الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ
، وَهُوَ النَّقْصُ كَالْمَرَضِ وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ أَوْ زِيَادَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَائِدَةٌ: لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ، إِذِ الْأَصْلُ أَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِيَّاتِ بِالْمِثْلِ، وَالْمُتَقَوِّمَاتِ بِالْقِيمَةِ، وَالتَّمْرُ لَيْسَ بِمِثْلٍ، وَلَا قِيمَةٍ لِلَّبَنِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ بِقَدْرِ الضَّمَانِ بِقِيمَةِ التَّالِفِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَهُنَا قَدْرٌ بِالصَّاعِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الرَّدِّ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا، فَمَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ مُنِعَ الرَّدُّ، وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضمانه، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ، فَإِنَّ الْحُرَّ يَضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ وَلَا قِيمَةٍ، وَالْجَنِينَ بِالْغُرَّةِ، وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ كَالْمُوَضَّحَةِ، فَإِنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ، فَلَا يَمْنَعُ، وَعَنِ الرَّابِعِ: بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ؛ لَا تُبَاعُ شَاةٌ بِصَاعٍ، وَالْأَوْلَى أَنَّ التَّمْرَ بَدَلُ اللَّبَنِ لَا الشَّاةِ، فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ.
[الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ]
فَصْلٌ (الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ، وَهُوَ النَّقْصُ) أَيْ: مَا نَقَصَ ذَاتُ الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتُهُ عَادَةً، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: نَقِيصَةً يَقْتَضِي الْعُرْفُ سلامة الْمَبِيعَ عَنْهَا غَائِبًا، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَعْدَادِ مَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ، وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ (كَالْمَرَضِ) عَلَى جَمِيعِ حَالَاتِهِ (وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ أَوْ زِيَادَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِنْ مُمَيَّزٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الزِّنَى
الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِنْ مُمَيَّزٍ، فَمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ. وَقَوْلُهُمْ: وَتَعَرُّضُهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ كَالزِّنَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْبَاقِي عُيُوبٌ فِيمَنْ جَاوَزَ الْعَشْرَ، فَكَذَا مَا دُونَهَا، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ بَلَغَ عَشْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ لَا يَكُونُ عَيْبًا إِلَّا إِذَا تَكَرَّرَ، وَقِيلَ: بَوْلٌ كَبِيرٌ إِذَا تَكَرَّرَ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": بَالِغٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ وَجُودَهَا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ عقله، وَضَعْفِ بِنْيَتِهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْبَوْلُ عَلَى دَاءٍ فِي بَطْنِهِ.
أَصْلٌ: الْعُيُوبُ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ غَيْرِهَا فَالْأَوَّلُ: كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْعَرَجِ وَالْقَرْعِ وَالصَّمَمِ وَالطَّرَشِ وَالْخَرَسِ وَالْبَخْرِ وَالْحَوَلِ وَالتَّخَنُّثِ وَكَوْنِهِ خُنْثَى وَالْخَصْيِ وَالتَّزْوِيجِ فِي الْأَمَةِ وَتَحْرِيمٍ عَامٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ، وَحَمْلِ الْأَمَةِ دُونَ الْبَهِيمَةِ، وَعَدَمِ خِتَانٍ فِي كَبِيرٍ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَيْسَ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَتِنُونَ وَحُمْقٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنَ الْكَبِيرِ ارْتِكَابُ الْجَهْلِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَحُمْقٌ شَدِيدٌ وَاسْتِطَالَةٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَيْسَ عُجْمَةُ اللِّسَانِ وَفَأْفَاءٌ وَتِمْتَامٌ وَقُرَابَةُ وَارِثٍ، وَأَلْثَغُ وَعَدَمُ حَيْضٍ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ عَيْبًا، وَمِثْلُهُ عَقِيمٌ، وَفِي الثَّيُّوبَةِ وَمَعْرِفَةِ الْغِنَاءِ، وَالْكُفْرِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: وَفِسْقٌ بِاعْتِقَادٍ، أَوْ فِعْلٌ وَتَغْفِيلٌ وَالثَّانِي: كَوْنُ الدَّارِ يَنْزِلُهَا الْجُنْدُ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي قَدْ نَزَلَهَا الْجُنْدُ قَالَا: أَوِ اشْتَرَى قَرْيَةً وَجَدَ فِيهَا سَبْعًا أَوْ حَيَّةً عَظِيمَةً تُنْقِصُ الثَّمَنَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَبَقٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَفَزَعٌ شَدِيدٌ مِنْ كَبِيرٍ، وَكَوْنُهُ أَعْسَرَ، وَالْمُرَادُ لَا يَعْمَلُ بِالْيَمِينِ عَمَلَهَا الْمُعْتَادَ، وَإِلَّا فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَيْسَ بِعَيْبٍ لِعَمَلِهِ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْجَارُ السُّوءُ عَيْبٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
1 -
(فَمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ) ثُمَّ عَلِمَ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ) وَأَخْذِ الثَّمَنِ
وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، وَهُوَ قِسْطٌ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ، وَمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ مَعَ أَنَّهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لَمْ يَذْكُرَا خِلَافًا أَمَّا الرَّدُّ، فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، إِذْ مُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ بِدَلِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مَمْلُوكًا فَكَتَبَ: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا خِبَثَةَ وَلَا غَائِلَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» وَإِذًا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِظُهُورِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَهُ، وَإِزَالَةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ نَاقِصًا عَنْ حَقِّهِ، وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ فَلِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَرَاضَيَا عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَوَّضِ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْعِوَضِ يُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَوَّضِ وَمَعَ الْعَيْبِ فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهِ، وَهُوَ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَا أَرْشَ لِمُمْسِكٍ لَهُ الرَّدُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَلْزَمَ الْبَائِعُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِإِخْرَاجِ مِلْكِهِ إِلَّا بِهَذَا الْعِوَضِ، فَإِلْزَامُهُ بِالْأَرْشِ إِلْزَامٌ لَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، يُحَقِّقُهُ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ لَيْسَ فِيهَا عَيْبٌ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَإِنَّمَا مَلَكَ الْخِيَارَ فِيهَا بِالتَّدْلِيسِ لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ، فَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَرْشًا بِخِلَافِ الْمَعِيبِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ وَهَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشُ مِنْ عَيِنِ الثَّمَنِ، أَوْ حَيْثُ شَاءَ الْبَائِعُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَغَيْرِهَا، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَمُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى يَسِيرَةٍ وَآيَاتٍ فِي الْمُصْحَفِ لِلْعَادَةِ كَغَبَنٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ مِنْ وَلِيٍّ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ، وَالْقَاضِي فِي جَامِعِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَادَةً مِنْ ذَلِكَ كَيَسِيرِ التُّرَابِ وَالْعَقْدِ فِي الْبُرِّ وَمَحَلِّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الرِّبَا لِشِرَاءِ فِضَّةٍ بِزِنَتِهَا دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا مَعِيبَةً، أَوْ قَفِيزًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا
كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ، وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إِلَّا مَعَ نَمَائِهِ، وَوَطْءُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِمِثْلِهِ فَلَهُ الرَّدُّ، أَوِ الْإِمْسَاكُ مَجَّانًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ لَا خِيَارَ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَلَمْ يَرْضَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (وَهُوَ) أَيِ: الْأَرْشُ (قِسْطٌ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ، وَالْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، فَعَلَى هَذَا يَقُومُ الْمَبِيعُ صَحِيحًا، ثُمَّ مَعِيبًا فَيُؤْخَذُ قِسْطُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا إِذَا قَوَّمَ صَحِيحًا بِعَشَرَةٍ وَمَعِيبًا بِثَمَانِيَةٍ، وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا، فَقَدْ نَقَصَهُ الْعَيْبُ خمسة فَيَرْجِعُ بِخُمُسِ الثَّمَنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ، فَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْهُ يُسْقِطُ عَنْهُ ضَمَانَ مَا قَابَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّا لَوْ ضَمِنَّاهُ نَقْصَ الْقِيمَةِ لَأَفْضَى إِلَى اجْتِمَاعِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْمُشْتَرِي فِي صُورَةِ مَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَنْقُصُهُ النِّصْفُ فَأَخَذَهَا، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.
(وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ رَدَّ الْمَعِيبِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالِهِ أَوْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَالسَّمْنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ ظُهُورِهَا فَيَرُدُّهَا بِنَمَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ رَدِّهَا بِدُونِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعُ قِيمَتُهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْقِيَاسُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ وَكَالصَّدَاقِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ. والثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ كَالْكَسْبِ وَالْأُجْرَةِ وَمَا يُوهَبُ لَهُ، أَوْ يُوصَى لَهُ بِهِ فَهَذَا لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، وَحَكَاهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ، ذَكَرَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ ". والثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ الْمَجْذُوذَةِ
الثَّيِّبِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ، فَالْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِدُونِهَا لِقَوْلِهِ:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»
(وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إِلَّا مَعَ نَمَائِهِ) الْمُنْفَصِلِ حَكَاهَا الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ جَعَلَا لِلنَّمَاءِ كَالْجُزْءِ مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْفَسْخَ رُفِعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ حُكْمًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْكَسْبَ وَنَحْوَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَنَاقَشَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَفِي الْأَخْذِ نَظَرٌ، فَلَوْ حَدَثَ الْعَقْدُ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ رَدَّهَا رَدَّ وَلَدَهَا مَعَهَا صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالْوِلَادَةُ هُنَا نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فَمُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ هُنَا وَلَدُ الْبَهِيمَةِ لَا الْأَمَةِ، فَإِنْ تَلِفَ الْوَلَدُ فَهُوَ كَتَعَيُّبِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ إِمْسَاكُ الْوَلَدِ وَرَدُّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ حُرًّا فَبَاعَهَا دُونَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ بِأَخْذِ الْأَرْشِ أَوْرَدَهُمَا مَعًا، وَأَمَّا النَّقْصُ فَسَيَأْتِي.
1 -
(وَوَطْءُ الثَّيِّبِ) إِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا (لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ نَقْصُ جُزْءٍ وَلَا صِفَةٍ، وَلَمْ يَتَضَمَّنِ الرِّضَى بِالْعَيْبِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الرَّدَّ كَالِاسْتِخْدَامِ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، فَعَلَى هَذَا يَرُدُّهَا مَجَّانًا وَلِهَذَا لَهُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِلَا إِجْبَارٍ، قَالَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَعَنْهُ: يَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّهُ إِذَا فَسَخَ صَارَ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ (وَعَنْهُ: يَمْنَعُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ مَالٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ كَالْبِكْرِ (وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ) كَقَطْعِ الثَّوْبِ (فَلَهُ الْأَرْشُ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي
وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ، وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا، قَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى السَّلَامَةَ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيمَا قَابَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَفِي الرَّدِّ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، إِذْ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ بِالْأَرْشِ فَتَعَيَّنَ، وَلِأَنَّ وَطْأَهَا يَعِيبُهَا عُرْفًا وَيَنْقُصُهَا حِسًّا لِكَوْنِهِ يُذْهِبُ جُزْءًا مِنْهَا (وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ) وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، وَالْمُؤَلِّفُ قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ ذَهَابِ جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهُوَ اللَّبَنُ وَجَعَلَ التَّمْرَ بَدَلًا لَهُ، وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَبِسَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ، وَمَا نَقَصَ فَأَجَازَ الرَّدَّ مَعَ النُّقْصَانِ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّهُ عَيْبُ حَدَثٍ عِنْدَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ كَزَوَالِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَإِنْ زَالَ بَعْدَهُ فَفِي رُجُوعِ مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ بِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ احْتِمَالَانِ فَعَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكَ وَأَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ كَالْآخَرِ، فَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا قِيمَتُهَا مِائَةً وَثَيِّبًا ثَمَانِينَ رَدَّ مَعَهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي، وَعَنْهُ: الْوَاجِبُ فِي وَطْءِ الْبِكْرِ الْمَهْرُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا) أَيْ: إِذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ أَيْ: كَتَمَهُ وَأَخْفَاهُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ بِلَا أَرْشٍ وَيَلْزَمُ الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنِ بِكَمَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَبَالَغَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَهُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا عَقْدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَّطَ الْمُشْتَرِيَ وَغَرَّهُ فَصَارَ كَالْغَارِّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَوَطْءِ الْبِكْرِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَالْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةِ، أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَرَضِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا
الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ الْبِكْرِ إِذَا وَطِئَهَا لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِلْمَبِيعِ، أَوْ مُذْهِبًا لِجَمِيعِهِ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
(قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ) وَابْنِ الْقَاسِمِ.
قَالَ الْإِمَامَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ إِبَاقَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ: يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَيَتَّبِعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كَانَ، وَيُحْكَى عَنِ الْحَكَمِ وَمَالِكٍ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ الْبِكْرِ إِذَا وَطِئَهَا) حَكَاهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً، وَذَكَرَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُخَلَّدِ بْنِ خُفَافٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا (وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي) مَعَ كَوْنِهِ قَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي عِوَضَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تُعُيِّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُدَلِّسْهُ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يُشْبِهُ التَّغْرِيرَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدَهَا وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ التَّدْلِيسُ مِنْ وَكِيلِ الْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ شَمِلَ مَا ذَكَرْنَا كُلَّ مَبِيعٍ كَانَ مَعِيبًا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ آخَرُ كَزِنَى
عَلَى الْمشرِي وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ باعه غير
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُرِفَ مِنْهَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَنِسْيَانُ صَنْعَةٍ وَكِتَابَةٍ، وَعَنْهُ: يَرُدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ وَيُمْكِنُ عَوْدُهُ بِالتَّذْكِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ سَمِينًا فَهَزَلَ، وَالْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَالْعَيْبِ قَبْلَهُ فِيمَا ضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا أَرْشَ إِلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي غَرَّمَهُ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَعَنْهُ: عُهْدَةُ الْحَيَوَانِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْهُ: سَنَةٌ.
قَالَ فِي " الْمُبْهِجِ ": وَبَعْدَهَا قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ عُقْبَةُ، وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ) ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ (رَجَعَ بِأَرْشِهِ) أَيْ: إِذَا ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ تَلَفًا مَعْنَوِيًّا كَالْإِعْتَاقِ وَنَحْوِهِ كَالْوَقْفِ، وَالِاسْتِيلَادِ، أَوْ حِسِّيًّا كَالْمَوْتِ وَتَلَفِ الثَّوْبِ فَلَهُ الْأَرْشُ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ، إِذِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَقْتَضِي تَعْيِينَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْآخَرِ، وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ.
وَفَرَّقَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " بِأَنَّ هَذَا يَعْتَمِدُ الرَّدَّ وَلَا مَرْدُودَ، ثُمَّ يَعْتَمِدُ الْفَسْخَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَرْشَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ فِي الرِّقَابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، إِذِ الْعِتْقُ إِنَّمَا صَادَفَ الرَّقَبَةَ لَا الْجُزْءَ الْفَائِتَ، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الرَّقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ظَانًّا سَلَامَتَهَا فَاقْتَضَى خُرُوجَهُ عَنْ هَذَا الْجُزْءِ، وَحَمَلَهَا الْمُؤَلِّفُ على الاستحباب وَالْقَاضِي عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعِتْقُ فِي وَاجِبٍ، فَأَمَّا التَّبَرُّعُ، فَلَا أَرْشَ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْرِفْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْعَقْدُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَى بِهِ نَاقِصًا فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ (وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ) فَلَهُ أَرْشُهُ جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ أَشْبَهَ
عَالَمَ بِعَيْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي، وَفِي أَرْشِ الْبيعِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْوَقْفَ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ إِمْكَانِ الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ إِلَيْهِ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ إِمْكَانَ الرَّدِّ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ، كَمَا قَبِلَ الْهِبَةَ.
فَرْعٌ: إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عِنْدَ غَيْرِ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ وَقُلْنَا: لَهُ الْأَرْشُ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي قِيمَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ "(وَإِنْ فَعَلَهُ) فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ (عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ نَاقِصًا فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْأَرْشِ كَالرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْعِلْمِ، إِذِ الْأَرْشُ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ (وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ) أَيْ: لَا أَرْشَ لَهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ بِفِعْلِهِ، وَقَدِ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ (إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ إِذَا عَادَ مِلْكُهُ ثَبَتَتِ الْخِيَرَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهُ.
فَرْعٌ: لَوْ بَاعَهُ مُشْتَرٍ لِبَائِعِهِ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ عَلَيْهِ وَفَائِدَتُهُ اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ.
(وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي) فِي مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ اقْتَضَى الْعَقْدُ سَلَامَتَهُ، فَكَانَ لَهُ عِوَضُهُ، وَيَكُونُ بِالْحِسَابِ، فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْأَرْشِ، أَوِ الرُّبْعَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالْبَيْعِ بَلْ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ بَعْضِهِ، فَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْبَيْعِ لِكَثْرَتِهِ (وَفِي أَرْشِ الْبَيْعِ الرِّوَايَتَانِ) فِيمَا إِذَا بَاعَ الْجَمِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مَعَ تَدْلِيسِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَأَرْشُ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنْ صَبَغَهُ، أَوْ نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحْمَدَ (لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ مَبِيعٌ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ وَأَمْكَنَهُ الرَّدُّ فَمَلَكَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ بَاقِيًا (وَأَرْشُ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ الْقَاضِي: سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ.
وَخَصَّ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " الْخِلَافَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيينِ، وَلَمْ يَنْقُصْهُمَا التَّفْرِيقُ كَالْعَبْدَيْنِ، وَالثَّوْبَيْنِ، فَإِذَا نَقَصَهُمَا التَّفْرِيقُ كَزَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ دَفْعًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ لِنَقْصِهِمَا بِالتَّفْرِيقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَنْدَفِعُ بِرَدِّ أَرْشِ النَّقْصِ وَحَمَلَا قَوْلَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إِذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ، فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ التَّدْلِيسِ كَمَا مَرَّ.
(وَإِنْ صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكَ ظَلَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ، فَتَعَيَّنَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْمَبِيعَ بِمِلْكِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَمَا لَوْ فَصَلَهُ (وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ) الْمُشْتَرِي (شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ) أَيْ: يَكُونُ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَالْغَاصِبِ، وَبَعْدَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ عِوَضِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ فِي الْأَصَحِّ.
(وَإِنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ الدَّجَاجِ) وَالْجَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ (رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَبَيْعِ الْحَشَرَاتِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَاسِدًا رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى بَائِعِهِ لعدم
مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ الدَّجَاجِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ النَّعَامِ وَجَوْزِ الْهِنْدِ فَلَهُ أَرْشُهُ، وَعَنْهُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا أَرْشٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ فَأَخَّرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الفائدة فِيهِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةً كَبَيْضِ النَّعَامِ، وَجَوْزِ الْهِنْدِ) وَالْبِطِّيخِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ (فَلَهُ أَرْشُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِكَسْرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَرْشُ (وَعَنْهُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَرْشِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ رَدِّ بَدَلِ الْمُتْلِفِ بِيَدِهِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهُوَ اللَّبَنُ مَعَ تَدْلِيسِ الْبَائِعِ وَغَرَرِهِ فَهُنَا أَوْلَى.
وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِعْلَامُ إِلَّا بِهِ فَلَهُ رَدُّهُ اسْتِدْرَاكًا لِظَلَامَتِهِ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ حَصَلَ ضَرُورَةَ الِاسْتِعْلَامِ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ الِاسْتِعْلَامُ بِدُونِهِ فَيُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ أَرْشِ الْكَسْرِ الْمُسْتَعْلَمِ بِهِ، وَالرَّدُّ إِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِعْلَامِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا أَرْشٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَدْلِيسٌ وَلَا تَفْرِيطٌ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِعَيْبِهِ.
زَادَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " إِلَّا مَعَ شَرْطِ سَلَامَتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ.
تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى رِبَوِيًّا بجنسه فبان مَعِيبًا فَلَهُ الْفَسْخُ لِلضَّرُورَةِ دُونَ الْأَرْشِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّفَاضُلِ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْفَائِتِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: من غير جِنْسه قِيَاسًا عَلَى مَدِّ عَجْوَةٍ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، عند الْمُشْتَرِي، فَرِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ.
وَالْأُخْرَى: يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الْحُلِيِّ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إِهْمَالُ الْعَيْبِ، وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ.
1 -
الرَّدَّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ، وَإِنِ اشْتَرَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ فَأَخَّرَ الرَّدَّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقَّقٍ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ الْخَالِي عَنِ الرِّضَى بِهِ كَخِيَارِ الْقِصَاصِ (إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ) كَالْوَطْءِ وَالسَّوْمِ وَالِاسْتِغْلَالِ، ذَكَرَهُ مُعْظَمُهُمْ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرِّضَى مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِهِ، لَكِنْ لَوِ احْتَلَبَ الْمَبِيعُ وَنَحْوُهُ لَمْ يَمْنَعِ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ فَيُسْتَثْنَى.
قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": أَوْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ عَلَفَهَا.
وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنِ اسْتُخْدِمَ لَا لِلِاخْتِبَارِ بَطَلَ رَدُّهُ بِالْكَثِيرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ لَا أَرْشَ أَيْضًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الرِّضَى فَمَعَ الْأَرْشِ كَإِمْسَاكِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ.
قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " قَالَ فِي " التَّنْبِيهِ ": وَالِاسْتِخْدَامُ، وَالرُّكُوبُ لَا يَمْنَعُ أَرْشَ الْعَيْبِ إِذَا ظَهَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إِنَّمَا نَصَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْأَرْشَ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَالِ أَشْبَهَ الشُّفْعَةَ، فَعَلَى هَذَا مَتَى عَلِمَ الْعَيْبَ وَأَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ إِمْكَانِهِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى كَالتَّصَرُّفِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَت لِدَفْعِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
(وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ جُعِلَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، (وَإِنِ اشْتَرَى
اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكَهُمَا، فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا: فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ، وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ، فِي نَصِيبِهِ) فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ، فَجَازَ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ تَارَةً وَبِالشَّرْطِ أُخْرَى، وَكَشِرَاءِ وَاحِدٍ مِنِ اثْنَيْنِ، وَعَلَّلَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مُفْرَدًا فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ مَا بَاعَهُ إِيَّاهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مُشَقَّصَةً (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ رَدَّهُ مُشْتَرِكًا مُشَقِّصًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ، أَوْ وَرِثَاهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيبِ.
وَاقْتَصَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَهُ الْأَرْشُ وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا نَقْدُ نِصْفِ ثَمَنِهِ وقبض نِصْفَهُ، وَإِنْ نَقَدَ كُلَّهُ قَبَضَ نِصْفَهُ، وَفِي رُجُوعِهِ الرِّوَايَتَانِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَسِيلَةِ " وَغَيْرِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: بِعْتُكُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَبِلْتُ، جَازَ.
1 -
(وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ) أَوْ طَعَامًا فِي وِعَاءَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ (صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا) .
قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ لَا يُفَرِّقَهَا أَشْبَهَ رَدَّ بَعْضِ الْمَعِيبِ الْوَاحِدِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَمْسَكَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ (فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ) مِنَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْمَعِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ رَدَّ الْجَمِيعَ.
التَّالِفِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ أو زَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ مَنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا. وَإِنِ اخْتَلَفَا بِالْعَيْبِ، هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّ الرَّدَّ هُنَا مَبْنِيٌّ فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إِذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا (وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ الْمُشْتَرِي (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِ.
وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا) وَأَبَى أَخْذَ الْأَرْشِ (فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْمَبِيعِ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا سَبَقَ (وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا) لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ تَبْعِيضًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي " الْفُرُوعِ " شَيْئًا، (وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، أَوْ زَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ يَتَعَيَّنُ إِمَّا رَدُّهُمَا، أَوْ إِمْسَاكُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَالنَّهْيِ الْخَاصِّ عَنِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ محرم كَذَلِكَ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَمِثْلُهُ بَيْعُ جَانٍّ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ يُبَاعَانِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) وَكَانَ مُحْتَمِلًا لِقَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ رِوَايَتَانِ) .
وَكَذَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ
أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ رِوَايَتَانِ. إِلَّا أَنْ لا يَحْتَمِلَ إِلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَنْفِيهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ وَيَمِينِهِ عَلَى الْبَتِّ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ.
وَالثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ أَنَصُّهُمَا.
وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ، وَيَمِينُهُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، فَإِنْ أَجَابَ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَجَابَ أَنَّهُ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرَّدِّ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا عَلَى الْبَتِّ إِلَّا عَلَى النَّفْيِ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ، وَعَنْهُ: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَفِي الْإِيضَاحِ يَتَحَالَفَانِ (إِلَّا أَنْ لا يَحْتَمِلَ إِلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا) كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَالْجُرْحِ الْمُنْدَمِلِ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَالْجُرْحِ الطَّرِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ) مَنْ يَدَّعِيهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِلْعِلْمِ بِصِدْقِهِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِحْلَافِهِ، وَقِيلَ: بَلَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ.
فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي بَكَارَتَهَا أُرِيَتِ الثِّقَاتِ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا، وَقَالَ: مَا وَجَدْتُهَا بِكْرًا، فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ".
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إِذَا وَكَّلَ فِي الْبَيْعِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَأَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ، وَأَنْكَرَ مُوَكَّلُهُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مُوَكَّلِهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّدَّ، فَقُبِلَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَصَحَّحَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَلَيْهِ لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ، لِأَنَّ رَدَّهُ بِإِقْرَارِهِ وهو غير مقبول عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا، فَرُدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
يَمِينٍ، وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ قَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ، وَالْبَيْعُ لَازِمٌ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّانِي: إِذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِخِيَارِ شَرْطٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، نَصَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا.
(وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَعِيبَاتِ (وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَهُ الرَّدُّ) وَأَخَذَ الثَّمَنَ (أَوِ) الْإِمْسَاكُ مَعَ (الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَمَلَكَ بِهِ الْخِيَرَةَ كَبَقِيَّةِ الْعُيُوبِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَهُوَ قِسْطٌ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ جَانِيًا، وَغَيْرَ جَانٍ، فَيُقَالُ: ثمنه غير جَان بِمِائَةٍ وَجَان بِخَمْسِينَ، فَمَا بَيْنَهُمَا النِّصْفُ، فَالْأَرْشُ إِذَنْ نِصْفُ الثَّمَنِ، فَإِنْ قَطَعَ فَهَلْ يَمْنَعُ مَنْ رَدِّهِ قِيمَتَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ) أَوِ الْقِصَاصِ فَعُفِيَ عَنْهُ إِلَى مَالٍ (وَالسَّيِّدُ) أَيِ: الْبَائِعُ (مُعْسِرٌ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا تَعَذَّرَ إِمْضَاؤُهُمَا قُدِّمَ حَقُّ السَّابِقِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنِ انْتِزَاعِهِ عَيْبٌ فَمَلَكَ بِهِ الْخِيَارَ كَغَيْرِهِ، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَخَذَ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَرْشَ مِثْلِ ذَلِكَ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْعِبَةً رَجَعَ بِقَدْرِ أَرْشِهِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ لَا خِيَارَ لَهُ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ) لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لَهُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَفِدَائِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ لِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ الْأَرْشُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ (وَالْبَيْعُ لَازِمٌ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرُجُوعِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ.