الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلعوا فوق سطوح دار السعادة، وتسلطوا على القلعة ورموها بالنشاب، فرمى عليهم قوارير النفط، فاحترقت الأخشاب، وسقطت بهم السقوف بهم السقوف في النار، وفعل ذلك بالعادلية ودار الحديث الأشرفية.
وكان عبد الغني بن عروة الفقير يحكي عنه حكايات تدل على سلامة الباطن، وقد أوردت منها جانباً في ترجمة عبد الغني المذكور في حرف العين مكانه.
سنجر الأمير علم الدين الجاولي
بالجيم: كان أميراً كبيراً من أمراء المشور الذين يجلسون في حضرة السلطان، سمع وروى، وبزغ نجمه في الفضل وما هوى.
وكان خبيراً بالأمور، مرت به تجارب الأيام والدهور، عارفاً بسياسة الملك وتدبيره، وفصل حاله وتحريره. ولي عدة ولايات من نيابات وغيرها، وكان فيها كافياً عارفاً بسبرها. وهو الذي مدن غزة ومصرها، وفتح عينها وبصرها، لأن الجاولي جاء ولياً في حماها، فعظم شأنها بولاية وحماها، وعمر بها قصراً للنيابة، فسيح الأرجاء، شاهق البناء، عالي الثناء، وعمر بها حماماً اتسع فضاؤه، وارتفع سماؤه، وتأرج هواؤه، وتموج ماؤه، وتفنن في الحسن بناؤه، وزهرت نجوم جاماته، وبهرت من رخامه زهرات خاماته. ثم إنه في النيابة الثانية عمر بها جامعا، لأنواع المحاسن جامعا، وبرقه يرى في سماء الإتقان لامعا، تسفل الثريا عن أهلة مئذنته المترفعه، وتبهت عيون النجوم في محاسن محرابه المتنوعه.
وكان - رحمه الله تعالى - يذكر أصحابه في مغيبهم، ويوفر من إحسانه قدر
نصيبهم، ويكرمهم إذا حضروا، ويتمناهم إذا سافروا، ويستجليهم إذا سفروا. انتفع به جماعة من الكتاب والعلماء، وزمرة من الكبراء والأمراء.
ولم يزل على حاله إلى أن جاء ولي الموت إلى الجاولي فتلقاه بالكرامه، وراح إلى الله على طريق السلامه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في تاسع شهر رمضان سنة خمس وأربعين وسبع مئة، ودفن بتربته التي على الكبش ظاهر القاهرة، وأسند وصيته إلى الأمير سيف الدين العلائي. وكانت جنازته حفلةً إلى الغاية.
وفي أول أمره كان نائباً في الشوبك، ثم إنه نقل منها، وجعل أميراً في أيام سلار والجاشنكير. وكان يعمل الأستاذ دارية للسلطان الملك الناصر محمد، وكان يدخل إليه مع الطعام ويخرج على العادة.
وكان يراعي مصالح السلطان ويتقرب إليه، فلما حضر من الكرك جهزه إلى غزة نائباً في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبع مئة عوضاً عن سيف الدين قطلقتمر صهر الجالق بعد إمساكه، وأضاف إليه الحديث في الساحل والقدس وبلد سيدنا الخليل عليه السلام وأقطعه إقطاعاً هائلاً، كانت إقطاعات مماليكه تعمل عشرين ألفاً وخمسة وعشرين ألفاً وأكثر. وعمل نيابة غزة على القالب الجائر، وكان القاضي كريم الدين الكبير يرعاه، وكذلك القاضي فخر الدين ناظر الجيش. وكانت مكاتباتهم ما تنقطع عنه في كل جمعة، بل مع كل بريد.
وكان له إدلال على الكبار، فوقع بينه وبينه الأمير سيف الدين تنكز، فتراسل
عليه هو والقاضي كريم الدين الكبير، فأمسكه السلطان في ثامن عشري شعبان سنة عشرين وسبع مئة، فاعتقل قريباً من ثماني سنين، ثم أفرج عنه في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة أو في سنة تسع وعشرين، وأمره أربعين فارساً مديدة، ثم أمره مئة، وقدمه على ألف، وجعله من أمراء المشور.
ولم يزل على ذلك إلى أن توفي السلطان الملك الناصر محمد، وكان هو الذي تولى غسله ودفنه.
ولما تولى الملك الصالح إسماعيل جهزه إلى حماة نائباً، فأقام بها مدة تقارب ثلاثة أشهر، ثم رسم له بنيابة غزة، فحضر إليها وأقام بها مدةً تقارب مدة نيابة حماة، ثم طلب إلى مصر على ما كان عليه. وفي هذه النيابة لغزة شرع في عمارة الجامع بغزة وكمله لما كان في مصر، ولما كان في النيابة الأولى عمر ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام جامعاً، سقفه منه حجر نقر، وعمر بغزة حماماً هائلاً ومدرسة للشافعية، وعمر خاناً للسبيل بغزة، وعمر الخان العظيم الذي في قاقون. وهو الذي مدن غزة، وبنى بها بيمارستاناً، ووقف عليه عن الملك الناصر أوقافاً جليلة، وجعل النظر فيها لنواب غزة، وعمر بغزة الميدان والقصر، وبنى الخان بقرية الكتيبة، وبنى القناطر بغابة أرسوف. وهو الذي بنى خان سلار الذي في حمراء بيسان، وله التربة المليحة الأنيقة التي بالكبش، وجدد إلى جانبها عمارة هائلة، وكل عمائره طريفة أنيقة مليحة متقنة محكمة.
ولما خرج نائب الكرك من مصر لنيابة طرابلس فوض إليه السلطان النظر على البيمارستان المنصوري.