الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ
كَالسَّلَمِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ.
الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِحَفْرِ الْآبَارِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْقُنِيِّ كَالْخِدْمَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فَعَلَيْهِ شَيْلُ التُّرَابِ، فَإِنْ تَهَرَّرَ مِنْ جَانِبَيْهِ، أَوْ سَقَطَتْ بَهِيمَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْلُهُ وَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَى صَخْرَةٍ أَوْ جَمَادٍ يَمْنَعُ الْحَفْرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ فَسَخَ فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِسْطِ مَا عَمِلَ، فَيُقَسَّطُ الْأَجْرُ عَلَى مَا عَمِلَ وَعَلَى مَا بَقِيَ وَلَا يُقَسَّطُ عَلَى أَذْرُعٍ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ أَعْلَاهُ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنْهُ بِخِلَافِ أَسْفَلِهِ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْهُ كَالصَّخْرَةِ إِذَا ظَهَرَتْ.
الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبِيعُ لَهُ أَثْوَابًا مُعَيَّنَةً، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى شِرَاءِ ثِيَابٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَفِي الصِّحَّةِ احْتِمَالَانِ.
[الضَّرْبُ الثَّانِي عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ]
فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) نَقُولُ: يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ مُوسَى عليه السلام آجَرَ نَفْسَهُ لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ أَشْبَهَ الْأَرْضَ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعَمَلٍ بِعَيْنِهِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونُ كَالسَّلَمِ أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِهِ (وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا) لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ، وَلَا ذِمَّةَ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ (جَائِزَ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ) لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ أَعْمَالًا لِجَمَاعَةٍ، فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ، وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ عَقِبَ الْعَقْدِ وَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِلَا عُذْرٍ - فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَهُ وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، فَإِنْ مَرِضَ أَوْ
كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَالْحَجِّ وَالْأَذَانِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
هَرَبَ اكْتَرَى مَنْ يَعْمَلُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا عَمَلَ وَلَا اسْتِنَابَةَ إِذًا، وَفِي " الْمُغْنِي ": إِنِ اخْتَلَفَ الْقَصْدُ فِيهِ كَنَسْخ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا الْمُكْتَرِيَ قَبُولُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِ مَحَلِّ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ.
(وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَصِحَّ) فِي الْأَشْهَرِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يَزِيدُ الْإِجَارَةَ غَرَرًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَفْرَغُ مِنَ الْعَمَلِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَدْ زَادَ عَلَى مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ تَارِكًا لِلْعَمَلِ فِي بَعْضِهِ فَهَذَا غَرَرٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ مَعَهُ (وَيُحْتَمَلْ أَنْ يَصِحَّ) هَذَا رِوَايَةٌ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْمُدَّةُ إِنَّمَا ذُكِرَتْ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا يَفْسَدُ الْعَقْدُ، وَكَجُعَالَةٍ، وَفِيهَا وَجْهٌ قَالَ فِي " التَّبْصِرَةِ ": وَإِنِ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَ الْعَمَلِ فِي أَقْصَى مُمْكِنٍ فَلَهُ شَرْطُهُ وَعَلَيْهَا إِذَا تَمَّ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجْلِهِ، وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ الْفَسْخُ، فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ كَالْمُسَلَّمِ إِذَا صَبَرَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الْعَمَلِ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ وَسَقَطَ الْمُسَمَّى.
(وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) أَيْ مُسْلِمًا (كَالْحَجِّ) أَيِ النِّيَابَةِ فِيهِ (وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا) كَإِمَامَةِ صَلَاةٍ، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ فِي الْمَشْهُورِ لِمَا «رَوَى عُبَادَةُ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنْ سَرَّكَ أَنْ يُقَلِّدَكَ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» ، «وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ
وَنَحْوِهِمَا، وَعَنْهُ: تَصِحُّ، وَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ صَحَّ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ، إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا أَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» ، رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ كَوْنَهَا قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَهُ (وَعَنْهُ: تَصِحُّ) لِأَنَّهُ «عليه السلام زَوَّجَ رَجُلًا بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا جَازَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ وَقَامَ مَقَامَ الْمَهْرِ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الرُّقْيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَجَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَكَمَنْ أَعْطَى بِلَا شَرْطٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَجِعَالَةٍ، وَفِيهَا وَجْهَانِ، وَفِي " الْمُنْتَخَبِ " الْجُعْلُ فِي حَجٍّ كَأُجْرَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَجَعْلَهُ صَدَاقًا فِيهِ عَنْهُ اخْتِلَافٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِكْرَامًا لَهُ كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَلَوْ سَلِمَ جَوَازُهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْأَجْرِ أَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ بِعِوَضٍ مَحْضٍ ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَيَصِحُّ مَعَ فَسَادِهِ بِخِلَافِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا الرُّقْيَةُ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ ; لِأَنَّهَا مُدَاوَاةٌ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهَا جُعْلٌ، وَفِي حَدِيثٍ وَفْقَهُ وَجْهَانِ أَشْهَرُهَا الْمَنْعُ، وَكَذَا الْقَضَاءُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.
وَجَوَّزَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِحَاجَةٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ كَتَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " لَا مُشَاهَرَةً، وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ لَا عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَصَوْمٍ، وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ، وَنَحْوِهِ.
(وَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،