الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقَرْضِ
وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ والْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
زَالَ الْعَقْدُ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَالضَّمَانُ، وَعَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعِوَضٍ، وَيَكُونُ كَبَقِيَّةِ الرُّهُونِ تُلْزَمُ بِالْقَبْضِ، أَوْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا عَلَى رِوَايَةٍ وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْ، وَلَمْ يَقْبِضْ فَلِلْمُسْلِمِ الْفَسْخُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ جَارٍ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ.
[بَابُ الْقَرْضِ]
[تَعْرِيفُ القرض وَحُكْمُهُ]
بَابُ الْقَرْضِ
الْقَرْضُ: مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ إِذَا قَطَعَهُ، وَالْقَرْضُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمِقْرَاضُ، وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ إِلَى الْغَيْرِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَيَرُدَّ بَدَلَهُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَثْنًى عَنْ قِيَاسِ الْمُعَاوَضَاتِ لِمَصْلَحَةٍ لَاحَظَهَا الشَّارِعُ رِفْقًا بِالْمَحَاوِيجِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَةٍ مَرَّةً» . وَرَوَى أَبُو رَافِعٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا» . وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؛! قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضَ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْأَوَّلَ. وَأَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ (وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ) وَاحِدُهُ مَرْفِقٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ مَا ارْتَفَقْتَ بِهِ، وَانْتَفَعْتَ (والْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا) فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ
وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا إِلَّا بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ، ثُمَّ يَرُدَّانِ، ثُمَّ أُقْرِضُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيجًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَضَاءً لِحَاجَتِهِ فَكَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ كَالصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ سُئِلَ، فَلَمْ يُعظِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مُبَاحٌ لِلْمُقْتَرِضِ، وَلَيْسَ مَكْرُوهًا.
قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ الْقَرْضُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: لَا يُكْرَهُ لِفِعْلِهِ عليه السلام، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَلْيُعْلِمِ الْمُقْرِضَ بِحَالِهِ، وَلَا يَغُرُّهُ مِنْ نَفْسِهِ، إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَتَعَذَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ إِذَا اقْتَرَضَ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِحَالِهِ لَمْ يُعْجِبْنِي قَالَ: وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ بِجَاهِهِ لِإِخْوَانِهِ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَالْبَيْعِ وَحُكْمُهُ فِي الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، كَمَا سَبَقَ وَيَصِحُّ بِلَفْظِهِ وَبِلَفْظِ السَّلَفِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِمَا وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا نَحْوَ مَلَّكْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ، أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ هِبَةٌ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ قَوْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) مَكِيلًا كَانَ، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ غَيْرَهُمَا؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام اسْتَسْلَفَ بَكْرًا» ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ سَلَمًا يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَيُضْبَطُ بِالْوَصْفِ فَجَازَ قَرْضُهُ كَالْمَكِيلِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ لِكَوْنِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةُ سَلَمًا كَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ وَكَقَرْضِ الْمَنَافِعِ (إِلَّا بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا أَمَّا بَنُو آدَمَ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ قَرْضَهُمْ فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ، فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهُمْ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي،
اسْتِرْجَاعَهُ وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ وَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّبْ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ، وَلَا هُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يَقْتَرِضَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا وَيَحْتَمِلُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، فَيَصِحُّ قَرْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْمُزَنِيِّ، لِأَنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا، فَصَحَّ قَرْضُهُ كَسَائِرِ الْبَهَائِمِ، وَقِيلَ: قَرْضُ الْعَبْدِ لَا الْأَمَةِ إِلَّا أَنْ يُقْرِضَهُنَّ مِنْ مَحَارِمِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَرْضِ ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ رَدِّهَا عَلَى الْمُقْرِضِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ كَالْمِلْكِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَقْدٌ نَاقِلٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَبْدُ، وَالْأَمَةُ، وَلَا نُسَلِّمُ ضَعْفَ الْمِلْكِ فِيهِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ زَمَنَ الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ وَنَحْوُهَا، فَلَا يَصِحُّ قَرْضُهَا فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ، فَلَا يُمْكِنُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَمُقْتَضَى الْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " كَالْمُقْنِعِ.
فَرْعٌ: سَأَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ: عَيْنٌ بَيْنَ أَقْوَامٍ لَهُمْ نَوْبٌ فِي أَيَّامٍ يَقْتَرِضُ الْمَاءَ مِنْ نَبوةِ صَاحِبِ الْخَمِيسِ لِيَسْقِيَ بِهِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ قَالَ: إِذَا كَانَ مَحْدُودًا يَعْرِفُ كَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ، وَإِلَّا أَكْرَهُهُ (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقَدٌ يَقِفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ، فَوَقْفُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَيَتِمُّ بِالْقَبُولِ وَلَهُ الشِّرَاءُ بِهِ مِنْ مُقْرِضِهِ نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَفِي " الْفُرُوعِ " وَيَلْزَمُ مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ بِقَبْضِهِ، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ.
(فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ فِيهِ كَالْمَبِيعِ لِكَوْنِهِ أَزَالَ مُلْكَهُ عَنْهُ بِعِقْدٍ لَازِمٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ (وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ) أَيْ: فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا فَكَانَ لَهُ طَلَبُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ، أَوِ الْقِيمَةِ فَكَانَ حَالًّا كَالْإِتْلَافِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَقْرَضَهُ تَفَارِيق، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهَا جُمْلَةً كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَالٌّ وَكَالْبَيْعِ (وَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيْهِ) بِعَيْنِهِ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ
يَكُنْ فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةً فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَرْضِ وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا، وَفِيمَا سِوَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ كَالسَّلَمِ وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا اقْتَرَضَهُ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمِثْلِيِّ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا:(مَا لَمْ يَتَغَيَّبْ) كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ، أَوْ عَفِنَتْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ. الثَّانِي: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَكُنْ فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةً فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ) أَيْ: يَتْرُكُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَيْبِ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا (فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إِنْ جَرَى فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ (وَقْتَ الْقَرْضِ) سَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً، أَوِ اسْتَهْلَكَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ.
فَقَالَ: يُقَوِّمُهَا كَمْ تُسَاوِي يَوْمَ أَخْذِهَا، ثُمَّ يُعْطِيهِ وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا، وَقِيلَ: لَهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّ لَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ فَسَدَتْ وَتُرِكَتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهَا مَا دَامَتْ نَافِقَةً، فَلَمَّا فَسَدَتِ انْتَقَلَ إِلَى قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ عَدَمَ الْمِثْلَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ نَفَقَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَزِمَهُ أَخْذُهَا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فَلَهُ قِيمَتُهَا، وَقِيلَ: إِنْ رَخُصَتْ فَلَهُ الْقِيمَةُ، وَنَصُّهُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " - إِنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهَا إِذَا رَخُصَتْ.
تَنْبِيهٌ: الْمَغْشُوشَةُ، إِذْ خَرَمَهَا السُّلْطَانُ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إِذَا كَانَتْ ثَمَنًا، وَظَاهِرُ " الْفُرُوعِ " فِيهِ قَوْلَانِ: لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، أَوْ يَوْمَ فَسَدَتْ، وَإِنْ شَرَطَ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ، أَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ هُوَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ (وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ) إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ، وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ، فَكَذَا هُنَا مَعَ أَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ شَبَهًا بِالْقَرْضِ مِنِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَعْوَزَ
ذَلِكَ وَجْهَانِ وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمِثْلَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْوَازِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا) إِذَا قِيلَ بِجَوَازِ قَرْضِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَلَا مِثْلَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا (وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَجْهَانِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " أَحَدُهُمَا: يَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْإِتْلَافِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَرْضِ. والثَّانِي: يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ لِفِعْلِهِ عليه السلام، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي السَّلَمِ ثَبَتَ فِي الْقَرْضِ كَالْمِثْلِيِّ بِخِلَافِ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ أَخْصَرُ، وَلَا مُسَامِحَةَ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، لَكِنْ لَوِ اقْتَرَضَ خُبْزًا، أَوْ خَمِيرًا عَدَدًا وَرَدَّ عَدَدًا بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: لَا، كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ صَغِيرًا يَقْصِدُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَبِيرًا (وَيَثْبُتَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مَقْبُوضٌ أَشْبَهُ عِوَضَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا (حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُنِعَ فِيهِ مِنَ التَّفَاضُلِ فَمُنِعَ الْأَجَلُ فِيهِ كَالصَّرْفِ، إِذِ الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ، وَهُوَ عِدَةٌ وَتَبَرُّعٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْقَرْضُ حَالٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَأْجِيلُهُ.
وَذَكَرَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ عليه السلام: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٌّ كَالْقَرْضِ.
(وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ فِيهِ) ؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ، وَلِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّوَثُّقِ بِالْحَقِّ،