الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِنْسَيْنِ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ.
فَصْلٌ
السَّابِعُ: أَنْ يُسَلَمَ فِي الذِّمَّةِ
، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ، لَمْ يَصِحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ فِي " التَّنْقِيحِ ": أَوْ ثَمَنَيْنِ فِي جِنْسٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُعَيَّنَ ثَمَنُ كُلِّ جِنْسٍ، وَقُدِّرَ كُلُّ ثَمَنٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا (لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ الْجِنْسَيْنِ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ مُفْرَدًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ قَبْلَ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُسْلَمَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، فَكَذَا هُنَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " الْجَوَازُ تَخْرِيجًا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمَا عَلَيْهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُخْتَلِفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ إِسْلَامُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إِلَّا أَنْ يُبَيَّنَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّمَنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذِ الرُّجُوعُ مُمْكِنٌ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ.
[السَّابِعُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الذِّمَّةِ]
فَصْلٌ (السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ) كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ ثَابِتَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلَفَ قَبْلَ أَوَانِ تَسْلِيمِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ مِكْيَالًا بِعَيْنِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى السَّلَمِ فِيهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ أَشْبَهَ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مَؤُونَةٌ وَجَبَ شَرْطُهُ، وَإِلَّا فَلَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ) ، وَالْبَحْرِ (فَيُشْتَرَطَ ذِكْرُهُ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَاشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ بالقول كَالْكَيْلِ.
ذِكْرُهُ، وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ كَانَ تَأْكِيدًا، وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ صَحَّ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِمَنْ هُوَ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ وَيُوَفَّى بِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إِلَيْهِ (وَ) يَجِبُ أَنْ (يَكُونَ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ)، نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُشَاحَحَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ وَلَهُ أَخْذُهُ فِي غَيْرِهِ إِنْ رَضِيَا فَلَوْ قَالَ: خُذْهُ، وَأُجْرَةُ حَمْلِهِ مِثْلُهُ إِلَى مَوْضِعِ الْوَفَاءِ، لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ الْقَاضِي: كَأَخْذِ بَدَلِ السَّلَمِ (فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ) أَيْ: فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، صَحَّ (وَكَانَ تَأْكِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَشْبَهَ شَرْطَ الْحُلُولِ فِي الثَّمَنِ (وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ، صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَصَحَّ شَرْطُ الْإِيفَاءِ مَكَانَهُ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) قَطَعَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ.
فَرْعٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فِي تَعْيِينِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَلَوْ قَالَ: هَذَا الَّذِي أَقْبَضْتَنِي، وَهُوَ مَعِيبٌ، فَأَنْكَرَ قُدِّمَ قَوْلُ الْقَابِضِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ «لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالطَّعَامِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ (وَلَا هِبَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا نَقْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ (وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . وَلِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ بَيْعٌ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَبَيْعِهِ لِغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا، أَوْ مَعْدُومًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ (وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَالسَّلَمُ بِعَرْضِيَّةِ الْفَسْخِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفَسْخِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى مَنْ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا أَحَالَ الْمُسْلَمُ بِمَا لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِمَا
ذِمَّتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ، وَتَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، أَوْ عِوَضَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، وَلَوْ بِرَأْسِ مَالٍ سُلِّمَ بَعْدَ فَسْخِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ) كَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، أَوْ فَرَغَتْ مُدَّتُهَا وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ (لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَبِيعُ الْأَبْعِرَةَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ، وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّرَاهِمَ وَبِالدَّرَاهِمِ، وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، وَغَيْرُهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَفِي بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَجْهَانِ، لَا رَأْسَ مَالَ سَلَمٍ بَعْدَ فَسْخِهِ فِي الْمَنْصُوصِ (بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبِضْ صَارَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهَذَا إِنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقِيلَ: بَلَى (وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ) أَيْ: لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، لأنه غير قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْهُمَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَذَكَرَهُ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " عَنْ صَاحِبِهِ كَدَيْنِ السَّلَمِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ "، وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ يَصِحُّ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ.
فَرْعٌ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ دَيْنٍ لِغَيْرِ غَرِيمٍ. وَنَقَلَ حَرْبٌ صِحَّتَهُ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَتَيْنِ فِيهِ، وَفِي بَيْعِهِ مِنْ (غَيْرِهِ وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي) دَيْنِ (السَّلَمِ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَرَفْعٌ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي جَوَازِهَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ مِنْهُ إِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا، وَإِلَّا صَحَّتِ الْإِقَالَةُ فِي كُلِّهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي كُلِّهِ، وَإِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا (وَتَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَكُلُّ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ جَازَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ فِي
فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، وَإِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوَ غَيْرِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنِ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جَنْسِهِ فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْبَعْضِ كَالْإِبْرَاءِ، وَالْإِنْظَارِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ، وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، لِأَنَّ السَّلَمَ يَقِلُّ فِيهِ الثَّمَنُ مِنْ أَجْلِ التَّأْجِيلِ، فَإِذَا فُسِخَ فِي الْبَعْضِ بَقِيَ الْبَعْضُ بِالْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ وَبِمَنْفَعَتِهِ الْجُزْءُ الَّذِي فُسِخَ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ (إِذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ) إِنْ كَانَ مَوْجُودًا (أَوْ عِوَضَهُ) إِنْ كَانَ مَعْدُومًا (فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ) ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبِضْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ يَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ بِقَدْرِ السَّلَمِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالسَّلَفِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالْأَشْهُرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (وَإِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنِ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) . قَالَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «مِنْ أَسْلَمِ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» . وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقَرْضِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ بَعْدَ فَسْخِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ثَمَنًا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَخْذُ النَّوْعِ مِنَ النَّوْعِ فِي السَّلَمِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَأَنْ يَجُوزَ أَخْذُ النَّوْعِ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ حَوَالَةٌ بِهِ، وَالْحَوَالَةُ بِالسَّلَمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ (وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا فِي " الشَّرْحِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ أَشْبَهَ قَبْضَ وَكِيلِهِ
وَجْهَيْنِ وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنِ اكْتَالَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْكِيَالِ وَسَلَّمَهُ إِلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ، صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا، وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَكَمَا لَوْ نَوَى الْمَأْمُورُ الْقَبْضَ لِلْآمِرِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ نَائِبًا لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَعَلَيْهِ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ إِلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: احْضُرْ كَيْلَهُ لِأَقْبِضَهُ لَكَ فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلثَّانِي، وَهَلْ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
أولهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ وُجِدَ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الْقَبْضَ لِنَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ لِلْآخَرِ، صَحَّ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ أَقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ، صَحَّ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ فِي قَبْضِهِ لَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ لِمُوكِّلِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ، فَلَوْ قَالَ الْآمِرُ: أَحْضِرْنَا حَتَّى أَكَتَالَهُ لِنَفْسِي، ثُمَّ تَكْتَالَهُ أَنْتَ وَفَعَلَا، صَحَّ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا الْجَوَازُ وَبِهِ جَزَمَ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ عَلِمَهُ وَشَاهَدَ كَيْلَهُ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ كَيْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ» . أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا (وَإِنِ اكْتَالَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمِيكَالِ وَسَلَّمَهُ إِلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ، صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدِ اكْتَالَهُ حَقِيقَةً، وَالثَّانِي حَصَلَ لَهُ اسْتِمْرَارُ الْكَيْلِ وَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، كَمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ زِيَادَةٌ بِابْتِدَائِهِ، فَلَا مَعْنَى لَهُ (وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ)، وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ (جُزَافًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) : أَيْ: قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ (فِي قَدْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِكَيْلِهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلزَّائِدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَدُهُ عَلَى الْبَاقِي قِيلَ: يَدُ أَمَانَةٍ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ
جُزَافًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ، وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَبَضَهُ عَلَى أَنَّ عِوَضُ عُمَّالِهِ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ عَيْنًا، وَقَالَ: خُذْ حَقَّكَ مِنْهَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا، وَلَا يَضْمَنُهَا بِتَلَفِهَا (وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَلَطِ، وَالْآخَرُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِكَيْلِ مَا قَبَضَهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ غَيْرَ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " كَغَيْرِهِ، وَقَيَّدَهُ إِذَا ادَّعَى مَا يُغْلَطُ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَوْ وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِهِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ.
فَرْعٌ: مَنْ قَبَضَ دَيْنَهُ، ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ، ضَمَنَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالٍ غَيْرِهِ لَمْ يُبَادِرْ إِلَى إِيجَابِ ضَمَانِهِ حَتَّى يُفَسِّرَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ وَمَنْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عَنْهُ، أَوْ صَرْفِهِ، أَوِ الْمُضَارَبَةِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَبْرَأُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَفِي " النِّهَايَةِ " عَلَى قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا إِنْ عَزَلَهُ وَضَارَبَ بِهِ (وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا وَنَقَلَهَا الْمَرْوَزِيُّ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وابن عبدوس وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، إِذْ وَضْعُ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنَ الْغَرِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَلَا مِنْ ذِمَّةِ الضَّامِنِ حِذَارًا مِنْ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي " لَا يَصْرِفُهُ " رَاجِعٌ إِلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَيُسْلِمُهُ وَيَشْتَرِيهِ الضَّامِنُ وَيُسْلِمُهُ لِئَلَّا يَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] إِلَى قَوْلِهِ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَابْنُ عُمَرَ: السَّلَمُ مُرَادٌ مِنْهَا وَدَاخِلٌ فِيهَا فَهِيَ كَالنَّصِّ فِيهِ، وَالْكَفِيلُ كَالرَّهْنِ بِجَامِعِ الْوَثِيقَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْعِ فَجَازَ التَّوْثِقَةُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَحِكَايَتُهُ عَنْهُمَا فِي " الْمُغْنِي " الْكَرَاهَةُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُمَا، فَعَلَيْهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ، وَإِنْ