الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ:
مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَتَحْمِيرِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَاطِلًا تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي النَّهْيِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: إِنَّ نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ " التَّلْخِيصِ " مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِبْطَالِ الْبَيْعِ بِتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ أَحَدُ رُكْنَيِ الْعَقْدِ فَارْتِكَابُهُ النَّهْيَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَا ثَانِيًا فَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ التَّلَقِّي، فَإِنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُمْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِبْطَالِ.
[الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ]
فَصْلٌ (الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ كِتْمَانُ الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ هُنَا (مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا (كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) التَّصْرِيَةُ: مَصْدَرُ صَرِيَ يَصْرَى كَعَلِيَ يَعْلَى، وَصَرَى يَصْرِي كَرَمَى يَرْمِي، وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يُجْمَعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَعْظُمَ، فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ. وَإِذَنْ هِيَ الْمُصَرَّاةُ، وَالْمَحْفَلَةُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ صَرَيْتُ الْمَاءَ، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ أَنْ يَرْبُطَ أَخْلَافَ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَيَزِيدُهُ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ النَّاقَةُ أَوِ الْبَقَرَةُ أَوِ
وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ، وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا، فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ، وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، فَإِنْ كَانَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الشَّاةُ يُصْرَى اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا أَيْ: يُجْمَعُ وَيُحْبَسُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الرَّبْطِ لَقِيلَ فِيهَا: مَصْرُورَةٌ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ مُصْرَاةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ حَسَنٌ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ (وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ) يُقَالُ شَعْرٌ جَعْدٌ أَيْ: بَيِّنُ الْجُعُودَةِ، وَهُوَ ضِدُّ السِّبْطِ (وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ) أَوِ الْإِمْسَاكِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -قال:«لَا تَصْرُوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ كَالنَّجْشِ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَظَاهِرُهُ: إِنْ دَلَّسَهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ كَتَبْيِيضِ الشَّعْرِ وَتَسْبِيطِهِ وَتَسْوِيدِ كَفِّ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبِهِ وَعَلَفِ شَاةٍ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: كَالْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا أَرْشَ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِيهَا أَرْشًا بَلْ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ، وَفِي " التَّنْبِيهِ " وَ " الْمُبْهِجِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " وَمَالَ إِلَيْهِ صَاحِبُ " الرَّوْضَةِ ": لَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ كَالْعَيْبِ (وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) سَلِيمٍ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ قَمْحٍ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا إِنْ حَلَبَهَا، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَبْلَ الْحَلْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْمُبْدَلِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ) أَيِ: التَّمْرُ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَجَزَ عَنْهُ رَجَعَ إِلَى بَدَلِهِ، وَبَدَلُ الْمِثْلِ عِنْدَ إِعْوَازِهِ هُوَ الْقِيمَةُ (فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ: مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ أَتْلَفَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "(سَوَاءٌ كَانَتْ) الْمُصَرَّاةُ
اللَّبَنُ بِحَاله لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا التَّمْرُ، وَمَتَّى عَلِمَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً) لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ دَاوُدُ: لَا تَثْبُتُ فِي مُصَرَّاةِ الْبَقَرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ.
فَرْعٌ: لَوِ اشْتَرَى مُصَرَّاتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ فَرَدَّهُنَّ رَدَّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: لَا يَتَعَدَّدُ بَلْ فِي الْجَمِيعِ صَاعٌ.
(فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إِنَّمَا وَجَبَ عِوَضًا عَنِ اللَّبَنِ، فَإِذَا رَدَّ الْأَصْلَ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ كَسَائِرِ الْأُصُولِ مَعَ إِبْدَالِهَا، وَكَمَا لَوْ رَدَّهَا بِهِ قَبْلَ الْحَلْبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلَّا التَّمْرُ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ أَحْفَظُ لَهُ، أَمَّا إِذَا تَغَيَّرَ، فَلَا يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي يَدِهِ بِالْحُمُوضَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْبَدَلَ إِيجَابُهُ مَنُوطٌ بِعَدَمِ الْمُبْدَلِ، وَالْمُبْدَلُ مَوْجُودٌ، وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ فَتَدْلِيسٌ مِنَ الْبَائِعِ، وَصَرَّحَ فِي " الْكَافِي " بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعَ التَّغَيُّرِ.
فَرْعٌ: إِذَا رَضِيَ بِهَا فَأَمْسَكَهَا، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَدَّهَا بِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ (وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ) وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ
التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً مُتَزَوِّجَةً وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ في غير بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلِمَ بِسَبَبِ الرَّدِّ، فَكَانَ لَهُ حِينَئِذٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ) أَيْ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَتَغَيُّرِ الْعَلَفِ، فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثَةُ بَانَتِ التَّصْرِيَةُ وَثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَلَا إِمْسَاكُهَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَرْضَ كَبَقِيَّةِ التَّدْلِيسِ، وَقَدَّرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ وَالْجَدُّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ:«مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فَعَلَى هَذَا لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَى انْقِضَائِهَا عَكْسَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ بِتَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَكَلَامُهُ فِي " الْكَافِي " مُوهِمٌ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي.
(وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً) أَوْ زَالَ الْعَيْبُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ) لِأَنَّ الْخِيَارَ حصل لدفع الضَّرَر بِالْعَيْبِ، وَقَدْ زَالَ الْحُكْمُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ (فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: قَوْلِ الْإِمَامِ (وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَمْلِكِ) الْمُشْتَرِي (الرَّدَّ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ فِي " الْفُصُولِ ": لَا رَجْعِيًّا، وَإِنَّ فِي طَلَاقِ بَائِنٍ فِيهِ عِدَّةٌ، احْتِمَالَيْنِ (وَإِنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ في غير بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ) كَالْأَمَةِ وَالْأَتَانِ (فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَقْصِدُ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (وَفِي الْآخَرِ لَهُ الرَّدُّ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ يُرَادُ لِلِارْتِضَاعِ وَيَرْغَبُ فِيهَا ظِئْرًا، وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَرَطَ كَثْرَةَ لَبَنِهَا مَلَكَ الْفَسْخَ إِذَا بَانَتْ بِخِلَافِهِ، وَلَبَنُ الْأَتَانِ يُرَادُ لِوَلَدِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ) عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُعْتَاضُ عَنْهُ عَادَةً (وَلَا يَحِلُّ
عَيْبِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ عَيْبِهَا) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَنَهَى عَنِ التَّصْرِيَةِ، وَقَوْلُهُ:«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا إِلَّا بَيَّنَهُ» وَقَالَ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنَ اللَّهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي " الصَّحِيحِ «فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ يُكْرَهُ كِتْمَانُ الْعَيْبِ وَحَكَاهُ فِي " التَّبْصِرَةِ " نصا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: (فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، فَإِنَّهُ عليه السلام صَحَّحَهُ مَعَ نَهْيِهِ عَنْهُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ عَنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَكَذَا لَوْ أَعْلَمَهُ بِهِ، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ غِشِّهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عِقَابُهُ بِإِتْلَافِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَقَالَ: أَفْتَى بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (قِيلَ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي بَكْرٍ (فَمَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا) لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ إِلْزَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ، فَدَلَّ عَلَى رُجُوعِهِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".