الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعباداته فِي غَار حراء، فَلَمَّا ألهمه الله صدق الْهِجْرَة إِلَيْهِ، وَطلب وجد وجد، فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت بَدْء فَضله عَلَيْهِ باصطفائه وإنزال الْوَحْي عَلَيْهِ، مُضَافا إِلَى التأييد الإلهي والتوفيق الرباني الَّذِي هُوَ الأَصْل والمبدأ والمرجع والموئل. وَلَيْسَ على معنى مَا ردّه أهل السّنة على من اعْتقد أَن النُّبُوَّة مكتسبة، بل على معنى أَن النُّبُوَّة ومقدماتها ومتمماتها، كلٌّ فضل من عِنْد الله، فَهُوَ الَّذِي ألهم السُّؤَال وَأعْطى السؤل، وعلق الأمل وَبلغ المأمول، فَلهُ الْفضل أَولا وآخراً وظاهراً وَبَاطنا سبحانه وتعالى.
وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله ". وَهُوَ أمس بِالْمَقْصُودِ الَّذِي نبهنا عَلَيْهِ. وَذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث فِي
كتاب الْإِيمَان
، وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَنْهَا بقوله:" فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ " فأفهم ذَلِك أَن كل مَا هَاجر إِلَى شَيْء فَهجرَته إِلَيْهِ فَدخل فِي عُمُومه الْهِجْرَة إِلَى الله. وَمن عَادَته أَن يتْرك الِاسْتِدْلَال بِالظَّاهِرِ الْجَلِيّ، ويعدل إِلَى الرَّمْز الْخَفي. وَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثَال ذَلِك.
(2 -] كتاب الْإِيمَان [)
(1)
بَاب الدّين يسر وَقَوله [صلى الله عليه وسلم] : " أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة
".
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا
غَلبه، فسدّدوا وقاربوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بالغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة ".
قَالَ رضي الله عنه: إِن قَالَ قَائِل: أَيْن مَوضِع أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة، من الحَدِيث الَّذِي ذكره فِي الْبَاب؟
قيل لَهُ: إِن لفظ التَّرْجَمَة فِي الحَدِيث لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ، فَلَمَّا وَافقه حَدِيث الْبَاب بِمَعْنَاهُ، نبه عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة، يَعْنِي أَنه إِن فَاتَ صِحَة لَفظه، فَمَعْنَاه صَحِيح بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره مُسْندًا. ومقصوده من التَّرْجَمَة وحديثها التَّنْبِيه على أَن الدّين يَقع على الْأَعْمَال، لِأَن الَّذِي يَتَّصِف باليسر والشدة، إِنَّمَا هِيَ الْأَعْمَال دون التَّصْدِيق. وَقد فسّر الْأَعْمَال فِي الحَدِيث بالغدوة والروحة، وَشَيْء من الدلجة. وكنى بِهَذِهِ الفعلات عَن الْأَعْمَال فِي هَذِه الْأَوْقَات، كَقَوْلِه {أقِم الصلواة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} [هود: 114] .
وَقَالَ: " شَيْء من الدلجة " وَلم يقل: " والدلجة " لثقل عمل اللَّيْل، فندب إِلَى حظّ مِنْهُ، وَإِن قلّ، أَو لِأَن الدلجة سير اللَّيْل كُله، وَلَيْسَ الْقيام المحثوث عَلَيْهِ مستوعباً لِليْل، وَإِنَّمَا هُوَ أَخذ مِنْهُ على اخْتلَافهمْ فِي الْقدر الْمَأْخُوذ، وَالله أعلم.