الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ
، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ]
فَصْلٌ (الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ) حَتَّى الْأَسِيرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالتَّامِّ لِيَخْرُجَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي (أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ) وَقْتَ إِيجَابِهِ وَقَبُولِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام: لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَأْذُونِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى التَّوْكِيلِ لِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ غَائِبًا، أَوْ مَحْبُوسًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ حُضُورُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ لَأَدَّى إِلَى الْحَرَجِ، وَالْمَشَقَّةِ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ شَرْعًا. لَا يُقَالُ:«لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا حِينَ سَأَلَهُ أَنَّهُ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَيَمْضِي وَيَشْتَرِيهِ وَيُسَلِّمُهُ (فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ) أَوْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ، أَوْ نَحْوَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ (لَمْ يَصِحَّ) اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالشَّيْءُ يَفُوتُ بِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْملكِ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا: بِدِينَارٍ، ثُمَّ جَاءَهُ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ مَجِيزٌ فِي حَالِ وُقُوعِهِ فَوَقَفَ عَلَى إِجَازَتِهِ كَالْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ وَاشْتَرَطَتْ إِجَازَةُ الْمَالِكِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَجِيزٌ فِي الْحَالِ، وَعَنْهُ صِحَّةُ تَصَرُّفٍ غَاصِبٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ مُطْلَقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَلَّمَ وَتَسَلَّمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ بِاتِّفَاقٍ.
الْمَالِكِ. وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، صَحَّ، فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ مَلِكَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ، وَلَا يَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا بِيعَ مِلْكُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَهُوَ كَمَا بَاعَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى، لِأَنَّ سُكُوتَهُ إِقْرَارٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، كَالْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ سُكُوتَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنَ الْكَلَامِ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِهِ هُنَا.
(وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ لَا، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ إِذَا لَمْ يُسَمِّهِ (فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ مَلِكَهُ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِأَجْلِهِ وَنَزَلَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ فَمَلَّكَهُ مَنِ اشْتَرَى لَهُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَقَبْلِ الْإِجَازَةِ (وَإِلَّا لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ) أَيْ: إِذَا لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لِلْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ سَمَّاهُ فَأَجَازَهُ لَزِمَهُ، وَإِلَّا بَطَلَ وَيُحْتَمَلُ إِذْنٌ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي، وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " إِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُهُ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ لَهُ بَطَلَ، وَيُحْتَمَلُ: يَلْزَمُ إِنْ أَجَازَهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ إِجَازَتِهِ، صَحَّ فِي الْحُكْمِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيَتَوَجَّهُ كَالْإِجَازَةِ قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ".
تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِعَيْنِ مَالِهِ مَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وُقُوفَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَمِثْلُهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَإِنْ بَاعَ مَا يَظُنُّهُ لِغَيْرِهِ فَبَانَ وَارِثًا، أَوْ وَكِيلًا فَرِوَايَتَانِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَجْهَانِ. وَبَنَاهُمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ.
1 -
(وَلَا يَجُوزُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهُ وَيُسَلِّمَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِحَدِيثِ حَكِيمٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، بَلْ مَوْصُوفٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِشَرْطِ قَبْضِهِ أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَسَلَمٍ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمْ يَزَلْ أَئِمَّةُ
بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَنَحْوِهَا إِلَّا الْمَسَاكِنَ وَأَرْضًا مِنَ الْعِرَاقِ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَهِيَ الْحِيرَةُ وَأُلَّيْسُ وَبَانِقْيَا وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا؛
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ شِرَاءِ أَرْضِ الْجِزْيَةِ، وَيَكْرَهُهُ عُلَمَاؤُهُمْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: اشْتَرَى عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ لِيَتَّخِذَ فِيهَا قَصَبًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهَا قَالَ: مِنْ أَرْبَابِهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَرْبَابُهَا، قَالَ: ارْدُدْهَا عَلَى مَنِ اشْتَرَيْتَهَا مِنْهُ وَخُذْ مَالَكَ. فَقَالَهُ بِمَحْضَرِ سَادَةِ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَلَمْ يُنْكَرْ. فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ إِجْمَاعٍ أَقْوَى مِنْهُ لِتَعَذُّرِهِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ اشْتَرَى مِنْ دِهْقَانٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ جِزْيَتَهَا، قُلْنَا لَا نَسْلَمُ الْمُخَالَفَةَ، وَاشْتَرَى بِمَعْنَى اكْتَرَى قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، بِدَلِيلٍ " عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ جِزْيَتَهَا "، وَلَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لَهَا وَجِزْيَتُهَا عَلَى غَيْرِهِ (إِلَّا الْمَسَاكِنَ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ، وَقَدَّمَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءٍ لَيْسَ مِنْهَا وَغَرْسٍ مُحْدَثٍ فِيهَا.
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيَعْقُوبُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ نَبْعٌ، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ بَيْعَ الْغَرْسِ، وَفِي الْبِنَاءِ رِوَايَتَانِ (وَأَرْضًا مِنَ الْعِرَاقِ) سُمِّيَ عِرَاقًا لِامْتِدَادِ أَرْضِهِ وَخُلُوِّهَا مِنْ جِبَالٍ مُرْتَفِعَةٍ وَأَوْدِيَةٍ مُنْخَفِضَةٍ قَالَهُ السَّامِرِيُّ (فُتِحَتْ صُلْحًا وَهِيَ الْحِيرَةُ) مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا حِيرِيٌّ وَحَارَيٌّ على غير قياس، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، (وَأُلَّيْسَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَدِينَةٌ بِالْجَزِيرَةِ (وَبَانِقْيَا) بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَيْنَ الْبَاءِ وَالنُّونِ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ تَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ: نَاحِيَةٌ بِالنَّجَفِ دُونَ الْكُوفَةِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا نَزَلَاهَا وَكَانَتْ تُزَلْزِلُ، فَلَمْ تُزَلْزِلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَاشْتَرَاهَا بِغُنَيْمَاتٍ يُقَالُ لَهَا نَقِيَا، وَكَانَ شِرَاؤُهَا مِنْ أَهْلِ بَانِقْيَا (وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ تَلِيهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، فَهَذِهِ الْأَمَاكِنُ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً فَجَازَ بَيْعُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَأَرْضِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فَقَالَ: (لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَّفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ تُقَدَّرْ مُدَّتُهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا وَتَجُوزُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَنْهُ وَقَّفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِتَكُونَ مَادَّةً لَهُمْ لِقِتَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشُهْرَةُ ذَلِكَ تُغْنِي عَنْ نَقْلِهِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ قُسِّمَتْ لَكَانَتْ لِلَّذِينِ افْتَتَحُوهَا، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِمْ، أَوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ عَنْهُمْ، وَلَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا، لَكَانَ مَنِ افْتَتَحَهَا أَحَقَّ بِهَا (وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ) عَنِ الْأَرْضِ (وَلَمْ تُقَدَّرْ مُدَّتُهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: إِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ أُجْرَةٌ، فَيَجِبُ تَقْدِيرُ مُدَّتِهَا كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ عُمُومَ الْمَصْلَحَةِ مَوْجُودٌ هُنَا بِخِلَافِ مَا إِذَا أُجِّرَ مِلْكُهُ لِإِنْسَانٍ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّهَا لَا تَصِحُّ، مَجْهُولَةٌ فِي أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا فِي أَمْلَاكِ الْكُفَّارِ أَوْ فِي حُكْمِ أَمْلَاكِهِمْ فَجَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِيرَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَلَّنَا عَلَى الْقَلْعَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِجَعْلٍ مَجْهُولٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ أُجْرَةً لَمْ تُؤْخَذْ عَنِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إِجَارَةِ ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَأْخُوذَ هُنَاكَ عَنِ الْأَرْضِ إِلَّا أَنَّ الْأُجْرَةَ اخْتَلَفَتْ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ، فَالْمَنْفَعَةُ بِالْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا النَّخْلُ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ الدُّخُولَ فِيهَا لِمَا شَاهَدَهُ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ كَانَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ وَيَضْرِبُ وَيَحْبِسُ وَيَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: جَوَّزَ أَحْمَدُ إِصْدَاقَهَا، وَقَالَهُ جَدُّهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى نَفْعِهَا (وَتَجُوزُ إِجَارَتُهَا) لِأَنَّهَا مُؤَجَّرَةٌ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا، وَإِجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ جَائِزَةٌ، وَعَنْهُ: لَا، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ (وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهَا) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ: يَبِيعُ مِنْهُ وَيَحُجُّ؛ قَالَ: لَا أَدْرِي فَدَلَّ عَلَى التَّوَقُّفِ (وَأَجَازَ شِرَاءَهَا) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِنْقَاذِ. وَعَنْهُ: لِحَاجَتِهِ وَعِيَالِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَمْقُتُ السَّوَادَ، وَالْمَقَامُ فِيهِ كَالْمُضْطَرِّ يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا.
إِجَارَتُهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهَا، وَأَجَازَ شِرَاءَهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيَكُونُ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى نَقْلِ الْعَيْنِ مِنْ يَدٍ إِلَى أُخْرَى بِعِوَضٍ إِلَّا مَا كَانَ قَبْلَ سَنَةِ مِائَةٍ، أَوْ مِنْ إِقْطَاعِ عُمَرَ رضي الله عنه.
أَصْلٌ: إِذَا أَعْطَى الْإِمَامُ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ وَقَفَهَا فَقِيلَ: يَصِحُّ، وَفِي " النَّوَادِرِ " لَا، وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ مثل السواد. كَمَنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ، أَوْ عَلَى وَلَدِهِ لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا عَلَى مَا وَقَفَ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " إِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلِفَاتِ مَعَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا أَنَّ لِلْإِمَامِ الْبَيْعَ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رِبْعٍ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَدَارُ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الصَّحِيحِ «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (وَلَا إِجَارَتُهَا) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا «مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُهَا حَرَامٌ إِجَارَتُهَا» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ:«مَكَّةُ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ فَقَتَلَ مِنْهُمُ ابْنَ خَطَلٍ وَمَقِيسَ بْنَ صَبَابَةَ، وَلَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُ أَهْلِهَا، وَلَمْ تُقَسَّمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَصَارَتْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِ فَيُحْرِمَانِ كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ.
إِجَارَتُهَا، وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءِ عِدٍّ كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا لِقَوْلِهِ عليه السلام: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» وَإِذَا فُتِحَتْ صُلْحًا كَانَتْ مِلْكًا لِأَهْلِهَا فَجَازَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْبَيْعِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْهَدْيِ " فِيهِ، لِأَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَارَيْنِ بِمَكَّةَ إِحْدَاهُمَا: بِسِتِّينَ أَلْفًا، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِنْقَاذِ مَعَ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ وَجَعَلَهُ سِجْنًا.
يُؤَيِّدُهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ، وَعَلَى الْمَنْعِ إِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَعَنْهُ: بَلَى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ سَاقِطَةٌ يَحْرُمُ بَذْلُهَا، وروى أَنَّ سُفْيَانَ سَكَنَ بَعْضَ رِبَاعِ مَكَّةَ وَهَرَبَ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أُجْرَةً فَأَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهَا مِنْهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ فَتَبَسَّمَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعْجَبَهُ.
مَسْأَلَةٌ: الْحُرُمُ كَمَكَّةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءِ عِدٍّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ (كَمِيَاهِ الْعُيُونِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى أَنْ يُبَاعَ الْمَاءُ» ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا