الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(268 - (2)
بَاب تَأْوِيل قَوْله: {من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين) [النِّسَاء: 12] }
وَيذكر أَن النَّبِي _[صلى الله عليه وسلم]_ قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة. وَقَول الله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} [النِّسَاء: 58] فَإِذا
الْأَمَانَة أَحَق من تطوع الْوَصِيَّة. وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]-: لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يوصى العَبْد إِلَّا بِإِذن أَهله. وَقَالَ النَّبِي _[صلى الله عليه وسلم]_: " العَبْد رَاع فِي مَال سَيّده ".
فِيهِ حَكِيم " سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- فَأَعْطَانِي ثلثا. ثمَّ قَالَ لي: يَا حَكِيم إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة فَمن أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ. وَمن أَخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ. وَكَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع. وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى فَقلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أرزأ أحدا بعْدك شَيْئا حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بكر _ رضي الله عنه _ يَدْعُو حكيماً، ليعطيه الْعَطاء، فيأبى أَن يقبله مِنْهُ ثمَّ عمر _ رضي الله عنه _ دَعَاهُ ليعطيه فَأبى أَن يقبله. فَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين! إِنِّي أعرض عَلَيْهِ حَقه الَّذِي قسم الله لَهُ من هَذَا الفىء، فيأبى أَن يَأْخُذهُ، فَلم يرزأ حَكِيم أحدا من النَّاس بعد النَّبِي _[صلى الله عليه وسلم]_ حَتَّى توفّي.
فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رعيّته، وَالرجل رَاع فِي أَهله وَمَسْئُول عَن رَعيته _ حسبته أَنه قَالَ _ الرجل رَاع فِي مَال أَبِيه.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل: ترْجم على تَقْدِيم الدّين على الْوَصِيَّة، فَمَا وَجه ذكر حَدِيث العَبْد، وَحَدِيث حَكِيم.
قُلْنَا: أما حَدِيث العَبْد فَأصل ينْدَرج تَحْتَهُ مَقْصُود التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لما تعَارض فِي مَاله حَقه وَحقّ السَّيِّد، قدم الْأَقْوَى وَهُوَ حق السَّيِّد، وَجعل العَبْد مسئولاً عَنهُ مؤاخذاً بحفظه.
وَكَذَلِكَ حق الدّين لما عَارضه حق بِالْوَصِيَّةِ. وَالدّين وَاجِب وَالْوَصِيَّة تطّوع وَجب تَقْدِيمه.
أما حَدِيث حَكِيم فَيحْتَمل مطابقته وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّبِي -[صلى الله عليه وسلم]- زهده فِي قبُول الْعَطِيَّة. وَجعل يَد آخذها الْيَد السُّفْلى - تنفيراً عَن قبُولهَا. وَلم يرد مثل هَذَا فِي تقاضي الدّين. فَالْحَاصِل أَن قَابض الْوَصِيَّة يَده السُّفْلى. وقابض الدّين اسْتِيفَاء لحقه، إِمَّا أَن تكون يَده الْعليا لِأَنَّهُ المتفضل، وَإِمَّا أَن تكون يَده السُّفْلى. هَذَا أقل حاليه فتحقق تَقْدِيم الدّين على الْوَصِيَّة بذلك. وَالْوَجْه الآخر من الْمُطَابقَة ذكره الْمُهلب، وَهُوَ أَن عمر رضي الله عنه اجْتهد أَن يُوفيه حَقه فِي بَيت المَال، وَبَالغ فِي خلاصه من عهدته. وَهَذَا لَيْسَ دينا، وَلَكِن فِيهِ شُبْهَة بِالدّينِ لكَونه حَقًا فِي الْجُمْلَة. وَالْوَجْه الأول أقوى فِي مَقْصُود البُخَارِيّ عِنْد الفطن. وَالله أعلم.