الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمر بغا العقيلي
الأمير سيف الدين نائب السلطنة بالكرك، أحد مماليك الملك الناصر محمد.
كان خيراً كله، وبشراً لا يعدل عنه الصلاح ولا يمله. عاش به أهل الكرك ونجوا بنيابته من النوائب والدرك.
أخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: أخبرني بعض مماليكه قال: هذا أستاذي، عمره ما نكح، وعنده الزوجة المليحة والجواري الملاح.
قلت: لعله كان عنيناً، وإلا فليس في ترك النكاح المشروع معنى يقصد به وجه الله طلب الثواب أو الهرب من العقاب.
ولم يزل على حاله بالكرك إلى أن اجتحفه سيل الحيف حتفا، ودعا به داعي المنون هتفا.
ووفاته رحمه الله في جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وسبع مئة.
تمربغا
الأمير سيف الدين الحسني.
كان أحد أمراء الطبلخاناه بطرابلس.
ولم يزل بها إلى أن توفي في شهر رمضان سنة ست وخمسين وسبع مئة.
تمرتاش
بتاء ثالثة الحروف، وميم بعدها راء، وتاء ثالثة الحروف أيضاً وبعدها ألف وشين معجمة: ابن النوين جوبان.
كان معدوداً من الفرسان والأبطال الذين ليسوا من نوع الإنسان. إذا التقى الصفان وسل السيفان نزل عن ظهر جواده وجلس على بساط، واستعمل ما يبعث النفس على الانبساط، وتناول سقرقا صرفا، وركب للحملة على عدوه طرفا.
وكان قد قرر في عسكره أنه من مات في المعترك، فإقطاعه لولده من غير مشترك، ومن هرب فأنا وراءه بالرهب، وإذا وقع في يدي فالسيف، وما أرى في ذلك سلوك جنف ولا حيف.
فلهذا ما ثبت له أحد، ولا وجد من دونه ملتحد. وهزم جيوشاً عديده، وفتح بلاداً مساحتها مديده.
وكان قد خطر له أنه هو المهدي الذي يجيء آخر الزمان ويمهد الأرض، ولما بلغ أباه ذلك ركب وجاء إليه ورده عن العقيدة، واستصحبه معه إلى الأردو إلى خدمة القان بوسعيد. ولما حضر معه رأى الناس في الأردو ينزلون قريباً من خام الملك، فقطع الأطناب بالسيف، ووقف على باب خان القان ورمى بالطومار، وقال: أينما وقع ينزل الناس على دائرته. فأعجب ذلك بوسعيد. وعاد إلى بلاد الروم حاكما.
وكان واسع الكرم، تحسده الغمائم فتتوقد من البوارق بالضرم، لا يبالي بما أنفق، ولا ينام وجفنه على فائت مؤرق. وكان كرمه وجوده المفرط من أسباب هلاكه وإيقاعه في حبائل الموت وأشراكه، لأنه لما وصل إلى القاهرة لحقه من أمواله بالروم مئة ألف راس غنم فيما أظن، أو ثمانون ألف رأس، فلما وصلت إلى قطيا أطلق منها لبكتمر الساقي عشرين ألف رأس، ولقوصون كذا، ولفلان كذا ولفلان كذا، ففرق الجميع، فلم يهن هذا الأمر على الملك الناصر محمد. ودخل يوماً حمام قتال السبع التي في
الشارع تحت القلعة، ولما خرج أعطى الحمامي ألف درهم والحارس ثلاث مئة درهم، فزاد ذلك في حنق السلطان عليه.
وكان حسناً شكله، كأن قوامه غصن بان وشعره ظله، إذا خطا تخطر، وظن بقوامه أنه رمح يتأطر، تعطفه نشوة الشباب ويظن من تثنيه أنه ارتشف بنت الحباب، شكا السلطان منه ذلك إلى بعض خواصه وقال: أرأيت هذا تمرتاش كيف يمشي قدامي، هذا إنما هو إعجاب منه بشكله وقده، واستخفافا. فقال: والله يا خوند هكذا يدخل إلى الطهارة، وهذه عادته أبداً.
وكان السبب في دخوله إلى هذه البلاد أنه لما مات أخوه دمشق خواجا، وهرب أبوه جوبان، اجتمع هو بالأمير سيف الدين أيتمش، وطلب الحضور إلى مصر، وحلف له أيتمش أيماناً معظمة عن السلطان، فحضر في جمع كبير، وخرج الأمير سيف الدين تنكز نائب دمشق، وتلقاه في يوم الأحد خامس عشري صفر سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، وتوجه إلى السلطان، وظن أن السلطان يخرج له، فلم يخرج لتلقيه وأمر برد من حضر معه إلا القليل، وأعطى لكل واحد مبلغ خمس مئة درهم وخلعة، فعاد الجميع إلا اليسير، وأراد السلطان أن يقطعه شيئاً من أخباز الأمراء، فقال له الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب: يا خوند، أيش قال عنك؟ أنه وفد عليك وافد من الروم ما كان في بلادك ما تعطيه إقطاعا حتى تأخذ من إقطاع أمرائك، فرسم ل كل يوم من دخل قطيا بألف درهم، إلى أن ينحل له إقطاع يناسبه، ورسم له
السلطان على لسان الأمير سيف الدين قجليس أن يطلق من الخزانة ومن الإصطبل ما يريده، وأن يأخذ منهما ما يختاره، فما فعل شيئاً من ذلك.
وكان الناس في كل يوم موكب يوقدون الشموع بين القصرين، ويجلس النساء والرجال على الطرق والأسطحة ينتظرون أن تمرتاش يلبس للإمرة، ثم إنه عبرت عينه أيضاً على مماليك السلطان الأمراء الخاصكية، ويقول: هذا كان كذا، وهذا كان في البلاد كذا، وهذا ألماس كان جمالاً، فما حمل السلطان هذا منه.
وألبس يوماً قباء من أقبية الشتاء على يد بعض الحجاب، فرماه عن كتفه، وقال: ما ألبسه إلا من يد ألماس أمير حاجب. ولما وصل القاهرة أقاموا الأمير شرف الدين أمير حسين بن جندر من الميمنة، ونقلوه إلى الميسرة، وأجلسوه مكانه.
ولم يزل على حاله بالقاهرة، إلى أن قتل جوبان أبوه في تلك البلاد، فأمسك السلطان تمرتاش، واعتقله فوجد لذلك ألماً عظيماً. وقعد أياماً لا يأكل فيها شيئاً، إنما يشرب ماء ويأكل بطيخاً، لما يجده في باطنه من النار، وكان قجليس يدخل إليه ويخرج ويطيب خاطره، ويقول له: إنما فعل السلطان هذا لأن رسل القان بوسعيد على وصول، وما يهون على بوسعيد أن يبلغه عن السلطان أنه أكرمك. وقد حلف كل منهما للآخر، فقال له يوماً: أنا ضامن عندكم انكسر لكم علي مال، حبستموني حتى أقوم به؟، إن كان شيء فالسيف، وإلا فما في حبسي فائدة، والله ما جزائي إلا أن أسمر على جمل، ويطاف في بلادكم، هذا جزاء وأقل جزاء من يأمن إلى الملوك، ويسمع من كلامهم وأيمانهم.