الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا.
فَصْلٌ الْحُكْمُ
الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ
فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَمْلِكِ الْمُطَالَبَةَ حَتَّى يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ.
فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ، وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ، فَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَسَاوَوْا فِي ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْمُشَارَكَةِ كَغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلِينَ يَضْرِبُونَ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ، وَالْآخَرِينَ يَضْرِبُونَ بِجَمِيعِهَا (فَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ) لَمْ يُجْبَرْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ (لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا) ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مِلْكًا لِغَرِيمِهِمْ لِتَتَعَلَّقَ حُقُوقُهُمْ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْمَرْأَةِ تَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ زَوْجِهَا لِتَتَعَلَّقَ نَفَقَتُهَا بِهِ، وَكَالْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ إِذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ ثَبَتَ الْمَالُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ.
[الرَّابِعُ انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ]
فَصْلٌ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ) لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ:" فَنَظِرَةٌ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ: أَنِظْرُوهُ إِلَى يَسَارِهِ مَعَ قَوْلِهِ: " لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ "(فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ (حَتَّى يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَا لَهُ بِمُعَامَلَةِ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الْبَائِعُ وَالْمُقْرِضُ أَعْيَانَ مَالِهِمَا فَهَلْ لَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَهُمَا ذَلِكَ لِلْخَبَرِ، وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ بِهِ.
[النَّوْعُ الثَّانِي الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ]
فَصْلٌ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ) ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ تَعُودُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ (وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ) ، إِذِ الْحَجْرُ عَلَى هَؤُلَاءِ حَجْرٌ عَامٌّ، لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ
يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ عَلِمَ بِالْحَجْرِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِمْ وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِمَا مَالُهُمَا، وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ) ، لِأَنَّ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِمْ يُفْضِي إِلَى ضَيَاعِ مَالِهِمْ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ (وَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ) ، أَوْ إِلَى أَحَدِهِمْ (مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا) ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ (وَإِنْ تَلِفَ) ، أَوْ أَتْلَفَهُ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ) ، لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ مَجْنُونٌ (عَلِمَ بِالْحَجْرِ) ، لِأَنَّهُ فَرَّطَ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) لِتَفْرِيطِهِ لِكَوْنِهِ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ سَفِيهٌ جَهِلَ حَجْرَهُ هَذَا إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِاخْتِيَارِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ كَالْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَةِ فَوَجْهَانِ فِيهِ. وَمَنْ أَعْطَوْهُ مَالًا ضَمِنَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ وَلِيُّهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ لِيَحْفَظَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا إِنْ أَخَذَ مَغْصُوبًا لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ (وَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِمْ) ، لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنَ الْمَالِكِ، وَالْإِتْلَافُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَهْلُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَغْصُوبِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ (وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَرَشَدَا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا) فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَبِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِجُنُونِهِ، فَإِذَا زَالَ وَجَبَ زَوَالُ الْحَجْرِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6](بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَجْنُونِ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ كَالسَّفِيهِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فَاحْتِيجَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَزُولُ بِغَيْرِ حُكْمِهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَسَوَاءٌ رَشَّدَهُ الْوَلِيُّ أَوْ لَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَلَوْ نُوزِعَ فِي الرُّشْدِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ قُبِلَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا لَهُ الْيَمِينُ عَلَى وَلِيِّهِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ، وَلَوْ تَبَرَّعَ وَهُوَ تَحْتَ الْحَجْرِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُشْدِهِ، نَفَذَ (وَدُفِعَ إِلَيْهِمَا مَالُهُمَا) ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الدَّفْعِ هُوَ الْحَجْرُ، وَقَدْ زَالَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ إِنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ،
وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ، أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَحِفْظًا لِمَالِهِ، فَإِذَا صَارَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ زَالَ الْحَجْرُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ (وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ) ، وَلَوْ صَارَ شَيْخًا، وَرَوَى الْجَوْزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ.
قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَلِي أَمْرَ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ ذِي أَهْلٍ وَمَالٍ لِضَعْف عقله، وَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِجُنُونِهِ، فَوَجَبَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيَّ عَلَّقَ اللَّهُ تَعَالَى الدَّفْعَ إِلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ، وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهِمَا مُنْتَفٍ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَكْثَرَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ – ومصر يرون الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مَالٌ، وَهُوَ يُقَتِّرُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُضَيِّقُ عَلَى عِيَالِهِ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ تَنَاوُلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا أَدْنَى النَّاسِ فَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنَصِّبُ لَهُ وَلِيًّا يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَعَلَى عِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
(وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ)، وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنَ الْقُبُلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ، وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَلِمِ الْعَاقِلِ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) أَيِ: اسْتِكْمَالِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: «فَاسْتَصْغَرَنِي وَرَدَّنِي مَعَ الْغِلْمَانِ» ، فَإِنْ قُلْتَ: بَيْنَ أُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ سَنَتَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ عَرْضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. لَا يُقَالُ: إِجَازَتُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، " وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ " رَافِعَةٌ لِلسُّؤَالِ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ
حَوْلَ الْقُبُلِ وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ، وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ وَلَا يُدْفَعُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَا يَفْرِضُوا إِلَّا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ) ، لِأَنَّهُ عليه السلام «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُكْشَفَ عَنْ مُؤْتَزِرِيهِمْ، فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِنْبَاتَ يُلَازِمُهُ الْبُلُوغُ غَالِبًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى كَالِاحْتِلَامِ، وَالْخُنْثَى يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِنْبَاتُ حَوْلَ الْفَرْجَيْنِ وَتَقْيِيدُهُ الشَّعْرَ بِالْخَشِنِ لِيَخْرُجَ الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَإِنَّهُ يَنْبُتُ لِلصَّغِيرِ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ) عَلَى الذَّكَرِ (بِالْحَيْضِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِغَيْرِهِ، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ قَوْلٌ أَوَّلٌ (وَالْحَمْلِ) ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ إِنْزَالِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَاءَيْهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَمَلَتْ فِيهِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِبُلُوغِهَا إِذَا وَلَدَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَفِي " التَّلْخِيصِ "، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُوطَأُ كَأَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ حِينِ طَلَاقِهَا فَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا حَاضَ خُنْثَى مُشْكِلٌ مِنْ فَرْجِهِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِهِ، وَقِيلَ: أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَوْ وُجِدَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ بَلَغَ، فَإِنْ أَمْنَى وَحَاضَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ،
إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَلَا يُغْبَنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُتَّابِ فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ، وَالْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ وَاسْتَجَادَتِهُ وَدَفْعِهَا الْأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَلَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى، وَفِي الْبُلُوغِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِأَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ بِإِنْزَالِهِ مِنْ فَرْجِهِ، وَلَا بِأَنَّهُ أُنْثَى بِحَيْضِهِ، وَلَا بِبُلُوغِهِ بِهِمَا مَعًا، وَلَا بِأَحَدِهِمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِنْزَالَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا.
(وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي أَمْوَالِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا كَانَ عَاقِلًا، وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الرُّشْدِ فِي الدَّوَامِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ، أَشْبَهَ الْعَدْلَ، فَعَلَى هَذَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ كَمَنْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَيَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وقيل: الدين، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَقَالَ: هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ رَشِيدٍ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، فَتَعُمُّ (وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيِ: اخْتَبِرُوهُمْ فَعَلَّقَ الدَّفْعَ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، فَوَجَبَ اخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَلَا يُغْبَنَ) غَالِبًا غُبْنًا فَاحِشًا (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُتَّابِ)، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الدَّهَاقِينِ وَالْكُبَرَاءِ الَّذِينَ يُصَانُ أَمْثَالُهُمْ عَنِ الْأَسْوَاقِ (فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ)، وَزَادَ أَبَانُ: يُدْفَعُ إِلَيْهِ نَفَقَةُ مُدَّةٍ لِيُنْفِقَهَا فِي مَصَالِحِهِ، فَإِنْ صَرَفَهَا فِي مَوَاقِعِهَا وَمَصَارِفِهَا فَهُوَ رَشِيدٌ (وَالْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ وَاسْتَجَادَتِهِ) ، وَكَذَا الْكَتَّانُ، وَالْإِبْرَيْسَمُ (وَدَفْعِهَا الْأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِنَّ) ، فَإِذَا وُجِدَتْ ضَابِطَةً لِمَا فِي يَدِهَا
عَلَيْهِنَّ، وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَحْوِهِ وَعَنْهُ: لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُسْتَوْفِيَةً مِنْ وَكِيلِهَا دَلَّ عَلَى رُشْدِهَا (وَ) يُشْتَرَطُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا (أَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ وَنَحْوِهِ) كَالْخَمْرِ، وَآلَاتِ اللَّهْوِ، لِأَنَّ مَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ عُدَّ سَفِيهًا مُبَذِّرًا عُرْفًا، فَكَذَا شَرْعًا، وَلِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يُحْكَمُ بِسَفَهِهِ بِصَرْفِ مَالِهِ فِي الْمُبَاحِ فَلَأَنْ يُحْكَمَ بِسَفَهِهِ فِي صَرْفِ مَالِهِ فِي الْمُحَرَّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةً ذَكَرُوا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ التَّبْذِيرَ وَالْإِسْرَافَ مَا أَخْرَجَهُ فِي الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا لُقْمَةٌ فَوَضَعَهَا الرَّجُلُ فِي فِي أَخِيهِ لَمْ يَكُنْ إِسْرَافًا.
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا أَصْرَفَهُ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي التَّبْذِيرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقٍّ. الثَّانِي: الْإِسْرَافُ الْمُتْلِفُ لِلْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَصْرَفَهُ فِيمَا يعد فَائِدَةٌ، أَوْ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا يَكُونُ قَادِحًا فِيهِ.
وَفِي " النِّهَايَةِ: " يَقْدَحُ إِذَا تَصَدَّقَ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ، أَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَثِقْ بِإِمَانَةٍ (وَعَنْهُ) : نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ (لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ، أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً) ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ لِمَا رَوَى شُرَيْحٌ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحُولَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا، أَوْ تَلِدَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ مُخَالِفًا، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ وَرَشَدَتْ دُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا وَكَالرَّجُلِ وَكَالَّتِي دُخِلَ بِهَا، وَحَدِيثُ عُمَرَ لَمْ يُعْلَمِ انْتِشَارُهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَا يُتْرَكُ بِهِ عُمُومُ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ خَاصٌّ فِي مَنْعِ الْعَطِيَّةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَسْلِيمِ مَالِهَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ دُفِعَ إِلَيْهَا إِذَا عَنَسَتْ أَيْ: كَبِرَتْ وَبَرَزَتْ لِلرِّجَالِ، وَقِيلَ: يَدُومُ عَلَيْهَا (وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ قَبْلَ