الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- يتلو عليهم آياته.
ب- يزكيهم.
ج- يعلمهم الكتاب والحكمة.
الميدان الأول تلاوة الآيات
…
تلاوة الآيات: الميدان الأول:
وتتعدد معاني كلمة آية فقد وردت في القرآن الكريم بعدة معانٍ منها المعجزة، والعلامة، والبرهان والدليل على قدرة الله، والعبرة إلى جانب الآيات القرآنية. والهدف من تلاوة الآيات هو غرس الولاء للإسلام بين المتعلمين عقيدة وسلوكًا وإبراز شواهد الألوهية والربوبية، وغرس الاتجاهات الإيمانية. ومناهج تحقيق هذا الهدف الرجوع إلى معجزات الأنبياء وظواهر الغيب إلى جانب فهم القوانين التي تنظم الكون المادي وبناء الجسم الإنساني، ومجتمع الإنسان وتاريخه، والسنن التي تحكمها، وما يتوصلون إليه من علوم ومكتشفات {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] .
وقد كان التركيز الأول خلال العهد المكِّي على هذه القضية الإيمانية حيث كانت الآيات في ذلك العهد تركز على أمور العقيدة والألوهية والعبادة دون التعرض للتشريع أو تنظيم الحياة الاجتماعية، وعلاقات البشر وتفاعلاتهم الاجتماعية أو كيفية بناء الحياة الجماعية الإسلامية بوجه عام.
الميدان الثاني التزكية
…
التزكية: الميدان الثاني:
هذا عن ميدان تلاوة آيات الله البينات، أما عن ميدان التزكية وتعديل السلوك في الاتجاه الإسلامي الصحيح والتي يعبر عنها بكلمة "ويزكيهم" الواردة في الآية الكريمة السابقة، فإن كلمة التزكية في اللغة تعني الإصلاح والتطهير والتنمية، وزكاة المال تطهيره وتثميره وإنماؤه وتعني الزكاة -الطهارة والبركة- والتزكية في مجال السلوك هو انتزاع ما هو غير مطلوب ودعم ما
هو مرغوب، وهو يتضمن تنمية وبناء السلوك الفاضل، وإحداث تغير في السلوك غير المستقيم من أجل جعله سلوكًا مستقيمًا. والقرآن الكريم يقدم التزكية على التعليم في الآية الكريمة السابق الإشارة إليها، كما يتضح من السياق ويجعلها مقدمة له حيث تسهل العملية التعليمية وتدعمها قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] . وقال سبحانه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] .
ويستوجب الإسلام ابتعاد المسلم عن بيئة الكفر وعدم مخالطة الفسقة، وعلى المسلمين مخالفة غير المسلمين في كل مظاهر حياتهم. ويجب على الإنسان أن يقتنع بالمبادئ الإسلامية وأن تتحول هذه المبادئ عنده إلى عقيدة ثم يترجمها سلوكيًّا. وهناك ثلاث مراحل يمر بها الإنسان وهي:
الإسلام، ويتمثل في شهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا رسول الله.
ثم مرحلة الإيمان، وهي مرحلة أعمق حيث إنها تتصل بالاعتقاد اليقيني القلبي، وبالسلوك الظاهر معًا، فهو ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وأخيرًا مرحلة الإحسان، وهو تحقيق عبودية الإنسان الكاملة لله فكرًا واعتقادًا وسلوكًا، فهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ويعتمد المنهج الإسلامي في تنمية العقيدة الإسلامية على نوعين من الدراسات وهي:
أ- دراسات نظرية، حيث يتعرف المتعلم على معنى الإسلام والإيمان والإحسان من أجل بناء العقيدة في نفسه وتثبيتها، وبلوغ مرتبة العبودية الحقة لله سبحانه، تلك العبودية التي تحقق له الإيجابية والعزة
والشخصية القوية المتماسكة المتميزة الصالحة.
ب- الممارسات السلوكية العملية، بعد الاقتناع وتكوين الدوافع الإيمانية التي تثير السلوك وتوجهه من أجل إشباع هذا الدافع، وذلك بالجنة في هدف محدد يتمثل في الرغبة في رضا الله سبحانه والفوز بالجنة في الآخرة. ويقوم المنهج الإسلامي في استشارة الدوافع الإيمانية الصحيحة على أسلوبي الترغيب والترهيب، وهما من أنجح الأساليب التربوية في أي عصر بشرط أن يكون المضمون التربوي سويًّا.
ويركز الإسلام على مجموعة من الجوانب السلوكية التي من شأنها دعم العقيدة والدوافع الإيمانية في نفس الفرد أهمها: الحض على استمرار ذكر الله تعالى، الصلاة على النبي، وقراءة القرآن الكريم، الاستغفار، والصلاة والمشاركة في الممارسات الجماعية للشعائر، ومراعاة الصحبة الحسنة، والابتعاد عن مواطن الشبهات، والابتعاد عن مصادر الانحرافات أو كل ما يمكن أن يعرض للانحراف، ومجاهدة النفس {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] . وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] . ويتدرج منهج التربية الإسلامية في تنمية الرهبة والرغبة مراعيًا المستويات العقلية والنفسية ومراحل نمو الإنسان، وخصائص كل مرحلة جسميًّا وعقليًّا وانفعاليًّا واجتماعيًّا، وهو الأمر الذي أدركه أخيرًا علماء التربية والمشتغلون بالعلوم السلوكية مع أن الإسلام الحنيف سبق أن نبه إليه منذ 1400 سنة. ففي تنمية الرغبة يبدأ الإسلام في تنمية كراهية الفرد للرذيلة وكافة ألوان السلوك الانحرافي -طبقًا للمعايير الإسلامية الصادقة وليس طبقًا للمعايير الإحصائية أو غيرها من معايير خادعة- وتحذير الفرد من العواقب الوخيمة للمعاصي والانحرافات لما تجلبه من غضب الله وما يتبعه من عذاب وآلام سواء العاجلة أو الآجلة، إلى أن يصل الفرد إلى كراهية المعاصي والرذائل والنفور منها لقبحها وبشاعتها، وتنبثق هذه
الكراهية من التزام داخلي وهي ما نطلق عليها الدوافع الإيمانية التي تتكون عند الإنسان كثمرة للتربية. ونفس الأمر بالنسبة للطاعة، حيث تنمي في نفس الفرد حب الطاعات لما تجلبه على الإنسان من ثمار طيبة أسماها رضاء الله سبحانه، وما يستتبع ذلك من ثواب عاجل أو آجل، يقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30-32] .
ويحرص المنهج الإسلامي في التربية على الوصول بالإنسان إلى حب الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام وحب الإيمان، وهذا هو كمال التزكية وتتجلى هذه الخاصية السامية -الحب- في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] ، وقد أشار عليه السلام إلى أن الإيمان الحقيقي لا يتحقق حتى يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن ممن سواهما.
ولا تقتصر التزكية على ميادين النفس فقط ولكنها تمتد لتشمل جميع الأبعاد الإنسانية النفسية والعقلية والجسمية. وقد عرضنا مفهوم تزكية النفس، ونعرض الآن لجوانب تزكية العقل البشري ونوجزها فيما يلي:
1-
الدعوة إلى التفكير وإعمال العقل والنقد الذاتي بدلًا من الاقتصار على التبرير Rationalization غير الصادق. والمقصود بالتفكير التبريري تلك الحيلة النفسية اللاشعورية Defence Mechanism التي يلجأ إليها الإنسان للتخلص من أخطائه وانحرافاته وإلقائها على عوامل تبعد عن النفس. جاء القرآن الكريم ليؤكد مبدأ العلية Causality ودعا الناس إلى محاسبة النفس ومراقبة الله، قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُو
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] . {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} [الرعد: 11] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] .
2-
الدعوة لاستخدم العقل والتجريد بدلًا من التقليد الأعمي: والتقليد الذي عناه القرآن هو عدم استخدام العقل والتقليد الأعمي، وينعي القرآن على المقلدين الذين يقولون:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، ويستنكر القرآن الكريم تعطيل العقل والجمود والتحجر، ويدعو إلى التحرر من أوهام السلبية والانعزالية والتقليد، يقول تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 170-171] . والدين الإسلامي يوجه المؤمن لإعمال عقله لاكتشاف قوانين الكون أو السنن الكونية والسنن الاجتماعية التي تحكم حركة المجتمعات والسنن التاريخية التي تحكم تاريخ الإنسان، فهو دين انفتاح عقلي على الكون والمجتمع والتاريخ، لأن هذه المخلوقات كلها تشهد بوحدانية الله وربوبيته وألوهيته سبحانه.
3-
الدعوة إلى التفكير المنطقي العلمي الصحيح بدلًا من الظن والهوى: يرفض القرآن الكريم الاعتماد على الظن وينتقد أولئك الذين يتبعون الظن {إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى، أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} [النجم: 23-25]، ويقول تعالى في سورة:{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . كذلك يندد القرآن الكريم بأولئك الذين يتبعون هواهم دون هدى من الله،
يقول تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50] . ونهانا القرآن الكريم عن تبديد الطاقات التي وهبها لنا الله من سمع وبصر وعقل في أشياء زائفة، مع ضرورة استخدام العقل والتثبت من كل أمر قبل الاعتقاد فيه، يقول تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] ، ويوجهنا القرآن الكريم إلى عدم التسرع في اتخاذ القرارات وضرورة التحقق، قال تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] .
وينبهنا القرآن الكريم إلى ضرورة دراسة الأمور وأخذ رأي المتخصصين وأولي الأمر قبل إذاعتها ونشرها، ويعيب على المتسرعين تسرعهم، يقول تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .
4-
الدعوة إلى التفكير الجماعي بدلًا من التفكير الفردي: يحرص الإسلام على تحقيق الصالح العام، ولا شك أن تفكير المجموع خير من تفكير الفرد، والإسلام يدعو إلى التماسك والتكامل، يقول عليه السلام:"كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته" البخاري 1/160.
أما في مجال تزكية -تطهير السلوك وتعديله في الاتجاه الإسلامي- الجسم فإن ذلك يتضح في الميادين التالية:
1-
تلبية حاجات الجسم والاهتمام به في الإطار المشروع:
أحل الله للإنسان الطيبات واستوجب من الإنسان العناية بجسمه وإشباع رغباته فيما يرضي الله والابتعاد عن الخبائث وما يسبب له الأضرار.