الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي يَدِ مُسْلِمٍ.
وَ
لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلَّا بِالْقَبْضِ
وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي " الْفُرُوعِ " الْخِلَافَ وَهُمَا فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ لِكَافِرٍ إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ، وَأُلْحِقَتْ بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ.
فَرْعٌ: لَا يَقْرَأُ فِيهِ أَحَدٌ بِلَا إِذْنِ رَبِّهِ.
وَقِيلَ: بَلَى إِنْ لَمْ يَضُرَّ مَالِيَّتَهُ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدٌ لِيَقْرَأَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ بَدلهُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ
[لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إِلَّا بِالْقَبْضِ]
(وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ) فِي حَقِّ الرَّاهِنِ (إِلَّا بِالْقَبْضِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبْضِ كَالْقَرْضِ وَسَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ مَنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَغَيْرِهِمَا، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْقَبْضِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ كَالْبَيْعِ، وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي غَيْرِهِمَا لَا يَلْزَمُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِذْ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِكُلِّ نَوْعٍ، فَإِنْ كَانَ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا بَطَلَ حُكْمُ الرَّهْنِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَدْبِيرٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ تَزْوِيجٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ " تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَصِفَةُ قَبْضِهِ كَمَبِيعٍ، فَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلِلرَّاهِنِ فِيهَا قُمَاشٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهَا بِمِلْكِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ كَالثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ إِذْنُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْأَشْهَرِ، وَيَبْطُلُ إِذْنُهُ بِنَحْوِ إِغْمَاءٍ وَخَرَسٍ، فَلَوْ رَهَنَهُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ غَصْبًا فَكَبَتَهُ إِيَّاهُ، وَيَزُولُ ضَمَانُهُ (وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ) ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَلِأَنَّهَا إِحْدَى حَالَتَيِ الرَّهْنِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ شَرْطًا كَالِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي ابْتِدَائِهَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ، فَإِذَا ثَبَتَ اسْتَغْنَى عَنِ الْقَبْضِ، وَالرَّهْنُ يُرَادُ لِلْوَثِيقَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ بَيْعِهِ وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ زَالَ ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَبْضِ شَرْطٌ فِي
الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِنِ زَالَ لُزُومُهُ، فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ عَادَ اللُّزُومُ، وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتُخَمَّرَ زَالَ لُزُومُهُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَعَنْهُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اللُّزُومِ، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ فَفِي الِاسْتِدَامَةِ كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لَكِنْ لَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ أَعَارَهُ لِمُرْتَهِنٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلُزُومُهُ بَاقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَزُولُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ فَعَلَيْهَا يَعُودُ بِمُضِيِّ إِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ (فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِنِ زَالَ لُزُومُهُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ، وَقَدْ زَالَتْ، إِذِ الْمَشْرُوطُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ نِيَابَةً عَنْهُ، صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَبَقِيَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَبْضٌ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ إِيدَاعٍ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ: بِاخْتِيَارِهِ يَحْتَرِزُ بِهِ عَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ اللُّزُومَ، لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا (فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْمُرْتَهِنِ (عَادَ اللُّزُومُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَ بِهِ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ السَّابِقَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنِ الْعَقْدِ (وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتُخَمَّرَ زَالَ لُزُومُهُ) ، لِأَنَّ تَخْمِيرَهُ بمنزلة إخراجه مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يدل لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْرٍ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ خَمْرًا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَلَأَنْ يُخْرِجَهُ عَنِ اللُّزُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتَجِبُ إِرَاقَتُهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ أُرِيقَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ) ، كَمَا لَوْ زَالَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ، فَلَوِ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَمْ يَعُدْ بِعُودِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْقَبْضِ أَشْبَهَ إِسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَالَ خَمْرًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ، ثُمَّ إِذَا عَادَ خَلًّا عَادَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ مَرْهُونًا بِالْعَقْدِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مِلْكًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ، فَيَعُودُ حُكْمُ الرَّهْنِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَزَلْ عَنْهُ حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ، فَتَخَلَّلَ فِي يَدِهِ كَانَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
أَنَّ الْقَبْضَ وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَمَتَى امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ أُجْبِرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَمْ تَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَوْدِهِ رَهْنًا بِاسْتِحَالَتِهِ خَلًّا وَأَرَى الْقَوْلَ بِبَقَائِهِ رَهْنًا أَقْرَبَ إِلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَطَلَ لَمَا عَادَ صَحِيحًا من غير ابْتِدَاءُ عَقْدٍ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْقَبْضَ وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ) حَكَاهُ فِي " التَّعْلِيقِ " عَنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ (فَمَتَى) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) كَالْبَيْعِ، فَإِنْ رَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَارِيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ طَلَبَهُ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ صَحِيحٌ، وَالْقَبْضَ وَاجِبٌ لَهُ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَبَيْعِهِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ جَازَ إِجْمَاعًا وَسَوَاءٌ بُيِّنَ الدَّيْنُ أَوْ لَا، لَكِنْ لَوْ عُيِّنَ الْمُرْتِهَنُ، أَوِ الْقَدْرُ الَّذِي يَرْهَنُهُ عَلَيْهِ فَخَالَفَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ إِقْبَاضِهِ كَقَبْلِ الْعَقْدِ، وَقَدَّمَ فِي " التَّلْخِيصِ " لَا كَبَعْدَهُ خِلَافًا " لِلِانْتِصَارِ " فِيهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِفِكَاكِهِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا فِي مَحَلِّ الْحَقِّ وَقَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ لَا تَلْزَمُ فَمَتَى حَلَّ الْحَقُّ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ وَاسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْمُعَيِّرُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ لَا بِمَا بِيعَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَاخْتَارَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " بِأَكْثَرِهِمَا، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ بِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ مَضْمُونَةٌ، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيُتَوَجَّهُ فِي مُسْتَأْجِرٍ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَإِنْ فَكَّ الْمُعِيرُ الرَّهْنَ بِإِذْنَ الرَّاهِنِ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا، وَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ فَرِوَايَتَانِ. 1
(وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ) اللَّازِمِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ (لَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ
عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إِلَّا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَصَرَّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَالتَّغْلِيبِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَفَسْخِ الرَّهْنِ، فَأَمَّا انْتِفَاعُهُ بِهِ كَاسْتِخْدَامٍ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ مِنْ سَقْيِ شَجَرٍ وَتَلْقِيحٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ عَلَى إِنَاثٍ مَرْهُونَةٍ وَمُدَاوَاةٍ وَفَصْدٍ بَلْ مِنْ قَطْعِ سِلْعَةٍ فِيهَا خَطَرٌ وَحِينَئِذٍ إِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْمَنَافِعِ لَمْ يَجُزِ الِانْتِفَاعُ وَكَانَتْ مُعَطَّلَةً وإن اتفقا عَلَى الْإِجَارَةِ، أَوِ الْإِعَارَةِ جَازَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَالْأُجْرَةُ رَهْنٌ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي " الْخِلَافِ " أَنَّهَا تُعَطَّلُ مُطْلَقًا وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لِلرَّاهِنِ الِانْتِفَاعُ بِمَا لَا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ ولا يضره كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى، فَإِنْ أَرَادَ غَرْسَ الْأَرْضِ - وَالدَّيْنُ حَالٌّ - مُنِعَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَاحْتِمَالَانِ (إِلَّا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ) يَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ وَ (يَنْفُذُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ مِنْ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ فَنُفِّذَ كَعِتْقِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَنَفَذَ فِيهَا عِتْقُ الْمَالِكِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ بَائِعِهِ، وَالْعِتْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ، وَالتَّغْلِيبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَفِي مِلْكِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا (تُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ فَجُعِلَتْ (رَهْنًا مَكَانَهُ) ؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنِ الْعَيْنِ، أَوْ بَدَلٌ عَنْهَا، وَكَذَا حُكْمُ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصَاصٍ اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَحْبَلَ الْأَمَةَ بِلَا إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ وَكَذَّبَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ أُخِذَتْ مِنْهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ تَعْجِيلَ الْحَقِّ فَيَقْضِيَهُ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ طُولِبَ بِالدَّيْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ
رَهْنًا مَكَانَهُ، وَيُحْتَمَلُ وعنه: لَّا يَنْفُذَ عِتْقُ الْمُعْسِرِ. وليس عليه تزويج الأمة المرهونة فإن فعل لم يصح. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَأَوْلَدَهَا خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَبْرَأُ بِهِ مِنَ الْحَقَّيْنِ مَعًا (وَعَنْهُ: لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْسِرِ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الْهِدَايَةِ " احْتِمَالًا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ نُفُوذَ عِتْقِهِ يُسْقِطُ الْوَثِيقَةَ وَبَدَلَهَا، فَلَمْ يَنْفُذْ لِمَا فِيهِ مِنِ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٍ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِيجَابَ الْكَسْبِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا صُنْعَ، وَلَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَكَانَ إِلْزَامُ الْغُرْمِ لِلْمُتْلِفِ أَوْلَى وَقِيلَ: وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ غَيْرِهِ، وَذَكَرَهَ فِي " الْمُبْهِجِ " رِوَايَةً وَإِذَا لَمْ نَقْلُ بِالنُّفُوذِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ زَوَالِ الرَّهْنِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَذِنَ، صَحَّ الْعِتْقُ وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْوَثِيقَةِ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَعَلِمَ الرَّاهِنُ بِهِ بَطَلَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا يَصِحُّ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ أُذِنَ فِيهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا قُدِّمَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَوَارِثِهِ فِي نَفْيِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إِلَّا أَنَّ الْوَارِثَ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَمَنْ نكل قُضِيَ عَلَيْهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْوَقْفَ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. 1
(وَقَالَ الْقَاضِي) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً (لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ) الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ عَقْدِ النِّكَاحِ غَيْرَ مَحَلِّ عَقْدِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ رَهْنِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَلَمْ يَمْنَعِ التَّزْوِيجَ كَالْإِجَارَةِ (وَيَمْنَعُ) الْمُرْتَهِنُ (الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا)، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بُقُولِهِ: دُونَ تَسْلِيمِهَا لِئَلَّا تَحْبَلَ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهَا وَتَقِلَّ الرَّغْبَةُ فِيهَا وَرُبَّمَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْحَمْلِ (وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ فَكَانَ رَهْنًا (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ يُذْهِبُ رَغَبَاتِ الْمُشْتَرِينَ فِيهَا فَيُوجِبُ نُقْصَانَ قِيمَتِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهُ الرَّاهِنُ كَفَسْخِ الْعَقْدِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَغَايُرَ الْمَحَلَّيْنِ بَلْ مَحَلُّهُمَا وَاحِدٌ وَتَتَنَاوَلُ الْجُمْلَةَ، وَإِنَّمَا صَحَّ رَهْنُ الْمُزَوَّجَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا وَبَقَائِهَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، كَمَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالرَّهْنُ يُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّزْوِيجَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الْإِجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ لَهُ،
وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا فَجُعِلَتْ رَهْنًا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفَعَلَ، صَحَّ وَبَطَلَ الرَّهْنُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِ الرَّهْنِ، هُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ، أَوْ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَيَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ كَامِلًا (وَإِنْ وَطئ) الرَّاهِنُ (الْجَارِيَةَ) الْمَرْهُونَةَ، فَقَدْ رَكِبَ مُحَرَّمًا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي تَحْبَلُ فِيهِ يَخْتَلِفُ فَمُنِعَ مِنْهُ جُمْلَةً، لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَالِاسْتِخْدَامِ، فَإِنْ تَلِفَ جُزْءٌ مِنْهَا، أَوْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ كَالْجِنَايَةِ تُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا، وَإِلَّا قَضَاهُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَجَزَمَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَقَالَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَالشِّيرَازِيُّ فِي " الْمُنْتَخَبِ ": إِنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى رَاهِنٍ إِلَّا بِشَرْطٍ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ فَقَطْ كَجِنَايَةٍ (فَأَوْلَدَهَا خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ لَهُ، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِ كَالْمُؤَلِّفِ، وَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلِ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْإِحْبَالِ (وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا) حِينَ إِحْبَالِهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ بَدَلُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا (فَجُعِلَتْ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ، وَالْبَدَلُ يُعْطَى حُكْمُ مُبْدِلِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا إِذَا صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ. قَالَهُ فِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبٍ يُنَافِي حَقَّهُ لَا يُقَالُ إِنَّمَا أَذِنَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الْإِحْبَالِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَالْإِذْنُ فِي سَبَبِهِ إِذْنٌ فِيهِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَقَرَّ بِالْوَطْءِ حَالَ الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَ لُزُومِهِ فَحُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَيَصِحُّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ لُزُومِهِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ وَيُحْتَمَلُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ.
(وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَوَقْفِهِ (فَفَعَلَ،
رَهْنًا، أَوْ يُعَجِّلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَنَمَاءُ الرَّهْنِ وَكَسْبِهِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنَ الرَّهْنِ وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخْزُونًا، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ زَالَ (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُنَافِي الرَّهْنَ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَا يُنَافِيهِ (إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ (أَوْ يُعَجِّلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ طَاعَةً وَيَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ جَازَ، فَكَذَا قَبْلَهُ، وَحَاصِلُهُ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَخَذَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِلَّا بَقِيَ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ وَلَغَا الشَّرْطَ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَإِنْ بَاعَهُ بِإِذْنٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَفِي كَوْنِ الثَّمَنِ رَهْنًا وَجْهَانِ وَيَلْغُو شَرْطَ التَّعْجِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا.
فَرْعٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، فلو اتفقا عليه وَاخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ قَبْلَ قَوْلِ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ وَكَسْبُهُ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنَ الرَّهْنِ) أَيْ: يَكُونُ فِي يَدِهِ كَالْأَصْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا احْتِيجَ إِلَى بَيْعِهِ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ جُزْءٍ فَكَانَتْ مِنَ الرَّهْنِ كَقِيمَتِهِ إِذَا أَتْلَفَهُ إِنْسَانٌ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّمَاءِ بَيْنَ الْمُتَّصِلِ كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْمُنْفَصِلِ كَالْكَسْبِ، وَالْأُجْرَةِ، وَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ، وَالصُّوفِ (وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غَنَمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ كَالطَّعَامِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إِذَا احْتَاجَ إِلَى مُدَاوَاةٍ لِمَرَضٍ، أَوْ جُرْحٍ وَأُجْرَةِ مَنْ يَرُدُّهُ إِذَا أَبَقَ وَمُؤْنَةِ جِنَايَةٍ وَأُجْرَةِ تَسْوِيَةٍ وَجِدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى إِطْرَاقٍ فَحْلٍ لَمْ يُجْبَرِ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ
يَدِ الْمُرْتَهِنِ إِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَا يَتَضَمَّنُ زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِبَقَائِهَا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (وَكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ) كبقية مؤنة تَجْهِيزُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمُؤْنَتِهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ غُرْمِهِ (وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخْزُونًا) كَأُجْرَةِ حَافِظِهِ (وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ خَوْفًا مِنَ الضَّمَانِ وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَعْطِيلِ الْمُدَايَنَاتِ، وَالْقُرُوضِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، فَلَا يُضْمَنُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، كَبَعْدِ الْوَفَاءِ (إِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . قَالَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَلَفِهِ شَيْءٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ، أَوِ اسْتَعْمَلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمُتَعَدِّي وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فَأَجْرَاهَا عَلَى ظَاهِرِهَا لِمَا رَوَى عَطَاءٌ «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ:" ذَهَبَ حَقُّكَ» ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَيَضْمَنُهَا مَنْ قَبَضَهَا لِذَلِكَ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ فَكَانَ جَمِيعُهُ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَحَدِيثُ عَطَاءٍ بِخِلَافِهِ مَعَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ قَالَ: يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَكَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ حَقُّكَ مِنَ الْوَثِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوْ قِيمَتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَالْوَدِيعَةِ، وَفِي بَقَاءِ الرَّهِينَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا فَبَقِيَ أَحَدُهُمَا وَجْهَانِ (وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ بِحَالِهِ وَكَمَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ عَبْدًا يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ عَلَى ثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي رِوَايَةٍ بِتَلَفِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ، وَالرَّهْنُ لَيْسَ بَعِوَضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِتَفَاسُخِهِمَا ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "
وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ رَهَنَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كُلَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَبَضَ الرَّهْنَ فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ مَعَ عَمَلِهِ حَتَّى تَلِفَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ حَتَّى تَلِفَ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَثَالِثُهَا لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ (وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَثِيقَةِ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، أَوْ لَا وَكَالضَّمَانِ، وَالشَّهَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي التَّلَفِ، وَقِيلَ: وَالرَّدُّ.
قَالَ أَحْمَدُ: فِي مُرْتِهِنٍ ادَّعَى ضَيَاعَهُ: إِنِ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحَلِّفْهُ، وَكَذَا إِنِ ادَّعَاهُ بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَادِثِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيهِ، وَكَذَا وَكَيْلٌ وَسَيَأْتِي. 1
(وَإِنْ رَهْنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا: انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ مُنْفَرِدًا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْآخَرِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ وَحَمَلَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ مُقَاسَمَةُ الْمُرْتَهِنِ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ فَصَارَ جَمِيعُهُ رَهْنًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَبَ الْمُقَاسَمَةَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَنْقُصُهُ الْقِسْمَةُ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ أُجِيبُ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ بَعْضُهُ رَهْنٌ وَبَعْضُهُ وَدِيعَةٌ (وَإِنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا
رَجُلَانِ شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا، انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَو للْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَوَفَّى الدَّيْنَ وَإِلَّا رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَقَضَى دَيْنَهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُتَعَدِّدٌ فَتَعَلَّقَ مَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَنَقَلَ مُهَنَّا خِلَافَهُ، فَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، وَيَصِيرُ كُلُّ رُبْعٍ مِنْهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَمَتَى قَضَى فِي شَيْءٍ انْفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
فَرْعٌ: إِذَا قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ، أَوْ كَفِيلٌ فَعَمَّا نَوَاهُ، فَإِنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ فَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ) لَزِمَ الرَّاهِنَ الْإِيفَاءُ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَزِمَ إِبْقَاؤُهُ كَالَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ (وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ، أَوْ لِلْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَفِي بَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ وَجْهَانِ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ إِذْنٍ مِنَ الرَّاهِنِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: بَلَى حَكَاهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ منْ غَيْرِهِ (وَوَفَّى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَعَلَى الرَّاهِنِ (وَإِلَّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَأْذِنْ فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يُوفِّ (رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْحَاكِمِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ، أَوْ عَزَّرَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: أَصَرَّ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ تَغَيَّبَ. قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "(بَاعَهُ الْحَاكِمُ) عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ أَدَاؤُهُ (وَقَضَى دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْإِيفَاءِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ، أَوْ إِذْنِ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِهِ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: ائْذَنْ فِيهِ وَخُذْ دَيْنَكَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ أَبْرِئْهُ مِنْهُ.
فَرْعٌ: إِذَا جَهِلَ رَبُّ الرَّهْنِ وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطٍ،