الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنِ اشْتَرَطَ الْقَطْعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ لَا مَتْبُوعَ، فَلَا تَابِعَ، فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ صَحَّ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّه لا الْأَصْلَ لَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامَرِّيِّ وَصَاحِبِ " التَّلْخِيصِ " فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَاهُمَا مَعًا.
تَنْبِيهٌ: الْقُطْنُ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا فَحُكْمُهُ كَالشَّجَرِ.
الثَّانِي: مَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ فَحُكْمُهُ كَالزَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ جَوْزُهُ ضَعِيفًا رَطْبًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ، وَإِنْ قَوِيَ وَاشْتَدَّ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَإِنْ بِيعَتِ الْأَرْضُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.
[الْحَصَادُ وَاللِّقَاطُ وَالْجَدَادُ عَلَى الْمُشْتَرِي]
(وَالْحَصَادُ، وَاللِّقَاطُ) ، وَالْجِدَادُ (عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ من مؤنة نَقْلُهَا كَنَقْلِ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ، وَالْوَزَّانِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا من مؤنة تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَهُنَا حَصَلَ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَطْعِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، صَحَّ خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ.
قَالَ فِي " الرَّوْضَةِ " لَيْسَ لِقَوْلِهِ وَجْهٌ، وَفِي الْإِرْشَادِ فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ بَطَلَ فَفِي الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ (فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا) أَيْ: لَمْ يَشْتَرِطْ تَبْقِيَةً، وَلَا قَطْعًا، وَقِيلَ: إِطْلَاقُهُ كَشَرْطِهِ قَدَّمَهُ فِي " التَّبْصِرَةِ "؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ (أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ) إِجْمَاعًا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي شَرْطِ جَزِّ الْمَبِيعِ لَقْطَةً لَقْطَةً (فَإِنِ اشْتَرَطَ الْقَطْعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ) بَطَلَ الْعَقْدُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» وَاسْتَثْنَى
طَالَتِ الْجِزَّةُ، أَوْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ تَتَمَيَّزْ، أَوِ اشْتَرَى عَرِيَّةَ لِيَأْكُلَهَا رُطَبًا فَأَثْمَرَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنْهُ مَا إِذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَقُطِعَ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَلِأَنَّ التَّبْقِيَةَ مَعْنًى حَرَّمَ الشَّرْعُ اشْتِرَاطَهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلَ الْعَقْدَ وُجُودُهُ كَتَأْخِيرِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَالصَّرْفِ، وَلِأَنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ تَجْعَلُ ذَرِيعَةً إِلَى الْحَرَامِ وَوَسَائِلُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَقَدْ عَاقَبَ اللَّهُ أَصْحَابَ السَّبْتِ بِصَنِيعِهِمْ (أَوْ طَالَتِ الْجِزَّةُ) أَيْ: إِذَا اشْتَرَى رَطْبَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى طَالَتِ الْجِزَّةُ، أَوْ زَرْعًا أَخْضَرَ، ثُمَّ اشْتَدَّ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأْخِيرَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ شِرَاءَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ حِيلَةً، فَإِنْ قَصَدَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ (أَوْ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ تَتَمَيَّزْ)، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا إِذَا تَمَيَّزَتْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، فَعَلَى هَذَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَرَتُهُ (أَوْ اشْتَرَى عَرِيَّةً لِيَأْكُلَهَا رَطْبًا فَأَثْمَرَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رَطْبًا» . وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا إِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، فَإِذَا أَثْمَرَ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْحَاجَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا، أَوْ لَا، لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَخَذَ بَعْضًا رُطَبًا وَتَرَكَ بَاقِيَهَا حَتَّى أَثْمَرَ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيمَا أَثْمَرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخَذَهَا رُطَبًا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ حَتَّى أَثْمَرَتْ، أَوْ شَمَّسَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهَا.
وَعَنْهُ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِيهِ إِنْ أَخَّرَهُ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، وَعَنْهُ: يَفْسُدُ لِقَصْدِ حِيلَةٍ وَمَتَى حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، فَالثَّمَرَةُ مَعَ الزِّيَادَةِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْبَيْعُ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً، فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى، وَفِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " فِيمَا إِذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى، فَلَمْ
وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي تَبْقِيَتُهُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إِنِ احْتَاجَ إلى ذَلِكَ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَتَمَيَّزَا: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِمَا، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَالْأَصْلُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَهُمَا سَبَبُ الزِّيَادَةِ فَتُقَوَّمُ الثَّمَرَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْأَخْذِ، فَالزِّيَادَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ لِلْمُشْتَرِي كَالْعَبْدِ إِذَا سَمِنَ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا على الاستحباب (وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا) عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِيهَا وُجُوبًا، وَفِي " الْمُغْنِي " يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ أَبَيَا الصَّدَقَةَ بِهَا اشْتَرَكَا فِيهَا.
تَنْبِيهٌ: إِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ زَكَّاهُ الْبَائِعُ وَحَيْثُ صَحَّ، فإن اتفقا عَلَى التَّبْقِيَةِ جَازَ وَزَكَّاهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قُلْنَا: الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِمَا إِنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا، وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ طَلَبَهُ الْبَائِعُ فَسَخْنَا الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ إِلْزَامَ الْبَائِعِ بِالتَّبْقِيَةِ يَضُرُّ بِنَخْلِهِ، وَتَمَكُّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَطْعِ يَضُرُّ بِالْفُقَرَاءِ وَيَعُودُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ وَيُزَكِّيهِ، وَفِي إِلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِالتَّبْقِيَةِ إِنْ بَذَلَهَا الْبَائِعُ وَجْهَانِ، وَهَذَا إِذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ فِيمَا يُقْطَعُ قَبْلَ كَمَالِهِ لِحَاجَةٍ عُشْرُهُ رُطَبًا، فَإِنْ قُلْنَا: يَخْرُجُ يَابِسًا، فَلَا يُفْسَخُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ".
فَرْعٌ: إِذَا اشْتَرَى خَشَبًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَتَرَكَهُ حَتَّى زَادَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: هِيَ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ: الْكُلُّ، وَقِيلَ: لِلْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ.
(وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ) أَيْ: طَابَ أَكْلُهُ وَظَهَرَ نُضْجُهُ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " بِظُهُورِ مُبَادِي الْحَلَاوَةِ (جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَالِاشْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام عَلَّلَ الْأَصْلَ خَوْفَ التَّلَفِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا (وَلِلْمُشْتَرِي تَبْقِيَتُهُ إِلَى الْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لَهُ تَعْجِيلَ قَطْعِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ "، وَغَيْرِهِ (وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ
تَضَرَّرَ الْأَصْلُ، وَإِنْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ، وَعَنْهُ: إِنْ أُتْلِفَتِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ كَامِلًا، وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا بَاعَ الْأَصْلَ، وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ سَقْيُهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ سُقُوطُهُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَإِنْ تَلَفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ) الْجَائِحَةُ كُلُّ آفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِيهَا كَالرِّيحِ، وَالْحَرِّ، وَالْبَرَدِ، وَالْعَطَشِ فَكُلُّ مَا تُهْلِكُهُ مِنْ عَلَى أُصُولِهِ قَبْلَ أَوَانِ جَدِّهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» ، وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ !» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ أَعْدُهُ، وَلَوْ كُنْتُ قَائِلًا بِوَضْعِهَا لَوَضَعْتُهَا فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ قُلْنَا: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الشَّجَرِ لَيْسَ بِقَبْضٍ تَامٍّ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ عَلَى الشَّجَرِ كَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ يُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، ثُمَّ لَوْ تَلِفَتِ الْمَنَافِعُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْآجِرِ، كَذَا هُنَا وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتَ أَخْذِهَا، فَلَوْ بَلَغَتْ جَدَّهَا، فَلَمْ يَجِدَّهَا حَتَّى تَلِفَتْ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لَا يُوضَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَ " الْفُرُوعُ "، أَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَتَلِفَتْ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إِذَا تَلِفَتْ قَبْلَ إِمْكَانِ قَطْعِهَا.
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهَا بِالنَّخْلِ، فَقَالَ: إِنَّمَا الْجَوَائِحُ فِي النَّخْلِ بِأَمْرٍ
الثُّلْثُ فَصَاعِدًا ضَمَنَهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سَمَاوِيٍّ، وَفِي نَهْبِ عَسْكَرٍ وَإِحْرَاقِ لِصٍّ وَنَحْوِهِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْجَائِحَةِ وَكَثِيرِهَا إِلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَنْضَبِطُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ (وَعَنْهُ: إِنْ أُتْلِفَتِ الثُّلْثُ ضَمَنَهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَلَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الرَّوْضَةِ "؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهَا وَتَنْثُرُ الرِّيحُ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَابِطٍ، وَالثُّلْثُ قَدِ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا.
قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الثُّلْثَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَلِأَنَّ الثُّلْثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَمَا دُونَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ فَعَلَيْهَا يُعْتَبَرُ ثُلْثُ الثَّمَرَةِ قَدَّمَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: ثُلْثُ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: ثُلْثُ الثَّمَنِ، فَإِنْ تَلِفَ الثُّلْثُ فَمَا زَادَ رَجَعَ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَعَلَى الْأُولَى إِنْ تَلِفَ بِشَيْءٍ خَارِجٍ عَنِ الْعَادَةِ وُضِعَ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الذَّاهِبِ، وَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ خُيِّرَ بَيْنَ إِمْضَاءٍ مَعَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدٍّ وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا، وَمَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهِ فَكَشَجَرٍ وَثَمَرُهُ كَثَمَرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ لَا يُؤَخِّرُ الْبَائِعُ اللَّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ، ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا تُبَاعُ إِلَّا لَقْطَةً لَقْطَةً كَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَوَّزَهُ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَدَا كَثَمَرٍ.
لَوَاحِقُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الزَّرْعِ إِذَا تَلِفَ، وَفِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ " بَلَى كَالثَّمَرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إِلَّا بَعْدَ تَتِمَّةِ صَلَاحِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَإِذَا تَرَكَهُ فَرَّطَ، يَضْمَنُهُ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي " الرَّوْضَةِ "، وَغَيْرِهَا: إِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَهُوَ اشْتِدَادُ حَبِّهِ فَلَهُ تَرْكُهُ إِلَى حِينِ حَصَادِهِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": إِذَا تَلِفَ الْبَاقِلَاءُ، وَالْحِنْطَةُ فَوَجْهَانِ الْأَقْوَى يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ فَزَرَعَهَا فَتَلِفَ، فَلَا جَائِحَةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَمْ يَبِعْهُ إِيَّاهُ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ بَاقِيَةٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ثُبُوتَهَا فِي زَرْعٍ مُسْتَأْجَرٍ وَحَانُوتٍ نَقَصَ نَفْعُهُ عَنِ
وَالْإِمْضَاءِ وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ، وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا، وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسائر النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعَادَةِ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِيَ تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَمَّامٍ.
(وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ) وَمُطَالَبَةِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (وَالْإِمْضَاءِ) أَيِ: الْبَقَاءِ عَلَيْهِ (وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ) بِالْقِيمَةِ كَالْمَكِيلِ إِذَا أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ التَّالِفِ بِالْجَائِحَةِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِلَّا أَنَّ فِي إِحْرَاقِ اللُّصُوصِ وَنَهْبِ الْعَسَاكِرِ، وَالْحَرَامِيَّةِ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي " الرَّوْضَةِ " بِأَنَّهُ هُنَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْآدَمِيَّ بِالْغُرْمِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمَسْأَلَةُ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنَ الْمُتَمَيِّزِ وَغَيْرِهِ فَعَلِمْنَا بِهَا فَضَمِنَهَا الْبَائِعُ بِالْجَائِحَةِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا أَتْلَفَهَا آدَمِيٌّ (وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، فيباع جميعها، إِذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَدَّى بَيْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ إِلَى الضَّرَرِ، وَالْمَشَقَّةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ (وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَظْهَرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ ": أَنَّهُ يَكُونُ صَلَاحًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ فِي الْجَمِيعِ يَشُقُّ، وَكَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَعَنْهُ: وَكَذَا مَا قَارَبَهُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَكُونُ صَلَاحًا كَالَّذِي فِي الْبُسْتَانِ الْآخَرِ وَأَطْلَقَ فِي " الرَّوْضَةِ " فِي الْبُسْتَانَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْأُولَى أَيْ: فِي النَّوْعِ كَالْبَرْنِيِّ هَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ الْجِنْسِ الَّذِي فِي الْقَرَاحِ؟
فَقَالَ الْقَاضِي: وَالْأَكْثَرُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ،
النَّخْلِ أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ، وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ، وَفِي سَائِرِ الثِّمَارِ أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ وَيَطِيبَ أَكْلُهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَيَتْبَعُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّوْعَيْنِ قَدْ يَتَبَاعَدُ إِدْرَاكُهُمَا وَكَالْجِنْسَيْنِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي بُسْتَانٍ يُبَاعُ إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْبُلُوغَ فَقَضَى الْقَاضِي، وَأَبُو حَكِيمٍ، وَالْمَجْدُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَلَبَةِ بِهَذَا النَّصِّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمَا سَوَّوْا بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ (وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ) ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ.
قِيلَ لِأَنَسٍ: وَمَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ» ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَى أَنْ تُبَاعَ حَتَّى تُشَقِّحَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْأَكْلِ (وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ) لِقَوْلِ أَنَسٍ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَمَعْنَى يَتَمَوَّهُ أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَلِينَ وَيَصْفَرَّ لَوْنُهُ (وَفِي سَائِرِ الثِّمَارِ) كَالتُّفَّاحِ، وَالْبِطِّيخِ (أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ وَيَطِيبَ أَكْلُهُ) وَاعْتَبَرَهُ الْمَجْدُ فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي " الْوَجِيزِ " كَالْمُقْنِعِ تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُؤْكَلُ كِبَارًا وَصِغَارًا كَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ فَالْمَذْهَبُ أَكْلُهُ عَادَةً.
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: صَلَاحُهُ تَنَاهِي عِظَمِه.
وَقَالَ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ ": صَلَاحُهُ الْتِقَاطُهُ عُرْفًا، وَإِنْ طَابَ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَاحُ الْحَبِّ أَنْ يَشْتَدَّ، أَوْ يَبْيَضَّ.
1 -
فَصْلٌ
وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَصْلٌ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدَ اخْتُصَّ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ سَوَاءٌ قُلْنَا: الْعَبْدُ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ، أَوْ لَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ (فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَالَ اشْتُرِطَ عِلْمُهُ) أَيْ: الْعِلْمُ بِالْمَالِ (وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ عَيْنًا أُخْرَى (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمَالَ لَمْ يُشْتَرَطْ) أَيْ: لَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُهُ بِهِ وَيَصِحُّ شَرْطُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ دَخَلَ تَبَعًا أَشْبَهَ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَالتَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ فِي السُّقُوفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الثمر، أَوْ دُونَهُ، أَوْ فَوْقَهُ وَحَكَاهُ فِي " الْمُنْتَخَبِ " عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِالْقَصْدِ وَعَدِمِهِ.
قَالَ: صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ، وَيَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَمَالًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُطْلَقٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ ": إِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ مَالُهُ مَبِيعًا مَعَهُ وَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ احْتُمِلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَغَيْرُهَا، فَيَدْخُلُ تَبَعًا كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَزَادَ: إِلَّا إِذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَبْدَ لَا الْمَالَ، فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ هُنَا، وَإِنَّمَا اسْتَبْقَاهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ عَنْهُ إِلَى الْبَائِعِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَرْعٌ: لَوْ شَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ، ثُمَّ رَدَّهُ بِإِقَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا رَدَّ مَالَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ أَخَذَهُ