الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ يَصِحُّ
الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ
بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يُثْبِتُ مَهْرًا وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعَوَاكَ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تُصَالِحَهُ عَنْهُ، وَقَدْ وَكَّلَنِي فِي الْمُصَالَحَةِ عَنْهُ صَحَّ، وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُنْكِرَ أَقَرَّ قَبْلَ الصُّلْحِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يُسْمَعْ، وَلَمْ يُنْقَضِ الصُّلْحُ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِأَصْلِ الْمِلْكِ.
[الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ]
فَصْلٌ هَذَا شُرُوعٌ فِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ) ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ إِقْرَارٍ، وَإِنْكَارٍ.
قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَ " الْمُغْنِي " يَجُوزُ عَنْ قَوَدٍ وَسُكْنَى دَارٍ وَعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ.
وَقَالَ فِي " الْفُصُولِ ": وَإِنَّ الْقَوَدَ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الدِّيَةُ كَالْمَالِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ.
وَقَالَ: إِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا مِنَ الْغَيْرِ، صَحَّ، وَمِنْهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الصُّلْحِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ فِيهِ كَالْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا بِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي صُبْرَةٍ أَتْلَفَهَا جَهْلًا كَيْلَهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي (بِدِيَاتٍ) ، لِأَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاص بَذَلُوا لِلَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ سَبْعَ دِيَاتٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَلِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَلَا يَقَعُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَتِهِ (وَبِكُلِّ مَا يُثْبِتُ مَهْرًا) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِسْقَاطُهُ فَلَأَنْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَإِنْ جَاوَزَ الدِّيَةَ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِدُونِ دِيَتِهِ وَأَكْثَرَ إِنْ وَجَبَ الْقَوَدُ عَيْنًا، أَوْ طَلَبَ الْوَلِيُّ وَقُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " لَا يَصِحُّ عَلَى جِنْسِ الدِّيَةِ إِنْ قِيلَ: مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَرِ الْوَلِيُّ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِنْسِ مِنْ إِبِلٍ، أَوْ غَنَمٍ حِذَارًا مِنَ الرِّبَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ.
فَرْعٌ: إِذَا صَالَحَ عَنْهُ بِعَبْدٍ فَخَرَجَ مُسْتَحِقًّا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَكَذَا إِنْ
لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفَعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، وَفِي الْحَدِّ وَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خَرَجَ حُرًّا، وَمَعَ جَهَالَتِهِ، كَدَارٍ، وَشَجَرَةٍ تَجِبُ دِيَتُهُ، أَوْ أَرْشُ الْجُرْحِ، فَإِنْ عَلِمَا بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا رَجَعَ بِالدِّيَةِ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ بِعِلْمِهِمَا، وَإِنْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ، فَبَانَ عِوَضُهُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ بِهَا، وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ مَعَ الْإِنْكَارِ، لِأَنَّ الصُّلْحَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عِوَضًا عَنِ الْقِصَاصِ.
(وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ)، وَفِيهِ أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ: إِذَا صَالَحَ سَارِقَهُ لِيُطْلِقَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الرَّفْعَ إِلَى السُّلْطَانِ لَيْسَ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَسَائِرِ مَا لَا حَقَّ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ الزَّانِي، وَالشَّارِبِ.
الثَّانِي: إِذَا صَالَحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ كِتْمَانَهَا حَرَامٌ لَمْ يَصْحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَشْمَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ تَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فَهُوَ حَرَامٌ، كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، وَلَا يَغْصِبَ مَالَهُ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكُلِّ.
الثَّالِثُ: إِذَا صَالَحَ الشَّفِيعَ عَنْ شُفْعَتِهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْعِوَضِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ضَرَرَ، فَلَا اسْتِحْقَاقَ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ لِبُطْلَانِ مُعَوَّضِهِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ (وَ) حِينَئِذٍ (تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا قُلْنَاهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ".
الرَّابِعُ: إِذَا صَالَحَ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ، الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يَؤُولُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَصَّاصِ
أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا في
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَفِي) سُقُوطِ (الْحَدِّ) بِهِ (وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَسْقُطُ، أَوْ لَهُ فَيَسْقُطُ بِصُلْحِهِ وَإِسْقَاطِهِ كَالْقِصَاصِ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ".
فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَرْضِهِ، أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ) ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِهِ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ ضَرَرُهُ بِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إِمَّا بِمُشَاهَدَةٍ، وَإِمَّا بِمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهِ فَيُقَدَّرُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَدَّانِ، وَفِي السَّطْحِ صِغَرِهِ، أَوْ كِبَرِهِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى السَّطْحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فَإِجَارَةٌ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ بَيَانُ عُمْقِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْمَوْضِعَ كَانَ لَهُ إِلَى تُخُومِهِ، وَلَا تَعْيِينُ الْمُدَّةِ، إِذِ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ جَائِزٌ كَالنِّكَاحِ، وَفِي " الْقَوَاعِدِ " لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ سَاقِيَةً فِي وَقْفٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَجَوَّزَهُ فِي " الْمُغْنِي "، لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكَ، فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ، وَالْخَوْخَةَ وَنَحْوَهُمَا لَا يَجُوزُ فِي مُؤَجَّرَةٍ، وَفِي مَوْقُوفَةٍ الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ، بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ.
تَنْبِيهٌ: يَحْرُمُ إِجْرَاءُ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنِهِ لِتَضَرُّرِهِ، أَوْ أَرْضِهِ وَكَزَرْعِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا لِقَوْلِ عُمَرَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ، وَقَوْلُ عُمَرَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَعَلَى الثَّانِيَةِ تُعْتَبَرُ الضَّرُورَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ ".
وَقِيلَ: مَعَ الْحَاجَةِ، وَلَوْ مَعَ حَفْرٍ. وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ إِذَا أَسَاحَ عَيْنًا تَحْتَ أَرْضٍ، فَانْتَهَى حَفْرُهُ إِلَى أَرْضٍ لِرَجُلٍ، أَوْ دَارٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ ولا بطنها إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ، وَفِيهِ حَدِيثُ الْخَشَبَةِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا في حائط يَفْتَحُهُ بَابًا وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا
حائط يَفْتَحُهُ بَابًا وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا، وَعُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا، فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ، لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَجُوزُ إِذَا وَصَفَ الْعُلُوَّ، وَالسُّفْلَ، وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِئْرًا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِالصُّلْحِ كَالدَّرْبِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالدَّارِ، بَلِ الْأَمْلَاكُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ غَبَّرَ مَمَرًّا فِي مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا (وَ) يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ (عُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا)، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْأَرْضِ وَمَعْنَى " مَوْصُوفًا " أَيْ: مَعْلُومًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ عَلَى الْوَقْفِ.
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْوَقْفِ مَا يَضُرُّ بِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الْعُلُوِّ دُونَ الْقَرَارِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَعْدُومِ (وَفِي الْآخَرِ يَجُوزُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُصَالِحِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقَرَارِ، وَشَرْطُهُ (إِذَا وَصَفَ الْعُلُوَّ، وَالسُّفْلَ) لِيَكُونَ مَعْلُومًا وَيَصِحَّ فِعْلُ ذَلِكَ صُلْحًا أَبَدًا وَإِجَارَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً أَيْضًا (وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا) أَيْ: بِإِزَالَةِ أَغْصَانِهَا (لَزِمَهُ ذَلِكَ) ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَوَجَبَ إِزَالَةُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ كَالدَّابَّةِ إِذَا دَخَلَتْ مِلْكَهُ، وَطَرِيقُهُ إِمَّا الْقَطْعُ أَوْ لَيُّهُ إِلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ (فَإِنْ أَبَى فَلَهُ) أَيْ: مَالِكِ الْهَوَاءِ (قَطْعُهَا) ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِزَالَةِ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْلَاءُ مِلْكِهِ الْوَاجِبِ إِخْلَاؤُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمٍ بِذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إِزَالَتُهَا بِلَا إِتْلَافٍ، وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ سَفَهٍ، وَلَا غَرَامَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إِتْلَافُهَا كَالْبَهِيمَةِ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ غَرِمَهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِزَالَتُهَا إِلَّا بِالْإِتْلَافِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَقْطَعُهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَقْطَعَ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِزَالَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ
فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قَطْعُهَا فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، لَمْ يَجُزْ وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ، أَوْ بَيْنَهُمَا جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
غَيْرِ فِعْلِهِ، فَإِنْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ احْتِمَالًا، وَهُوَ وَجْهٌ: ضِدَّهُ (فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، سَوَاءٌ كَانَ الْغُصْنُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، لِأَنَّ الرَّطْبَ يَزِيدُ وَيَتَغَيَّرُ، وَالْيَابِسَ يَنْقُصُ وَرُبَّمَا ذَهَبَ كُلُّهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " إِنْ كَانَت الْأَغْصَانُ رَطْبَةً لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ عَنْهَا لِزِيَادَتِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي فِي الْيَابِسِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَاءِ فَلَا، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِكَوْنِهَا لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ بِخِلَافِ الْعِوَضِ، فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَأَيَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي ".
وَقَالَ: هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُتَجَاوِرَةِ، وَفِي الْقَطْعِ إِتْلَافٌ وَضَرَرٌ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ يُعْفَى عَنْهَا كَالسِّمَنِ الْحَادِثِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِلرُّكُوبِ (وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ) أَيْ: لِمَالِكِ الْهَوَاءِ (أَوْ بَيْنَهُمَا جَازَ) ، لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الثَّمَرَةِ، أَوْ بَعْضِهَا أَسْهَلُ مِنَ الْقَطْعِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَاسْتَحَقَّ أَنْ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ: لَا أَدْرِي.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ لِمَا روى مكحول مَرْفُوعًا: أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظَلَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ، أَوْ أَكْلِ ثَمَرِهَا وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهَا، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ وَجَوَّهَا مَجْهُولَانِ وَمِنْ شَرْطِ الصُّلْحِ الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ (وَلَمْ يَلْزَمْ) ، إِذْ لُزُومُهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ لِتَأَبُّدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى ضَرَرِ مَالِكِ الْهَوَاءِ لِتَأَبُّدِ بَقَاءِ الْأَغْصَانِ فِي مِلْكِهِ.