الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا
، وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَدُودِ الْقَزِّ وَبِزْره وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا، وَفِي كِوَارَاتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا]
فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا) لِأَنَّهُ يُقَابِلُ بِالْمَالِ إِذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ (وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) أُخْرِجَ بِالْأَوَّلِ: مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ، وَبِالثَّانِي: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَبِالثَّالِثِ: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلضَّرُورَةِ كَالْكَلْبِ، وَلَوْ عَبَّرَ: بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَـ " الْوَجِيزِ " وَ " الْفُرُوعِ " لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا وَفِي " الشَّرْحِ " يَحْتَرِزُ بِقَوْلِهِ: لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تُبَاحُ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ، وَالْخَمْرُ تُبَاحُ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا (فَيَجُوزُ بَيْعُ) الْعَقَارِ (وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ ": لَا إِنْ نَجِسَا، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (وَدُودِ الْقَزِّ) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْبَهَائِمَ، وَحَرَّمَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " كَالْحَشَرَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَبِزْره) لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَآلِ أَشْبَهَ وَلَدَ الْفَرَسِ وَفِيهِ وَجْهٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " كَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا فَرْقَ فِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ الدُّودِ (وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِ شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَفِي كِوَارَاتِهِ) لِإِمْكَانِ مُشَاهَدَتِهِ بِفَتْحِ رَأْسِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَهُوَ أَمِيرُهَا، وَأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ عَسَلٍ يَكُونُ مَبِيعًا، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ خَفَاءَ الْبَعْضِ لَا يَمْنَعُ
الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَّا الْكَلْبَ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الصِّحَّةَ كَالصُّبْرَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي وِعَاءٍ لَا يُشَاهَدُ إِلَّا ظَاهِرُهُ، وَالْعَسَلُ يَدْخُلُ تَبَعًا كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُشَاهَدَةُ النَّحْلِ لِكَوْنِهِ مَسْتُورًا بِالْأَقْرَاصِ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ".
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) كَالْفَهْدِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِمَا (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ لَهَا حَبَسَتْهَا» وَالْأَصْلُ فِي اللَّامِ الْمِلْكُ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُبَاحٌ نَفْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ مُطْلَقًا أَشْبَهَ الْبَغْلَ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا وَعِيدَ فِي جِنْسِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ، وَعَلَى هَذَا فِي جَوَازِ بَيْعِ فَرْخِهِ وَبَيْضِهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ: يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ يُحْتَمَلُ حَالًا أَيْ: تَكُونُ مُعَلَّمَةً، وَبِهِ صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ فَظَاهِرُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ التَّعْلِيمِ، وَيَحْتَمِلُ مَآلًا؛ أَيْ: يَقْبَلُهُ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْفِيلُ التَّعْلِيمَ لَمْ يَجُزْ كَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ (إِلَّا الْكَلْبَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ - رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ - وَكَذَا آلَةُ لَهْوٍ وَخَمْرٍ، وَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ (اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "(وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ) وَابْنُ أَبِي مُوسَى.
أَمَّا الْهِرُّ فَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ثَمَنِهِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا، أَوْ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، أَوْ عَلَى الْمُتَوَحِّشِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهَا، ثُمَّ لَمَّا حَكَمَ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ حَلَّ ثَمَنُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكُلُّهَا مَحَامِلُ وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.
اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَرِيضِ، وَفِي بَيْعِ الْجَانِي وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَجْهَانِ، وَفِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَأَمَّا الْفِيلُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ فَلِأَنَّهَا نَجِسَةٌ كَالْكَلْبِ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مَعَ أَنَّ اقْتِنَاءَهُ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " كَـ " الْمُحَرَّرِ ".
1 -
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ) لِحُصُولِ النَّفْعِ بِهِ إِلَى وَقْتِ قَتْلِهِ وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيَحْصُلُ كَمَالُ النَّفْعِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِزَالَةُ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الْجَانِي (وَالْمَرِيضِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَقِيلَ: غَيْرُ مَأْيُوسٍ، وَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ الْهَلَاكِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَالْمُرْتَدِّ (وَفِي بَيْعِ الْجَانِي وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَبَنِ الْآدِمِيَّاتِ وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي، لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَى سَيِّدِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ بَيْعُهُ كَالدَّيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَمَنَعَ جَوَازَ بَيْعِهِ كَالرَّهْنِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي الْجَانِي يَمْلِكُ أَدَاءَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْبَيْعَ كَالزَّكَاةِ، وَفَارَقَ الرَّهْنَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَقٌّ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إِبْدَالَهُ ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ بِرِضَاهُ وَثِيقَةٌ لِلدَّيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ، وَلَوِ اشْتَرَاهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى قُدِرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: وَفِي الْمُتَحَتِّمِ قَتْلُهُ؛ وَجْهَانِ كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "،
جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَى حِينِ قَتْلِهِ وَيُعْتِقُهُ فَيَجْرِ وَلَاءُ وَلَدِهِ فَجَازَ كَالْمَرِيضِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي لَا لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَحَتِّمَ الْقَتْلِ أَشْبَهَ الْمَيْتَاتِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَصْلًا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ زَوَالُ مَا ثَبَتَ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ، أَوِ الرُّجُوعِ مِنَ الشُّهُودِ.
الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي إِجَارَةِ الظِّئْرِ أَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ خَرَجَ مِنْ آدَمِيَّةٍ كَالْعَرَقِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْآدَمِيِّ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَرَقَ لَا نَفْعَ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ عَرَقُ الشَّاةِ وَيُبَاعُ لَبَنُهَا، وَحَرُمَ بَيْعُ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ وَقِيلَ يَجُوزُ مِنَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا جَائِزٌ، فَكَذَا لَبَنُهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا دُونَ الْحُرَّةِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ بَيْعُ لَبَنِهَا، وَاحْتَجَّ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَضَوْا فِيمَنْ غَرَّ بِأَمَةٍ بِضَمَانِ الْأَوْلَادِ، وَلَوْ كَانَ لِلَّبَنِ قِيمَةٌ لَذَكَرُوهُ.
فَرْعٌ: الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ - قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: - نَذْرُ تَبَرُّرٍ - الْأَشْهَرُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ بِبَيْعِهِ كَالْهَدِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ.
1 -
(وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ أَحْمَدُ: لَا نَعْلَمُ فِي بَيْعِ الْمُصْحَفِ رُخْصَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا، وَلِأَنَّ تَعْظِيمَهُ وَاجِبٌ وَفِي بَيْعِهِ ابْتِذَالٌ لَهُ وَتَرْكٌ لِتَعْظِيمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ، لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ. أَشْبَهَ كُتُبَ الْعِلْمِ، وَفِي ثَالِثَةٍ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا مُوسَى كَرِهُوا بَيْعَهُ.
وَالْمَيْتَةِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَلَا الْكَلْبِ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى الْأُولَى: يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ، وَلَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ بَذْلُهُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُكْرَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِبْدَالُهُ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْبَيْعِ الْمُتَضَمِّنِ إِذْلَالُ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي أُخْرَى قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ لَهُ كَاسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ إِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي " النِّهَايَةِ " لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُصْحَفِ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إِبْدَالُهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ إِذْلَالٌ، وَالْمُصْحَفُ مُحْتَرَمٌ، فَتَنَافَيَا، وَفَارَقَ الشِّرَاءُ هُنَا شِرَاءَ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِكَافِرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِهِ إِلَى أَرْضِهِمْ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَهَذَا أَوْلَى، وَحُكْمُ إِجَارَتِهِ كَبَيْعِهِ، لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنْفَعَتِهِ وَيَجُوزُ وَقْفُهُ وَهِبَتُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ بِنُصُوصِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ كُتُبِ الْعِلْمِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا تُبَاعُ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَجُوزُ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ لِمُحْدِثٍ بِلَا حَمْلٍ وَلَا مَسٍّ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا كَافِرٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمَصَاحِفَ تَكْتُبُهَا النَّصَارَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ منْ كتبهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " النِّهَايَةِ " يُمْنَعُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ شِرَاءُ كُتُبِ زَنْدَقَةٍ وَنَحْوِهَا لِيُتْلِفَهَا لَا خَمْرَ لِيُرِيقَهَا؛ لِأَنَّ فِي الْكُتُبِ مَالِيَّةَ الْوَرَقِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ بِآلَةِ اللَّهْوِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَالِيَّةِ الْخَشَبِ.
الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ بَيْعُ طَيْرٍ لِقَصْدِ صَوْتِهِ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ. زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِنْ جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَفِي " الْمُوجَزِ " لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مَا قُصِدَ صَوْتُهُ كَدِيكٍ وَقُمْرِيٍّ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ) لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَقٌ لِمَصِّ دَمٍ وَدِيدَانٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ، وَمَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَبُومَةٍ شَبَاشَا فِي الْأَشْهَرِ (وَالْمَيْتَةِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «سَمِعْتُ
السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَلَا الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْأَصْنَامِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا الْحُوتُ وَالْجَرَادُ (وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا) لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ كَالْخَمْرِ (وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا كَالْحَشَرَاتِ (وَلَا الْكَلْبِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ:«ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نُهِيَ عَنِ اقْتِنَائِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، أَوْ نَجَسُ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا، صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَازَ بَيْعَهُ وَمَالَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ " إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ وَأُجِيبَ " بِضَعْفِهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا السِّرْجِينِ النَّجِسِ) لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْمَيْتَةِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ، قَالَ مِنْهَا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي الْبَعْرِ وَالسِّرْجِينِ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي بَيْعِ نَجَاسَةٍ قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّاهِرِ مِنْهَا (وَلَا الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ) أَيِ: الْمُتَنَجِّسَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» وَلِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَجُوزُ بَيْعُ
وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ، وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِهَا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَا يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الدُّهْنِ غَالِبًا هُوَ الْأَكْلُ، وَقَدْ زَالَ وَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ بِتَطْهِيرِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا تَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ بِتَطْهِيرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ فِيهِ نَهْيًا خَاصًّا فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا (وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ وَيَسْتَبِيحُ أَكْلَهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَاشْتَرَطَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ الِاعْتِقَادِ الْمُجَوِّزِ، وَالْعِلْمُ بِنَجَاسَتِهَا الْمُرَادُ بِهِ اعْتِقَادُ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَكَذَا هُنَا وَفِيهِ شَيْءٌ، وَفِي " الْمُغْنِي " يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى كَافِرٍ فِي فِكَاكِ مُسْلِمٍ وَيُعْلَمُ بِنَجَاسَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ بِهِ (وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: لَا؛ وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ قُرْبَانِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِصْبَاحُ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ دِهْنٌ نَجِسٌ، فَلَمْ يَجُزِ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ كَشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ؛ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الِانْتِفَاعَ بِالْجِلْدِ الْيَابِسِ، فَعَلَى هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَنْجِيسِهَا لَا نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِهَا) كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ.
فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ سُمٍّ قَاتِلٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْأَفَاعِي أَوِ النَّبَاتِ، وَقِيلَ يَقْتُلُ بِهِ مُسْلِمًا.