الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
فَصْلٌ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ وَهَلْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ أَقَرَّ) أَيِ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (بِحَدٍّ) أَيْ: بِمَا يُوجِبُهُ كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ (أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أُخِذَ بِهِ) .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْحَجْرُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَنُقِلَ عَلَى نَفْسِهِ، إِذِ الْحَجْرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَلَا يُمْنَعُ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ مَعَ مَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا فَعَفَى الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى مَالٍ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ) كَالدَّيْنِ، أَوْ مَا يُوجِبُهُ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَغَصْبِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ) ، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَظّة، أَشْبَهَ الصَّبِيَّ، وَلَوْ قَتَلْنَاهُ فِي الْحَالِ لَزَالَ مَعْنَى الْحَجْرِ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ زَوَالِهِ كَالرَّاهِنِ، وَالْمُفْلِسِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا) ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نُفُوذِ إِقْرَارِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَنُفُوذُهُ بَعْدَ فَكِّهِ عَنْهُ لَا يُفِيدُ إِلَّا تَأْخِيرَ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إِلَى أَكْمَلِ حَالَتَيْهِ، لَكِنْ إِنْ عَلِمَ صِحَّةَ مَا أَقَرَّ بِهِ كَدَيْنِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْوَجِيزِ "(وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) عَلَى مَا سَلَفَ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى السَّفِيهِ لِحَظِّهِ، أَشْبَهَ وَلِيَّ الصَّبِيِّ.
[لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إِذَا احْتَاجَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ]
فَصْلٌ (وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ
يَلْزَمُهُ عِوَضٌ إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ وَمَتَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ، وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ مَرْفُوعًا: مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِعَمَلِهِ فَتَقَيَّدَ بِقَدْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجَمَاعَةُ أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْل، أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَالْحَاجَةِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا مَا وَجَدَ فِيهِ، وَفِي الْإِيضَاحِ إِذَا قَدَّرَهُ حَاكِمٌ، وَقَيَّدَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْوَجِيزِ ": إِنْ شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ كسب مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ.
قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَأْكُلُ فَقِيرٌ، وَمَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعَاشِهِ بِمَعْرُوفٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مَعَ غِنَاهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6]، وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَالْعَمَلِ فِي الزَّكَاةِ وَحَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مُطْلَقًا (وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ عِوَضًا لَهُ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ كَالْأَجِيرِ، وَالْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ أَمَرَ بِالْأَكْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا، وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ بِالْحَاجَةِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْعِوَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْأَبِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَإِذَا قُلْنَا بِرَدِّ الْبَدَلِ فَيَتَوَجَّهُ بِرَدِّهِ إِلَى الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ) إِذَا لَمْ يَشْرِطْ لَهُ شَيْئًا، وَهَذَا التَّخْرِيجُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْوَصِيَّ مَعْنًى وَحُكْمًا.
وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي النَّاظِرِ أَنَّهُ يَأْكُلُ بِمَعْرُوفٍ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَعَنْهُ: أَيْضًا إِذَا اشْتَرَطَ، قِيلَ لَهُ: فَيَقْضِي دَيْنَهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ.
زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُقَدِّمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ.
وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَصِيِّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُوَافَقَتُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَالْوَكِيلُ يُمْكِنُهُ (وَمَتَى زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا) كَدَعْوَى النَّفَقَةِ، وَقَدْرِهَا وَوُجُودِ الْغِبْطَةِ، وَالضَّرُورَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ، وَالتَّلَفِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّفْرِيطِ، فَكَذَا هُنَا كَالْمُودَعِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُخَالِفْ عَادَةً وَعُرْفًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ، وَلَوْ كَانَ حَاكِمًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ فَلَوْ قَالَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مُنْذُ سَنَتَيْنِ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ قُدِّمَ قَوْلُ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ يُوَافِقُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَظَّ، وَالْغِبْطَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، أَشْبَهَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فَمَتَى تَرَكَ الْإِشْهَادَ، فَقَدْ فَرَّطَ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ فَعَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ (وَهَلْ لِلزَّوْجِ) الرَّشِيدِ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " (أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيِ: الرَّشِيدَةِ (فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الرِّعَايَةِ " أَرْجَحُهُمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُنَّ وَإِطْلَاقِهِنَّ فِي التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» . وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ وَيَقْبَلُ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلِأَنَّ مَنْ وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إِلَيْهِ