الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوَاب، وَأَن تكلّف الْجَواب عَمَّا لم يَقع تصنع أَو فِي مَعْنَاهُ، يتحرج الْخَائِف من الله من أدناه. ودعوة الْمُضْطَر لَهَا خُصُوصِيَّة بالإجابة، وَحَالَة الِاخْتِيَار تستغرب مَعهَا أَوْصَاف الْإِنَابَة.
فَهَذَا - وَالله أعلم - سر كَون البخارى رحمه الله سَاق الْفِقْه فِي التراجم سِيَاقَة المخلص للسنن الْمَحْضَة عَن المزاحم المستثير لفوائد الْأَحَادِيث من مكامنها، المستبين من إشارات ظواهرها مغازي بواطنها. فَجمع كِتَابه العلمين والخيرين الجمين. فحاز كِتَابه من السّنة جلالتها وَمن الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة سلالتها. وَهَذَا عوض ساعده عَلَيْهِ التَّوْفِيق، وَمذهب فِي التَّحْقِيق دَقِيق.
[تَرْجَمَة الإِمَام البُخَارِيّ]
وسأذكر من مناقبه الدَّالَّة على علو مقَامه مَا يُوجب التَّقْدِيم لكَلَامه، والاعتقاد فِي كَمَاله وَتَمَامه. ونستتبع ذَلِك ذكر نسبه ومولده ورحلته ووفاته مِمَّا اشْتَمَل عَلَيْهِ تَارِيخ الْخَطِيب رحمه الله وَقد حدّثنا بجملته وَالِدي رحمه الله القَاضِي الرئيس الْعدْل الثِّقَة الْأمين وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الشَّيْخ الصَّالح أبي عَليّ مَنْصُور بن أبي الْقَاسِم بن الْمُخْتَار بن أبي بكر بن عَليّ الجذامي الجروي رحمه الله وَرَحْمَة وَاسِعَة - قَالَ: حَدثنَا الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد - صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ الطاهرين - وَلم تتسع مُدَّة خَليفَة
فِي الْإِسْلَام كاتساع مدّته، وَكَانَت نَحوا من ثَمَان وَأَرْبَعين سنة، قَالَ - صلوَات الله عَلَيْهِ - حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْعِزّ عبد المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز الْبَغْدَادِيّ قَالَ: حَدثنَا الْخَطِيب الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ بتأريخه الْكَبِير سَمَاعا عَلَيْهِ وَبَعض مَا أوردناه مُخْتَصر اللَّفْظ وافي الْمَعْنى - إِن شَاءَ الله -.
قَالَ الْخَطِيب: " مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ البخارى الإِمَام فِي علم الحَدِيث صَاحب الْجَامِع الصَّحِيح والتأريخ، رَحل فِي طلب الْعلم إِلَى سَائِر الْأَمْصَار وَكتب بخراسان وَالْجِبَال وَالْعراق والحجاز وَالشَّام ومصر، وروى عَن خلق يَتَّسِع ذكرهم.
أخبرنَا أَبُو سعيد الْمَالِينِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَعْدَان البُخَارِيّ قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى جدّه بردزبه، وبردزبه مَجُوسِيّ مَاتَ عَلَيْهَا، وَكَانَ زراعاً، والمغيرة ابْنه أسلم على يَد يمَان وَالِي بُخَارى - وَكَانَ جعفياً - فنسب إِلَى من أسلم على يَدَيْهِ وَهُوَ أَيْضا مَوْلَاهُ.
وَقَالَ الْحُسَيْن البُخَارِيّ: رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل شَيخا نحيفاً معتدلاً، ولد يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة، وَتُوفِّي لَيْلَة السبت غرَّة شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين ومائتي، عَاشَ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا.
وَقيل لأبي عبد الله: كَيفَ كَانَ بدؤك فِي طلب الحَدِيث؟ قَالَ: ألهمت حفظه وَأَنا فِي الْكتاب، ولي عشر سِنِين تَقْديرا، ثمَّ اخْتلفت إِلَى الداخلي وَغَيره، وَقَالَ يَوْمًا فِيمَا يقْرَأ للنَّاس: سُفْيَان عَن أبي الزبير عَن إِبْرَاهِيم، فَقلت لَهُ: ارْجع إِلَى الأَصْل، فَدخل فَنظر فِيهِ ثمَّ خرج، فَقَالَ كَيفَ هُوَ يَا غُلَام؟ قلت: هُوَ الزبير عَن عدي عَن إِبْرَاهِيم، فَأخذ الْقَلَم مني وَأَصْلحهُ، وَقَالَ: صدقت. فَسئلَ البُخَارِيّ: ابْن كم كنت يؤمئذ؟ قَالَ إِحْدَى عشرَة سنة.
قَالَ: وحفظت كتب ابْن الْمُبَارك ووكيع وَأَنا ابْن سِتّ عشرَة سنة، وَخرجت إِلَى الْحَج، وجاورت فِي طلب الحَدِيث وصنفت التأريخ وَأَنا ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة عِنْد قبر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، وقلّ أَن يكون فِيهِ اسْم إلاّ وَله عِنْدِي قصَّة حققت بذكرها، وصنفته ثَلَاثَة مَرَّات.
وَقَالَ: أَبُو بكر الْمَدِينِيّ: كُنَّا يَوْمًا عِنْد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بنيسابور، والبخارى حَاضر، فَمر إِسْحَاق بِذكر عَطاء الكيخاراني فِي عد التَّابِعين، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: يَا أَبَا عبد الله ايش كيخاران؟ فَقَالَ قَرْيَة بِالْيمن، كَانَ مُعَاوِيَة بعث إِلَيْهَا أحد الصَّحَابَة، فَسمع عَطاء مِنْهُ حديثين: هَذَا أَحدهمَا فَقَالَ إِسْحَاق: كَأَنَّك شهِدت الْقَوْم.
وروى السعداني عَن بعض إخوانه أَن البُخَارِيّ قَالَ: أخرجت هَذَا الصَّحِيح من زهاء سِتّ مائَة ألف حَدِيث.
وَعَن البُخَارِيّ أَيْضا: مَا وضعت فِيهِ حَدِيثا حَتَّى اغْتَسَلت وَصليت رَكْعَتَيْنِ لكل حَدِيث قبل أَن أثْبته. وَعَن بعض الْمَشَايِخ أَن البُخَارِيّ دوّن تراجم كِتَابه فِي الرَّوْضَة يغْتَسل وَيُصلي لكل تَرْجَمَة.
وَقَالَ الْفربرِي: سمع كتاب البُخَارِيّ تسعون ألف رجل مَا بَقِي مِنْهُم غَيْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّد البخارى بخوارزم: رَأَيْت أَبَا عبد الله فِي الْمَنَام يمشي بأثر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتحَرَّى مَوَاضِع قَدَمَيْهِ.
وَقيل: إِن عَيْنَيْهِ ذهبتا فِي صغره، فدعَتْ أمه وابتهلت فرأت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام فَقَالَ لَهَا: قد ردّ الله على ابْنك بَصَره رَحْمَة لبكائك ودعائك، فَأصْبح يبصر.
وَعَن البُخَارِيّ: كتبت عَن ألف شيخ وَأكْثر، مَا عِنْدِي حَدِيث إِلَّا أحفظ إِسْنَاده.