الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاعَهَا الْحَاكِمُ، وَوَفَّى الْمُنْفِقَ وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ.
وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَضِعِ، وَمَوْتِ الرَّاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْمُغْنِي "، فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ مَالٌ يُنْفِقُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا شَيْئًا ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ (فَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا الْحَاكِمُ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلَةٌ عَنِ الْكِرَاءِ (وَوَفَّى الْمُنْفِقَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَخْلِيصًا لِذِمَّةِ الْجَمَّالِ وَإِيفَاءً لِحَقِّ صَاحِبِ النَّفَقَةِ (وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ، فَلَوْ هَرَبَ الْجَمَّالُ بِجِمَالِهِ، وَلَمْ يَجِدِ الْمُسْتَأْجِرُ مَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، فَلَهُ الْفَسْخُ ; لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ قَبْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَسَخَ وَكَانَ الْجَمَّالُ قَدْ قَبَضَ الْأَجْرَ فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ وَكَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ فَيُطَالِبُهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ وَانْقَضَتْ فِي هَرَبِهِ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ، وَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا اكْتَرَى بِهِ وَإِلَّا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَكْتَرِي بِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لِيَكْتَرِيَ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ مِنَ الْمُكْتَرِي جَازَ وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَمَّالِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ إِبْدَالُهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ فَيُخَيَّرُ الْمُكْتَرِي.
[مَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَمَا لَا تَنْفَسِخُ]
(وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) كَدَابَّةٍ نَفَقَتْ وَعَبْدٍ مَاتَ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَانْفَسَخَتْ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَهُ أَحْوَالٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَتْلَفَ الْعَيْنُ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي انْفِسَاخِهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَتْلَفَ عَقِبَ قَبْضِهَا، وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَا أَجْرَ لَهَا، فَتَنْفَسِخُ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَتْلَفَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ، فَيَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ خَاصَّةً فِي
فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الَّذِي اكْتَرَى لِقَلْعِهِ أَوْ بُرْئِهِ وَنَحْوَ هَذَا، وَإِنِ اكْتَرَى دَارَا فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَصَحِّ كَمَا لَوِ اشْتَرَى صَبْرَتَيْنِ فَقَبَضَ إِحْدَاهُمَا وَتَلَفَتِ الْأُخْرَى بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ قَبْلَ قَبْضِهَا ثُمَّ إِنْ كَانَ آخِرَ الْمُدَّةِ مُتَسَاوِيًا وَقَدِ اسْتَوْفَى نِصْفَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ بِأَنْ يَكُونَ أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ أَكْثَرَ مِنَ الشِّتَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى يُقَسَّطُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذا قِيلَ: أَجْرُهَا فِي الصَّيْفِ يُسَاوِي مِائَةً وَفِي الشِّتَاءِ يُسَاوِي خَمْسِينَ، وَكَانَ قَدْ سَكَنَ الصَّيْفَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثَيِ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى (وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَضِعِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ غَيْرِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الرِّضَاعِ، وَقَدْ يَدِرُّ اللَّبَنُ عَلَى وَلَدٍ دُونَ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ عَقِبَ الْعَقْدِ زَالَتِ الْإِجَارَةُ مَنْ أَصْلِهَا، وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ بِهَلَاكِ مَحَلِّهَا، وَعَنْهُ: لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَيَجِبُ فِي مَالِهَا أَجْرُ مَنْ تُرْضِعُهُ تَمَامَ الْوَقْتِ كَالدَّيْنِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ أَشْبَهَ هَلَاكَ الْبَهِيمَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (وَمَوْتِ الرَّاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، أَوْ كَانَ غَائِبًا كَمَنْ يَمُوتُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَيَتْرُكُ جَمَلَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ ; لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ مَنْفَعَةَ الْعَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ غُصِبَتْ، وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ; لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي (وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الَّذِي اكْتَرَى لِقَلْعِهِ أَوْ بُرْئِهِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْمَوْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ قَلْعِهِ لَمْ يُجْبَرْ (وَنَحْوَ هَذَا) كَاسْتِئْجَارِ طَبِيبٍ لِيُدَاوِيهِ، فَبَرَأَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا أَتْلَفَ الْعَيْنَ، فَإِنَّهَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ، وَمِثْلُهُ جَبُّ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُ وَلَهَا الْفَسْخُ.
(وَإِنِ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ قَدْ
مِنَ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي وَلَا بِعُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلْحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ، وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَاتَ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ، وَقِيلَ: وَتَنْفَسِخُ فِيمَا مَضَى (وَفِي الْآخَرِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ) صَحَّحَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الدَّارِ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَرْصَةِ بِنَصْبِ خَيْمَةٍ، أَوْ جَمْعِ حَطَبٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ نَقْصَ الْعَيْنِ، أَمَّا لَوْ زَالَتْ مَنَافِعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوِ الَّذِي بَقِيَ فِيهَا لَا يُبَاحُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْعَقْدِ كَدَابَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ فَصَارَتْ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلْحَمْلِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَرْضِ وَالَّتِي انْقَطَعَ مَاؤُهَا: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَيُخَيَّرُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْفَسْخَ وَلَا الْإِمْضَاءَ إِمَّا لِجَهْلِهِ بِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ الْفَسْخُ.
فَرْعٌ: إِذَا آجَرَهُ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ صَحَّ، فَإِنْ أَطْلَقَ، فَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ صِحَّتَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا، وَقِيلَ: لَا كَظَنِّهِ إِمْكَانَ تَحْصِيلِهِ، وَإِنْ ظَنَّ وَجُودَهُ بِالْأَمْطَارِ، وَزِيَادَةِ الْأَنْهَارِ صَحَّ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ كَالْعِلْمِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ.
(وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ مُكْتَرٍ لَا قَائِمَ مَقَامَهُ كَبُرْءِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ ; لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَذَّرُ بِمَوْتِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ، وَإِنَّ الْأُجْرَةَ قَدْ مُلِّكَتْ عَلَيْهِ كَامِلَةً وَقْتَ الْعَقْدِ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَمَاتَ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَعَنْهُ: لَا بَلْ وَارِثُهُ كَهُوَ، وَقِيلَ: إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا قَطَعَ مِنَ الْمَسَافَةِ الْوَاجِبِ قَطْعُهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْكَانِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَا بَقِيَ، وَإِنْ عَمِلَ بَعْضَهَا فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَنْ يَعْمَلُ الْبَاقِيَ (وَلَا) تَنْفَسِخُ (بِعُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلْحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ) فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَمْ يَجُزْ لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ الْإِبَاقَ، فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ
الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: فإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ. وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَمَرِضَ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَالْأُجْرَةُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ تَأْخِيرًا لِحَقِّهِ، وَلِأَنَّ تَعَذُّرَ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَمِلْكُ الْخِيَرَةِ بِهِ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، وَحِينَئِذٍ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ ; لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَفُتْ مُطْلَقًا بَلْ فَاتَ إِلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الثَّمَرَةَ الْمَبِيعَةَ آدَمِيٌّ قَبْلَ قَطْعِهَا، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ الِانْفِسَاخَ إِنْ قِيلَ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " تَنْفَسِخُ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَالْأُجْرَةُ لِلْمُؤَجِّرِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ غَصَبَهَا مَالِكُهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى كَغَصْبٍ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ، فَإِنْ رُدَّتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فَسْخٌ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَيَكُونُ فِيمَا مَضَى مُخَيَّرًا، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَهُ بَدَلُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ لِعَمَلٍ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ) هَذَا تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيمَا مَضَى، وَقَوْلُهُ شَامِلٌ لِغَصْبِ الْعَيْنِ وَتَلَفِهَا وَحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَانْهِدَامِ دَارٍ، وَغَرَقِ الْأَرْضِ، وَحُدُوثِ خَوْفٍ عَامٍّ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَغَصْبِ الْعَيْنِ، فَلَوْ كَانَ خَاصًّا بِالْمُسْتَأْجِرِ لِقُرْبِ أَعْدَائِهِ، أَوْ حُلُولِهِمْ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَمْلِكِ الْفَسْخَ كَمَرَضِهِ وَحَبْسِهِ.
(وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ) فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهُ (فَمَرِضَ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ) لِيَخْرُجَ مِنَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَرِيضِ ; لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إِنْظَارُهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْقَصْدُ فِيهِ كَالْنسْخِ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ فِي مُدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ تَخِيطَ لِي أَنْتَ هَذَا الثَّوْبَ، لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَالْبَيْعِ بَلْ يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ (فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ) وَهُوَ
عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إِلَّا أَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأَجْرِ (فَلَهُ الْفَسْخُ) إِنْ لَمْ يَزَلْ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَالْإِمْضَاءُ مَجَّانًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِكُلِّ الْأَجْرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَذَكَرَ الْمَجْدُ وَالْجِدُّ مَعَ الْأَرْشِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَبَيْنَ الْفَسْخِ اسْتِدْرَاكًا لِظَلَامَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالتَّأْخِيرِ (فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إِلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ بَادَرَ الْمُكْرِي إِلَى إِزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ الْمُسْتَأْجِرَ كَإِصْلَاحِ تَشْعِيثِ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، فَإِنْ سَكَنَهَا مَعَ عَيْبِهَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوِ احْتَاجَتْ إِلَى تَجْدِيدِ فَإِنْ جَدَّدَ وَإِلَّا فَسَخَ، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهُ عَلَى التَّجْدِيدِ فِي الْأَصَحِّ.
مَسْأَلَةٌ: مَتَى زَرَعَ الْأَرْضَ، فَغَرِقَتْ، أَوْ تَلِفَ، أَوْ لَمْ تُنْبِتْ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِغَرَقِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا لِقِلَّةِ مَاءٍ قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ عَابَتْ بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ بَعْضَ الزَّرْعِ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فَأْرٍ، أَوْ عُذْرٍ، فَإِنْ أَمْضَاهُ فَلَهُ الْأَرْشُ كَعَيْبِ الْأَعْيَانِ، وَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ الْقِسْطُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إِلَى كَمَالِهِ، وَمَا لَمْ يَرْوِ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَاعَهَا لِمُسْتَأْجِرِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الصِّحَّةَ كَبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَالْبَيْعُ عَلَى الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى أَحَدِهِمَا تَسْلِيمَ الْآخَرِ، وَإِنْ مَنَعَتِ التَّسْلِيمَ فِي الْحَالِ فَلَا تَمْنَعُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، وَتَكْفِي الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ أَوِ الْإِمْضَاءُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " لَهُ الْأَرْشُ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَإِنْ عَلِمَ وَرَضِيَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْعَيْنِ حَتَّى تَفْرَغَ الْمُدَّةُ.
(وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) لِأَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاللَّاحِقُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ السَّابِقِ