الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ.
وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ لَا يُمْكِنُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عليه السلام: «لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ.» فَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ. قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ".
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ (أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا) ، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَتَصَرُّفٌ فِيهِ بما يضره، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرِزَ فِيهِ وَتَدًا، أَوْ يُحْدِثَ حَائِطًا، وَكَذَا يُمْنَعُ مِنْ بِنَاءِ سُتْرَةٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّهُ: يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ مَعَ شَرِيكِهِ عَلَى السُّتْرَةِ عَلَى سُتْرَةٍ قَدِيمَةٍ انْهَدَمَتْ، وَاخْتَارَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وُجُوبَهَا مُطْلَقًا عَلَى نَصِّهِ وَيُبَاحُ اسْتِنَادُهُ إِلَيْهِ وَإِسْنَادُ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ يَشُقُّ، وَفِي " النِّهَايَةِ " فِي مَنْعِهِ احْتِمَالَانِ وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ وَنَظَرُهُ فِي ضَوْءِ سِرَاجِهِ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَسْتَأْذِنُهُ أَعْجَبُ إِلَيَّ، فَإِنْ مَنَعَهُ، حَاكَمَهُ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: لَا يَسْتَأْذِنُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَيْنُ، وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ اتِّفَاقًا (إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعِوَضٍ جَازَ.
[حُكْمُ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ]
(وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) فَيَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَمْنَعَنْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؛ وَاللَّهِ لِأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ وَلِأَحْمِلَنَّكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ
التَّسْقِيفُ إِلَّا بِهِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ: عَلَى أَنَّهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
جُذُوعَ الْجِيرَانِ عَلَى أَكْتَافِكُمْ مُبَالَغَةً، وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهِ، أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إِلَيْهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " إنَّهُ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْحَائِطِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ وَضْعُهُ عَلَى غَيْرِهِ.
فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ ابْنُ عَقِيلٍ إِلَى جَوَازِهِ لِلْخَبَرِ (بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إِلَّا بِهِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّرُورَةِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ، أَوْ حَائِطَانِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ لِجَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ وَلِجَارِهِ ثَلَاثَةٌ، وَرَدَّهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَإِنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: لَا يمنعه إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ وَكَانَ الْحَائِطُ يَبْقَى، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ عَلَى حَائِطَيْنِ إِذَا كَانَا غَيْرَ مُتَقَارِبَيْنِ، أَوْ كَانَ الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ جِسْرًا، ثُمَّ يَضَعَ الْخَشَبَ عَلَى ذَلِكَ الْجِسْرِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِبَالِغٍ، أَوْ يَتِيمٍ عَاقِلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، لَا يُقَالُ: قِيَاسُهُ يَجُوزُ فَتْحُ الطَّاقِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ وَضْعَ الْخَشَبِ يَنْفَعُ الْحَائِطَ وَيُمْكِنُهُ بِخِلَافِ فَتْحِ الطَّاقِ، فإنه يضره (وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، تُرِكَ فِي حَقِّ الْجَارِ لِلْخَبَرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ (وَهَذَا تَنْبِيهٌ) أَيْ: خَرَّجَ مِنْهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا (عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ) ، لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنَ الْمِلْكِ الْمُخْتَصِّ بِغَيْرِهِ أَوْلَى وَيَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّهُولَةِ، وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا مَلَكَ وَضْعَ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطٍ فَزَالَ بِسُقُوطِهِ، أَوْ قَلْعِهِ، أَوْ
لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ فَانْهَدَمَ فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْبَرُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ، فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سُقُوطِ الْحَائِطِ، ثُمَّ أُعِيدَ فَلَهُ إِعَادَةُ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ فَاسْتَمَرَّ الِاسْتِحْقَاقُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا مَلَكَ وَضْعَ خَشَبَةٍ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ إِجَارَتَهُ، وَلَا إِعَارَتَهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ هُنَا، فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْجِدَارِ إِجَارَتَهُ، أَوْ إِعَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ لَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي وَضْعِ خَشَبَةٍ، أَوِ الْبِنَاءِ عَلَى جِدَارِهِ بِعِوَضٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ إِجَارَةً فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْيِيدِ وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إِعَادَتُهُ وَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ مَعْلُومَ الْعَرْضِ، وَالطُّولِ، وَالسُّمْكِ، وَالْآلَاتِ مِنَ الطِّينِ، وَاللَّبِنِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا وَجَدَ خَشَبَهُ، أَوْ بِنَاءَهُ، أَوْ مَسِيلَ مَائِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ وَضْعُهُ بِحَقٍّ فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إِعَادَتُهُ، لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَا يَزُولُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا يُخَالِفُهُ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ) مُشْتَرَكٌ (فَانْهَدَمَ فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا ضَرَرَ، وَلَا إِضْرَارَ» . وَكَنَقْصِهِ عِنْدَ خَوْفِ سُقُوطِهِ وَكَالْقِسْمَةِ (وَعَنْهُ: لَا يُجْبَرُ) ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ: هُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ، وَفَارَقَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهَا لَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَالْبِنَاءُ فِيهِ ضَرَرٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَامَةِ، وَالضَّرَرُ لَا يَزُولُ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْحَائِطِ، أَوْ يَكُونُ
فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الضَّرَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ النَّفْعِ، أَوْ يَكُونُ مُعْسِرًا، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ عَدَمَ حُرْمَةِ الْمِلْكِ إِنْ لَمْ يُوجِبْ فَحُرْمَةُ شَرِيكِهِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ مُوجِبٌ، وَفَارَقَ الْبِنَاءَ الْمُفْرَدَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ، وَلَا يُتَضَرَّرُ بِهِ وَقَوْلُهُمُ: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ مَدْفُوعٌ بِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مِنْ حَقِّ الْجَارِ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْبُنْيَانَ عَلَى جَارِهِ لِيَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ» ، وَقَوْلُهُمْ: قَدْ يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ إِلَى آخِرِهِ يَنْتَقِضُ بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ، فَلَا قَائِلَ بِإِلْزَامِهِ مَعَهَا (لَكِنْ) عَلَيْهَا (لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ) ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ وَرَسْمًا فِي الْحَائِطِ، فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنْهُ (فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) عَلَى الشَّرِكَةِ، كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الثَّانِيَ إِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ وَذَلِكَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ فَمَلَكَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ تَأْلِيفِهِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " النِّهَايَةِ "، وَقِيلَ: يَمْلِكُ مَنْعَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْغَرَامَةِ، وَأَبْدَاهُ ابْنُ الْمُنَجَّا بَحْثًا مِنْ عِنْدِهِ، وَحَكَى الْأَوَّلَ عَنِ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى آخِرِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى ضَيَاعِ حَقِّ الشَّرِيكِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ، فَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى وَزْنِ أُجْرَةِ الْبِنَّاءِ، كَمَا يُجْبِرُهُ عَلَى وَزْنِ الْآلَاتِ (وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ) ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ (وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) قَبْلَ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَّهُ مَنْعُهُ مِنْ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ حَتَّى يَدْفَعَ نِصْفَ قِيمَةِ حَقِّهِ، وَعَنْهُ: مَا يَخُصُّهُ مِنْ غَرَامَةٍ، لِأَنَّهُ نَائِبُهُ مَعْنًى وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا، فَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِذَا بَنَاهُ بِآلَةٍ فَقَطْ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُ الْبَانِي نَقْضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ مُطْلَقًا وَلَهُ طَلَبُ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِذْنِ، وَفِيهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَى الْأُولَى الْخِلَافُ (فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ) أَيْ: الِانْتِفَاعَ (خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ) ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ (وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ.
فَرْعٌ: لَوْ بَنَيَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالنَّفَقَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ لِوَاحِدٍ وَبَاقِيَهُ لِلْآخَرِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحَمِّلُهُ مَا احْتَاجَ لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ وَصَفَا الْحِمْلَ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ