الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَهْنٌ، وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَيَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ فَإِنِ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً تُجْعَلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عليه السلام: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ» . (وَ) حِينَئِذٍ (يَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ) بَعْدَ دَفْعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الرَّهْنِ، وَعِوَضٌ عَنْهُ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمُبْدَلِهِ، وَأَطْلَقَ فِي " الْبُلْغَةِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْوَجْهَيْنِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، فَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُرْتَهِنُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ.
(وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ) فِي كَمْ يَفْدِيهِ (فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ مَالِكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ كَقَضَاءِ دِينِهِ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ مَا إِذَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَا رُجُوعَ لَهُ، لَكِنْ لَوْ زَادَ فِي الْفِدَاءِ عَلَى الْوَاجِبِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، فَلَوْ بَذَلَ الْمُرْتَهِنُ الْفِدَاءَ لِتَكُونَ الْعَيْنُ رَهْنًا عَلَيْهِ، وَعَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ.
فَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَمْلِكُ بَيْعَ الرَّهْنِ، وَإِبْطَالَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ الْجَائِزِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ قَبْلَ لُزُومِهِ جَائِزَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ بِدَيْنٍ، فَلَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ بِدَيْنٍ آخَرَ كَغَيْرِهِ.
[حُكْمُ الرَّهْنِ إِذَا جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ]
(وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقَصَاصِ) فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَالْأَرْشُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ أَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ الْقَصَاصُ بِغَيْرِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَجَوَابُهُ بِإِيجَابِ الْقِيمَةِ تُجْعَلُ رَهْنًا، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ الْمُطَالِبَةَ، أَوْ أَخَّرَهَا لِغَيْبَةٍ، أَوْ لَهُ عُذْرٌ مِنْهَا فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُوجِبِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَانِي سَيِّدَهُ (فَإِنِ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً تُجْعَلُ مَكَانَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا اسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إِتْلَافِ الرَّهْنِ، فَغَرِمَ
مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ، أَوْ وَرَثَتُهُ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ، صَحَّ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ إِلَى الْجَانِي، وَقَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قِيمَتَهُ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِنَّمَا وَجَبَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْوَاجِبُ مِنَ الْمَالِ هُوَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي عَشَرَةً، وَالْجَانِي خَمْسَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا إِلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ.
وَفِي " الْمُغْنِي " إِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا.
وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ جَمِيعُ قِيمَةِ الْجَانِي.
قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الرَّهْنِ فَكَانَ كُلُّهُ رَهْنًا، وَفِيهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ صُرِّحَ بِخِلَافِهِ.
وَقِيلَ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ مَالٌ، وَلَا اسْتُحِقَّ بِحَالٍ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي اكْتِسَابِ مَالٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَصَاصُ قَتْلًا، فَإِنْ كَانَ جُرْحًا، أَوْ قَلْعَ سِنٍّ وَنَحْوِهِ فَالْوَاجِبُ بِالْعَفْوِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحِ، أَوْ قِيمَةُ الْجَانِي، وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا انْبَنَى عَلَى مُوجَبِ الْعَمْدِ (وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ، أَوْ وَرَثَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَمَا إِذَا جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَاقْتَصَّ الرَّاهِنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ مَعْنًى، فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا حُكْمًا.
(وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ) ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ، وَيَجِبُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، فَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا، أَوْ يَأْخُذَ عَنْهَا عَرَضًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا (فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ فَيُعْطَى حُكْمَهُ (وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ، صَحَّ فِي حَقِّهِ) فَيَسْقُطُ حَقُّهُ. قَالَهُ الْقَاضِي (وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ صَادَفَ حَقًّا لَهُ وَحَقًّا لِغَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّهِ فَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ مِنَ الْجَانِي تَكُونُ رَهْنًا (فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ إِلَى الْجَانِي) لِزَوَالِ
أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ من غير شُبْهَةً فَعَلَيْهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَانِعِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الرَّهْنَ مَغْصُوبٌ، أَوْ جَانٍ، فَإِنِ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنَ الْأَرْشِ.
فَفِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْعَافِي؛ لِأَنَّ مَالَهُ ذَهَبَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ، كَمَا لَوِ اسْتَعَارَهُ فَرَهَنَهُ، وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْجَانِي مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ، فَإِنَّمَا اسْتَوْفَى بِسَبَبٍ مِنْهُ حَالَ مُلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى عَبْدِهِ، ثُمَّ رَهَنَهُ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَ بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ الْعَفْوُ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ دَيْنَهُ عَنْ غَرِيمِهِ، فَصَحَّ كَسَائِرِ دُيُونِهِ (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) تَكُونُ رَهْنًا لِيَنْجَبِرَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ كَالرَّهْنِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الرَّاهِنَ ولا يضره، وَإِنْ قَالَ: أَسْقَطْتُ الْأَرْشَ، أَوْ أَبْرَأْتُ مِنْهُ لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَقَرَّ أَحَدٌ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ وَكَذَّبَاهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلرَّاهِنِ الْأَرْشُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَحْدَهُ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْأَرْشِ وَلَهُ قَبْضُهُ، فَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ حَقَّهُ، أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ رَجَعَ الْأَرْشُ إِلَى الْجَانِي، فَإِنِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنَ الْأَرْشِ لَمْ يَمْلِكِ الْجَانِي مُطَالَبَةَ الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ.
(وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ من غير شُبْهَةً) فَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي إِبَاحَةِ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّ وَطْءَ الْمُسْتَأْجَرَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ مَعَ مُلْكِهِ لِمَنَافِعِهَا، فَهَذَا أَوْلَى، وَعَنْهُ: لَا حَدَّ.
الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهَا (وَالْمَهْرُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا، وَظَاهِرُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكْرَهَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ لَا، أَوِ ادَّعَى شُبْهَةً، أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ آدَمِيٌّ، فَلَا يَسْقُطُ بِالشُّبَهَاتِ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ.
(وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ) بِالتَّحْرِيمِ (وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ) كَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، أَوْ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا (وَلَا مَهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِإِذْنِهِ، وَلِأَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عِوَضُهَا كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا مُعْتَقَدًا إِبَاحَةَ وَطْئِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ كَالْمَهْرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَسْقُطُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَالِكِهِ بِاعْتِقَادِهِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَالْمَغْرُورِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْإِذْنَ صَرِيحٌ فِي الْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ فَأَسْقَطَهُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْإِحْبَالِ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ.
قَالَ فِي " النِّهَايَةِ ": وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ إِذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ كَالْمَهْرِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَعَ الْإِذْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مِثْلُهُ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ كَالنَّاشِئِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَدَعْوَاهُ الْجَهْلَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا.
مَسْأَلَةٌ: لَهُ بَيْعُ مَا جَهِلَ رَبَّهُ إِنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَفَهُمْ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْأَجْرِ وَيُغْرَمُ لَهُمْ، وَفِي إِذْنِ حَاكِمٍ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَخْذِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ عَدَمِهِ رِوَايَتَانِ، كَشِرَاءِ وَكِيلٍ.