الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذَمِّيٍّ خَمْرًا فَأَسْلَمَ الْمَضْمُونَ لَهُ أَوِ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِئَ هُوَ وَالضَّامِنُ مَعًا.
وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَالِيَّةَ الْخَمْرِ بَطَلَتْ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ والضَّامِنَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَيَبْرَآنِ بِإِسْلَامِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُوزُ وُجُوبُ خَمْرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالضَّامِنُ فَرْعُهُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا أَنَّهُمَا لَا يَبْرَآنِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يَمْلِكُ الْخَمْرَ، فَلَا يَسْقُطُ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ عَبْدًا فَرَهَنَهُ عَلَى خَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُسْتَعِيرُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَكُّ الرَّهْنِ، وَحِينَئِذٍ لَهُ قِيمَتُهَا، وَقِيلَ: أَوْ يُوَكِّلُ ذِمِّيًّا يَشْتَرِيهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِإِسْلَامِ الضَّامِنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَحْدَهُ.
[لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ]
(وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) أَيْ: مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إِيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَخُوفًا فَمِنْ ثُلْثِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَالْأَخْرَسِ إِنْ فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ، صَحَّ ضَمَانُهُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ) غَيْرِ مُمَيِّزٍ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا صِحَّتَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ إِقْرَارِهِ وَتَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلَيِّهِ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا سَفِيهٍ) لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِمَا.
وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ كَذَا ضمانه، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِفَلْسٍ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَهُ مِنْ مَالِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهَا فِي " التَّبْصِرَةِ ".
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَيُتَوَجَّهُ عَلَيْهَا عَدَمُ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ، وَأَنْكَرَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ قُدِّمَ قَوْلُهُ.
مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا سَفِيهٍ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذَنْ سَيِّدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُتْبَعَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِرِضَى الضَّامِنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي قِيَاسَ قَوْلِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ مَعَهُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَالْحُكْمُ فِيمَنْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَلَا مِنْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عقد تضمن إِيجَابُ مَالٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ كَالنِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الشَّرْحِ "، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْتِزَامِ مَالٍ، أَشْبَهَ نَذْرَ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ، فَصَحَّ مِنْهُ، وَلَزِمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِتْلَافِ (وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ لَصَحَّ، فَكَذَا هُنَا، لَكِنْ فِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى تَفْوِيتِ الْحُرِّيَّةِ (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَاسْتِدَانَتِهِ بِإِذْنِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَعَلُّقُ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الضَّمَانِ، لِيَكُونَ الْقَضَاءُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ، صَحَّ، وَيَكُونُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ كَتَعَلُّقٍ حَقِّ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي، كَمَا لَوْ قَالَ لِحُرٍّ: ضَمِنْتُ لَكَ هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِي هَذَا، صَحَّ.
(وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِرِضَى الضَّامِنِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَلْزَمُ الْعَاقِدَ مِنْهَا حُقٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكْرَهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "
الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ لَهُمَا، وَلَا كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا، وَلَا وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ، صَحَّ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَالٍ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَى الْمُلْتَزِمِ كَالنَّذْرِ (وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمَضْمُونَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ ضَمِنَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَضْمُونِ لَهُ وَأَقَرَّهُ الشَّارِعُ عليه السلام، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا قَبْضٌ كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ، أَشْبَهَ ضَمَانَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ دَيْنَ الْمَيِّتِ (وَلَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَضَى الدَّيْنَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَرِضَاهُ، صَحَّ، فَكَذَا إِذَا ضَمِنَ عَنْهُ (وَلَا مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا، فَكَذَا مَعْرِفَتُهُمَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: تُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهُمَا لِيُعْلَمَ هَلِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَهْلٌ لِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ إِلَيْهِ أَمْ لَا؛ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ يُتَبَرَّعُ عَنْهُ، وَالْمَضْمُونُ لَهُ فَيُؤَدَّى إِلَيْهِ، وَذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ لَهُ فَقَطْ، وَجَوَابُهُ الْخَبَرُ (وَلَا) يُعْتَبَرُ (كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ مَعَ أَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ من غير مُعَاوَضَةً، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِغَرَرٍ وَخَطَرٍ، وَهُوَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَإِذَا قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْعَتَاقِ، وَالطَّلَاقِ، وَفِيَّ ضَمَانِ بَعْضِ الدَّيْنِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ (وَلَا وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ) بَلْ يَصِحُّ ضَمَانٌ مَا لَمْ يَجِبْ، إِذِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى ضَمَانِ حِمْلِ بَعِيرٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ. لَا يُقَالُ الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَا ضَمَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهَذَا كَافٍ وَلَهُ إِبْطَالُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَلَا مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ لَا يُوجَدُ فِيهِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ مُطْلَقًا (وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ) مِثَالُ الْمَجْهُولِ. وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَا ضَامِنٌ لَكَ مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ مَا يُقِرُّ بِهِ لَكَ، أَوْ مَا يقضى بِهِ عَلَيْهِ (أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ، صَحَّ) أَيْ: مَا تُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.