الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَالَيْنِ، وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ
فَصْلٌ الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي الْفَاسِدِ (وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟) أَيُ نِصْفِ عَمَلِهِ (عَلَى وَجْهَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " أَحَدُهُمَا: لَا رُجُوعَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ " الْمُحَرِّرِ " لِأَنَّهُمَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا لَمْ يَعْمَلْ لَهُ فَعَلَيْهِ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مَجْهُولًا فَوَجَبَ الْمُسَمَّى فِي فَاسِدِهِ كَالنِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يَرْجِعُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " وَهُوَ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيَرْجِعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَنْبَغِي الْفَصْلُ فِيهِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَابِلَ الْعَمَلَ فِيهِ عِوَضٌ كَالْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ تَسَاوَى عَمَلُهُمَا تَقَاصَّ الدَّيْنَانِ، وَإِنْ فَضُلَ أَحَدُهُمَا تَقَاصَّ دَيْنُ الْقَلِيلِ بِمِثْلِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ بِالْفَضْلِ.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِهِمَا رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ فَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهْلِ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ، وَإِنَّ فَسَدَ لِغَيْرِهِ وَجَبَ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ ; لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْعِوَضِ، فَوَجَبَ الْمُسَمَّى فِيهِ مَعَ فَسَادِهِ كَالنِّكَاحِ.
فَرْعٌ: إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَلِوَارِثِهِ إِتْمَامُ الشَّرِكَةِ، فَيَأْذَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا جُدِّدَ عَقْدًا، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الشَّرِكَةُ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَ دينَهُ، فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ إِتْمَامُهَا، وَإِنْ قَضَاهُ مِنْهَا بَطَلَتْ فِي قَدْرِ مَا مَضَى.
تَنْبِيهٌ: كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ أَمَانَةٍ وَتَبَرُّعٍ بِمُضَارِبَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَوَدِيعَةٍ، كَصَحِيحٍ فِي ضَمَانٍ وَعَدَمِهِ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَازِمٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ يَجِبُ فِي فَاسِدِهِ كَبَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَنِكَاحٍ.
[الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ]
[صُورَةُ الْمُضَارَبَةِ]
فَصْلٌ (الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ) وَهِيَ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ،
شَرَطَاهُ، فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ وَاتَّجِرْ بِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ، وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ مِنَ الرِّبْحِ، وَسَمَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ قِرَاضًا، فَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَطْعِ، يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ أَيْ قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً، وَسَلَّمَهَا إِلَى الْعَامِلِ وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، وَالْمُوَازَنَةِ، يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إِذَا تَوَازَنَا.
وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْطَاهُ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً يَعْمَلُ بِهِ فِي الْعِرَاقِ، وَرُوِيَ جَوَازُهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ ; لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا، فَإِنَّ النَّقْدَيْنِ لَا تُنْمَى إِلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ.
(وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ) يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَلَوْ دَفَعَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، أَوْ أَحَدَ كِيسَيْنِ لَمْ يَصِحَّ، قَوْلُهُ (إِلَى آخَرَ) لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ، فَلَوْ دَفَعَهُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَازَ، قَوْلُهُ (يَتَّجِرُ فِيهِ) ظَاهِرٌ (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) أَيْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ الْعَامِلِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَلَوْ شَرَطَ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ لَعَبْدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِعَبْدِهِمَا صَحَّ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِ أَحَدِهِمَا، أَوِ امْرَأَتِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ عَمَلًا مَعَ الْعَامِلِ صَحَّ، وَكَانَا عَامِلَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَكَ الثُّلْثَانِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَ امْرَأَتَكَ نِصْفَهُ (فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ، وَاتَّجِرْ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَهُوَ إِبْضَاعٌ) أَيْ يَصِيرُ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، فَيَصِيرُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا ; لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ
كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ قَرْضٌ، وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنُهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ أَوْ لِي لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ: وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ صَحَّ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ (وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ فَهُوَ) أَيِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ (قَرْضٌ) لَا قِرَاضَ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لَهُ، وَقَدْ قُرِنَ بِهِ حُكْمُهُ، فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ كَالتَّمْلِيكِ، فَإِنَّ قَرَنَ بِهِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْكَ فَهُوَ قَرْضٌ شُرِطَ فِيهِ نَفِيُ الضَّمَانِ، فَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ (وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنهُمَا نِصْفَيْنِ) لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِمَا إِضَافَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ فِيهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ - كَـ " هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَكم " - (وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ أَوْ لِي لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا شَرَطَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ فَقَدْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ لِأَحَدِهِمَا، وَيُفَارِقُ إِذَا لَمْ يَقُلْ: مُضَارَبَةً ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِمَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ مِنَ الْإِبْضَاعِ، وَالْقَرْضِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ ; لِأَنَّ الْإِذْنَ بَاقٍ (وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ) أَوْ رُبُعُهُ، أَوْ جُزْءٌ مَعْلُومٌ (صَحَّ) لِأَنَّ نَصِيبَ الْعَامِلِ مَعْلُومٌ (وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعُهُ، وَالْعَامِلُ يَأْخُذُ بِالشَّرْطِ، فَمَا شُرِطَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ، وَمَا بَقِيَ فَلِرَبِّ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ (وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ) وَلَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الْعَامِلِ (فَهَلْ يَصِحُّ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ ; لِأَنَّ الرِّبْحَ يَسْتَحِقَّانِهِ، فَإِذَا قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ، فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ كَمَا عُلِمَ أَنَّ ثُلُثَي الْمِيرَاثِ لِلْأَبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً، فَإِنْ قَالَ: لِيَ النِّصْفُ، وَلَكَ الثُّلُثُ، وَسَكَتَ عَنِ الْبَاقِي صَحَّ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى الثُّلُثِ أَوْ بِالثُّلُثِ صَحَّ، وَكَانَ تَقْدِيرًا لِنَصِيبِ الْعَامِلِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: لَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنَ الرِّبْحِ صَحَّ، وَلَهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَكَ رُبُعُ الرِّبْحِ، وَرُبُعُ مَا يَبْقَى، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ
اخْتَلَفَا لِمَنِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ؟ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَفِي الشُّرُوطِ. وَإِذَا فَسَدَتْ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْعَامِلِ الْأَجْرُ، وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سَوَاءٌ عَرَفَا الْحِسَابَ، أَوْ جَهِلَاهُ فِي الْأَصَحِّ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا لِمَنِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (فَهُوَ لِلْعَامِلِ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ يَقِلُّ، وَيَكْثُرُ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ حِصَّتُهُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ، وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ مَا قَالَهُ، فَيَجِبُ لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُزْءِ بَعْدَ الرِّبْحِ، فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِيَ النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: الثُّلْثَ، قُدِّمَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَعَنْهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إِنِ ادَّعَى تَسْمِيَةَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهَا ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحَالُفِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ (وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ) قِيَاسًا عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ، وَشَمَلَ هَذَا التَّشْبِيهُ لِلْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ (وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَفِي الشُّرُوطِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِالْإِذْنِ، فَمَا جَازَ لِلشَّرِيكِ فِعْلُهُ جَازَ لِلْمُضَارِبِ، وَمَا مُنِعَ مِنْهُ مُنِعَ مِنْهُ، وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ، فَهَا هُنَا مَثَلُهُ، وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ، وَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ نُطْقُهُ (وَإِذَا فَسَدَتِ) الْمُضَارَبَةُ (فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ) .
قَالَ الْقَاضِيَ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الشَّرْطُ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (وَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ عَمَلَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسَمَّى، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، فَقَبَضَهُ، وَتَلِفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي يَدِ قَابِضِهِ، فَيَجِبُ رَدُّ بَدَلِهِ، وَسَوَاءٌ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ لَا (وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأُجْرَةِ أَوْ مَا شَرَطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ) لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْأُجْرَةَ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْمَشْرُوطَ فَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِهِ، وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ.
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا اشْتَرَكَا فِي الْعُرُوضِ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، فَأَثْبَتَ فِيهَا