الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد، فإن لكل علم موضوع ومنهج، وموضوع علم الاجتماع هو الفهم العلمي للمجتمع من خلال دراسة الظواهر والنظم الاجتماعية دراسة علمية، بتطبيق المنهج العلمي الذي يقوم على طرح الفروض وتحقيقها تحقيقًا واقعيًا عن طريق الأساليب التاريخية والإحصائية والتجريبية، ودراسة الحالة والمقارنة. كل هذا بهدف الوقوف على السنن الاجتماعية والتاريخية أو القوانين التي أودعها الله تاريخ الإنسان ومجتمعه. كما يذهب المشتغلون بفلسفة العلم والمناهج، فإن الهدف من فهم الظواهر فهمًا علميًّا، هو إمكانية التنبؤ بها تمهيدًا للتحكم فيها بإذن الله، وهذا يعني أن الهدف النهائي من العلم لا بد أن يكون تطبيقًا، فالفهم والتوصل إلى القوانين مرحلة نظرية توصل إلى ميدان التطبيق لصالح الإنسان ومجتمعه.
وإذا كانت محاولات وأساليب الفهم النظري متفقًا عليها في مجال العلوم الطبيعية بين العلماء، ويظهر الخلاف بينهم في حال التطبيق، فإن الأمر مختلف في العلوم الاجتماعية، حيث إن الخلاف لا يظهر فقط عند مرحلة التطبيق، وإنما يظهر كذلك عند محاولات وأساليب الفهم النظري، بل وفي أساليب المعالجة المنهجية ذاتها. ومن هنا نجد مدارس واتجاهات وتيارات كثيرة ومتصارعة ومتناقضة، مطروحة في تراث علم الاجتماع، أبرزها التيار الوظيفي أو تيار التوازن وتيار
الصراع أو التيار المادي الجدلي. ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية العربية، بحاجة إلى إعادة النظر في كل هذه التيارات المتصارعة التي ما زالت تدرس في جامعتنا، وإعادة النظر في فحصها من منظور نقدي، واستنادًا إلى الحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة، وإلى محاولات الفهم العلمي لواقعنا الاجتماعي من خلال دراسات واقعية هادفة وموجهة.
وقد تكفلت الشريعة الإسلامية بتقديم بناء متكامل للنظم الاجتماعية -أسرية واقتصادية وإدارية وعقابية وتربوية
…
إلخ، التي تحقق النمو الروحي والعقلي والأخلاقي والاجتماعي للإنسان، وترقى به إلى مرتبة الخلافة عن الله سبحانه وتعالى كما تحقق التقدم والنمو الاقتصادي والسياسي والعلمي والتكنولوجي للمجتمع الإسلامي، حتى تكتمل له أساليب القوة التي تمكنه من أداء رسالته الدينية القائمة على العدل والأخوة والمساواة، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. وهذه النظم الاجتماعية الإسلامية تختلف بشكل جوهري عن النظم الاجتماعية الوضعية -سواء التاريخية أو المعاصرة، في أن مصدرها هو الخالق البارىء المصور الذي خلق الإنسان بجانبيه الترابي والروحي السامي، كما خلق حاجاته وتطلعاته. وخلق المجتمع والتاريخ بسننهما. هذه النظم الاجتماعية الإسلامية المتضمنة في الشريعة المنظمة لشئون الإنسان وإشباع حاجاته - تجمع بين المثالية والواقعية، أو قل إنها تحقق الواقعية الأخلاقية بالمفهوم الإسلامي الكريم - وقد وجدت مجالها للتطبيق العملي خلال فترة دولة المدينة وعصر الرسول -صلي الله عليه وسلم- وعصر الخلفاء الراشدين من بعده وخلال العصور الإسلامية المزدهرة. وإذا كانت النظم الاجتماعية الوضعية المتصارعة والمتناقضة قد أدت إلى ضياع الإنسان وسقوطه، وإلى تعاقب الأزمات والمشكلات، فإن الحل الأساسي يكمن في تطبيق شريعة الله.
وقد حاولت في الجزء الأول من كتابي هذا أن أعرض لمفهوم النظم في علم الاجتماع وأساليب دراستها سوسيولوجيًا، وللأسس البنائية للمجتمع
الإسلامي. ثم عرضت بعد ذلك لثلاثة نظم إسلامية محورية وهي: نظام الأسرة، ونظام التربية، والنظام الاقتصادي، مرجئًا بقية النظم إلى الأجزاء التالية من هذا الكتاب.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
أبها في 19/ 1/ 1401هـ
الموافق 27/11/1980م
د. نبيل السمالوطي