية، ثم إنه طلب كلاً منهم على انفراد، وقال له فيما بينه وبينه. يكون نظرك على أولادي وحريمي ومماليكي؛ فأنت الذي يتم لك الأمر بعدي. فكل منهم تنصل، وبكى، وقال: هذا أمر لا يكون أبداً، ولا أوفق عليه، والله يجعلنا فداء مولانا السلطان، ولم ير من أحد من هؤلاء المقربين إقبالاً على ما قاله، فلما قال مثل ذلك لطغاي؛ رأى منه إقبالاً، وشم من أنفاسه الميل إلى طلب الملك، فكتم ذلك في باطنه، وأخرجه إلى صفد نائباً في ثالث عشري صفر سنة ثماني عشرة وسبع مئة، فحضر إليها يوم الخميس ثاني شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وأقام بها تقدير شهرين، وحضر الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي على البريد، وقال له: قد رسم لك بنيابة الكرك، فبات على ذلك، وجهز إليه له، وكان مع مغلطاي كتب السلطان إلى أمراء صفد بإمساكه، فلما كان يوم الخميس، ركب عسكر صفد، ووقفوا في الميدان، فلما علم ذلك قال: يا خوشداش، عليك سمع وطاعة لمولانا السلطان. قال: نعم. وحل سيفه بيده، فأحضر له القيد، وقيد، وتوجه به إلى مصر، وقد رأيته وقد خرج من دار النيابة بصفد، ليركب البغل الذي أحضر له، وكلما هم بالركوب تعلق فيه مماليكه، ومنعوه من الركوب، وبكى هو، وبكوا، وفعلوا ذلك مرات، وهو من طول قامته ظاهر عنهم ببعض صدره، وكان وجهه مبدعاً في الحسن، بارعاً في الجمال.
وتوجه به إلى إسكندرية، وذلك في ثامن جمادى الأولى من السنة المذكورة،