المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الميدان الثاني التزكية - بناء المجتمع الإسلامي

[نبيل السمالوطي]

فهرس الكتاب

- ‌ال‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌فهرس

- ‌الفصل الأول: الأسس البنائية للمجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة بين المفهوم الإسلامي والمفاهيم المعارضة:

- ‌المفهوم القرآني للعقيدة:

- ‌الفكر الاجتماعي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ نفي الحرج

- ‌ قلة التكاليف

- ‌ التدرج في الأحكام

- ‌ مسايرة مصالح الناس

- ‌ تحقيق العدالة بين الناس

- ‌أهداف الشريعة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ تهذيب الإنسان بالعبادات

- ‌ إقامة العدل في الجماعة الإسلامية

- ‌المصلحة

- ‌مدخل

- ‌ مرتبة الضروريات:

- ‌ مرتبة الحاجيات:

- ‌ مرتبة التحسينات:

- ‌أسس العلاقات الاجتماعية الصالحة

- ‌العدل واجتناب الظلم

- ‌ طاعة أولياء الأمور في غير معصية:

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌ التخلق بالأخلاق الإسلامية:

- ‌التربية الإسلامية الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تربية تكاملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متوازية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية وعملية:

- ‌ التربية الإسلامية تجمع بين الفردية والجماعية:

- ‌ التربية الإسلامية تركز على تقوية جانب المراقبة لله:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تتسم بالعالمية والشمول:

- ‌ التربية الإسلامية محافظة ومجددة:

- ‌العلاقة بين العقيدة والشريعة

- ‌مدخل

- ‌ الجوانب السلوكية التي تحدد العلاقة بين الإنسان وربه

- ‌ الجوانب السلوكية الذاتية والاجتماعية

- ‌مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌تعريف النظام الاجتماعي:

- ‌خصائص النظم الاجتماعية

- ‌لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع

- ‌ يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك

- ‌التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات الاجتماعية

- ‌ النظام هو السلوك الاجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع

- ‌ أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد

- ‌ الترابط الوظيفي

- ‌ لكل نظام اجتماعي مجموعة من العناصر

- ‌أنواع النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ من حيث العمومية والخصوصية:

- ‌ من حيث الاستمرار والعرضية أو الوقتية في الحدوث:

- ‌ من حيث التلقائية والتقنين:

- ‌ من حيث المشروعية وعدم المشروعية:

- ‌ من حيث الهدف:

- ‌من حيث ما إذا كان النظام أساسي أو فرعى

- ‌ النظم الاختيارية والنظم الإجبارية

- ‌ يضيف بعض العلماء

- ‌أهداف النظم الاجتماعية:

- ‌تصنيف النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ النظم الاقتصادية والحكومية:

- ‌ النظام العائلي:

- ‌ نظام الدين:

- ‌ نظام التعبيرات الجمالية والعقلية والترويح:

- ‌أهمية دراسة النظم الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ تدخل النظم الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي

- ‌ تكشف النظم الاجتماعية للمجتمع عن أساليبَ لمواجهة حاجاته الجماعية

- ‌ تعد دراسة النظم الاجتماعية هي الأساس الأول للدراسة المقارنة بين المجتمعات

- ‌ تعد الدراسة العلمية للنظم الاجتماعية هي الأساس الأول لمواجهة المشكلات الاجتماعية

- ‌النظم وأوزانها داخل البناء الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التيار الماركسي الملحد

- ‌ التيار الديني أو القيمي

- ‌مصادر الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث: النظام العائلي

- ‌الأسرة

- ‌الأسرة أهميتها ووظائفها

- ‌أسس بناء الأسرة في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ التعرف:

- ‌ الرضا الكامل الذاتي من الطرفين

- ‌ الكفاءة:

- ‌ المهر:

- ‌الحقوق والواجبات الزوجية

- ‌نظام الأدوار والمراكز الاجتماعية داخل إطار العلاقات الأسرية

- ‌مدخل

- ‌ حقوق الزوجة على الزوج:

- ‌ حقوق الزوج على زوجته:

- ‌ حقوق الأولاد:

- ‌نظام المحرمات من النساء في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المحرمات بسبب القرابة

- ‌ المحرمات بسبب المصاهرة

- ‌ المحرمات بسبب الرضاعة:

- ‌نظام التحريم على سبيل التأقيت:

- ‌النظام الإسلامي في مواجهة الخلافات والمشكلات الأسرية:

- ‌النظام الإسلامي لإنهاء العلاقات الزوجية مع محاولات العلاج:

- ‌الإسلام وقضية تعدد الزوجات:

- ‌مصادر الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع: النظام التربوي

- ‌مقدمة

- ‌نماذج قرآنية للتربية:

- ‌نماذج من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام:

- ‌أهداف التربية الإسلامية:

- ‌ميادين التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الميدان الأول تلاوة الآيات

- ‌الميدان الثاني التزكية

- ‌الميدان الثالث تعليم الكتاب

- ‌الميدان الرابع تعليم الحكمة

- ‌أهم الأسس العامة التي تقوم عليها التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ التربية الإسلامية تحقق النمو المتكامل المتوازن لشخصية الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تحقق للإنسان التوازن:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فكرية وسلوكية وعملية معا:

- ‌تجمع التربية الإسلامية بين الطابع الفردى والاجتماعي معا

- ‌التربية الإسلامية تنشيء الفرد على مراقبة الله سبحانه

- ‌ التربية الإسلامية تحافظ على فطرة الإنسان النقية وتعلي غرائزه الفطرية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية عالمية منفتحة:

- ‌التربية الإسلامية تجمع بين المحافظة والتجديد

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ أسلوب القدوة الصالحة:

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب:

- ‌ أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

- ‌ أسلوب العقاب الفعلي:

- ‌ أسلوب القصة:

- ‌أسلوب التربية السلوكية باقتلاع العادات السيئة

- ‌ استخدام الأساليب الحسية:

- ‌ أسلوب النقاش والحوار

- ‌ أسلوب المحاولة والخطأ:

- ‌ أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف في مجال التعليم:

- ‌ توجيه طاقات الإنسان في مساراتها الصحيحة:

- ‌ أسلوب استثمار وقت الفراغ:

- ‌التربية الإسلامية وقضية الصحة النفسية

- ‌مدخل

- ‌ المعيار المثالي:

- ‌ المعيار الإحصائي:

- ‌ المعيار الحضاري:

- ‌ المعيار السيكولوجي أو الطبي النفسي:

- ‌ المعيار الإسلامي الصحيح:

- ‌مؤشرات الصحة النفسية بالمفهوم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الإيمان الكامل اليقيني بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

- ‌ التوافق الاجتماعي مع الغير:

- ‌ التوافق الذاتي:

- ‌ الشعور بالسموِّ والعزة والعلوِّ والقدرة على مواجهة الصعاب والأزمات

- ‌ الشعور بالرضا والسعادة:

- ‌ القدرة على العطاء والإنجاز والعمل:

- ‌مبادئ التعلم في النظرية التربوية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ الربط بين النظرية والتطبيق:

- ‌ مراعاة استعدادات المتعلم وقدرته الاستيعابية والإدراكية:

- ‌ تكوين الاتجاهات قبل الفهم واستيعاب المعلومات:

- ‌ تسهيل العملية التعليمية وتيسير حصولها:

- ‌التعزيز من خلال الاستفسار والمراجعة والمناقشة

- ‌مدخل

- ‌ التطور، سنة من سنن الحياة:

- ‌ التبصر في التراث وإعمال العقل وعدم التقليد الأعمي:

- ‌ الانفتاح العقلي على مختلف التجارب والخبرات البشرية

- ‌ التكامل بين العلم والإيمان:

- ‌ التكامل بين العقل والنقل أو الإيمان بالغيب ومنطق العلم:

- ‌ ضرورة أن يكون العلم موجهًا لما يرضي الله سبحانه:

- ‌ ضَرُورة العمل على نشر العلم وتعليم الناس:

- ‌ استمرارية التعلم وعدم تقيده بسن:

- ‌ إيجاد علاقة شخصية وطيدة بين المتعلم والمعلم:

- ‌نماذج من الآراء التربوية عند المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ المستوى الفردي

- ‌ المستوى الاجتماعي العام

- ‌ المستوى الإنساني

- ‌مصادر الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس: النظام الاقتصادي

- ‌مقدمة

- ‌المنظور الإسلامي للمال أو الثروة المادية:

- ‌أساليب تحصيل الثروة والأموال

- ‌مدخل

- ‌ التجارة:

- ‌ الزراعة:

- ‌ الصناعة:

- ‌دعوة الإسلام إلي الاستثمار

- ‌مدخل

- ‌ دعوة الإسلام إلى العمل:

- ‌ تحريم الاكتناز والاستغلال:

- ‌ تحريم الاستثمار الاستغلالي:

- ‌الأسس البنائية للاقتصاد الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الاتفاق مع الطبيعية البشرية

- ‌ تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة وبين دوافع الإنسان:

- ‌ الضوابط الاقتصادية:

- ‌ إطلاق الطاقات الاستثمارية وتشجيع النشاط الاقتصادي المنتج:

- ‌ الحيلولة دون التضخم المرضي للثروات الخاصة:

- ‌ المجتمع الإسلامي يقضي على الفقر ويعالج مشكلة الاحتياج:

- ‌نظام الملكية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌واجبات التملك

- ‌مدخل

- ‌ أداء الزكاة التي فرضها الله سبحانه:

- ‌ أداء واجبات التكافل الاجتماعي:

- ‌ضوابط الملكية الخاصة في الإسلام:

- ‌أساليب اكتساب الملكية

- ‌مدخل

- ‌ الكسب بالانتظار:

- ‌ العمل:

- ‌ المخاطرة:

- ‌ الزرع وإحياء الأرض الموات:

- ‌ العقود الناقلة للملكية:

- ‌ الميراث:

- ‌نظام المعاملات المالية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:

- ‌علاقات العمل في الإسلام:

- ‌الواقعية الاقتصادية في الإسلام -تكافؤ الفرص وتفاوت الثروات

- ‌العدالة الاقتصادية في الإسلام:

- ‌أسلوب مواجهة الإسلام للمشكلات الاقتصادية

- ‌مدخل

- ‌مواجهة الإسلام لمشكلة الفقر

- ‌مدخل

- ‌ بيت مال المسلمين

- ‌ الزكاة:

- ‌ النفقات الواجبة:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة التمايز والصراع الطبقي:

- ‌ مواجهة الإسلام لمشكلة البطالة:

- ‌تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمجتمع الإسلامي:

- ‌التوجيه الاقتصادي في الإسلام:

- ‌الوظائف الاقتصادية للدولة طبقا للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ حالات الاحتكار والاستغلال والإضرار:

- ‌ في حالة الربح الفاحش:

- ‌ في الحالات التي تستدعيها الضرورة:

- ‌مسئولية الدولة عن الأموال العامة:

- ‌مسئولية الدولة في مجال الضمان الاجتماعي ومعاونة الفئات المحتاجة

- ‌الملكية العامة في الإسلام وضوابطها

- ‌مدخل

- ‌ أرض الحمى:

- ‌ الأراضي الزراعية المفتوحة:

- ‌الفكر الاقتصادي في التراث الإسلامي:

- ‌مصادر الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح

- ‌مقدمة

- ‌التحديث وارتباطه بالتصنيع:

- ‌التحديث والتغير الاجتماعي

- ‌التحديث الحضاري: شروطه، نماذجه، معوقاته

- ‌اتجاهات دراسة التحديث في الدول النامية

- ‌تحديث البناء الاجتماعي-التحديث الفردي

- ‌التحديث وقضية الالتزام الجماهيري بقضايا المجتمع والتنمية

- ‌نماذج من المعوقات الاستراتيجية أمام تحديث الدول النامية

- ‌التحديث والتنمية

- ‌العلاقة بينهما ومداخل الدراسة

- ‌مدخل

- ‌البعد العقائدي أو الإيديولوجي

- ‌ بعد النظم الاجتماعية:

- ‌ البعد التنظيمي:

- ‌ البعد الثقافي:

- ‌ البعد النفسي:

- ‌ بُعْد الإمكانات المتاحة:

- ‌ بُعْد المناخ الدولي أو النسق العالمي:

- ‌نحو مدخل إسلامي للتنمية

- ‌مصادر الفصل السادس

الفصل: ‌الميدان الثاني التزكية

أ- يتلو عليهم آياته.

ب- يزكيهم.

ج- يعلمهم الكتاب والحكمة.

ص: 124

‌الميدان الأول تلاوة الآيات

تلاوة الآيات: الميدان الأول:

وتتعدد معاني كلمة آية فقد وردت في القرآن الكريم بعدة معانٍ منها المعجزة، والعلامة، والبرهان والدليل على قدرة الله، والعبرة إلى جانب الآيات القرآنية. والهدف من تلاوة الآيات هو غرس الولاء للإسلام بين المتعلمين عقيدة وسلوكًا وإبراز شواهد الألوهية والربوبية، وغرس الاتجاهات الإيمانية. ومناهج تحقيق هذا الهدف الرجوع إلى معجزات الأنبياء وظواهر الغيب إلى جانب فهم القوانين التي تنظم الكون المادي وبناء الجسم الإنساني، ومجتمع الإنسان وتاريخه، والسنن التي تحكمها، وما يتوصلون إليه من علوم ومكتشفات {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] .

وقد كان التركيز الأول خلال العهد المكِّي على هذه القضية الإيمانية حيث كانت الآيات في ذلك العهد تركز على أمور العقيدة والألوهية والعبادة دون التعرض للتشريع أو تنظيم الحياة الاجتماعية، وعلاقات البشر وتفاعلاتهم الاجتماعية أو كيفية بناء الحياة الجماعية الإسلامية بوجه عام.

ص: 124

‌الميدان الثاني التزكية

التزكية: الميدان الثاني:

هذا عن ميدان تلاوة آيات الله البينات، أما عن ميدان التزكية وتعديل السلوك في الاتجاه الإسلامي الصحيح والتي يعبر عنها بكلمة "ويزكيهم" الواردة في الآية الكريمة السابقة، فإن كلمة التزكية في اللغة تعني الإصلاح والتطهير والتنمية، وزكاة المال تطهيره وتثميره وإنماؤه وتعني الزكاة -الطهارة والبركة- والتزكية في مجال السلوك هو انتزاع ما هو غير مطلوب ودعم ما

ص: 124

هو مرغوب، وهو يتضمن تنمية وبناء السلوك الفاضل، وإحداث تغير في السلوك غير المستقيم من أجل جعله سلوكًا مستقيمًا. والقرآن الكريم يقدم التزكية على التعليم في الآية الكريمة السابق الإشارة إليها، كما يتضح من السياق ويجعلها مقدمة له حيث تسهل العملية التعليمية وتدعمها قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] . وقال سبحانه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] .

ويستوجب الإسلام ابتعاد المسلم عن بيئة الكفر وعدم مخالطة الفسقة، وعلى المسلمين مخالفة غير المسلمين في كل مظاهر حياتهم. ويجب على الإنسان أن يقتنع بالمبادئ الإسلامية وأن تتحول هذه المبادئ عنده إلى عقيدة ثم يترجمها سلوكيًّا. وهناك ثلاث مراحل يمر بها الإنسان وهي:

الإسلام، ويتمثل في شهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا رسول الله.

ثم مرحلة الإيمان، وهي مرحلة أعمق حيث إنها تتصل بالاعتقاد اليقيني القلبي، وبالسلوك الظاهر معًا، فهو ما وقر في القلب وصدقه العمل.

وأخيرًا مرحلة الإحسان، وهو تحقيق عبودية الإنسان الكاملة لله فكرًا واعتقادًا وسلوكًا، فهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ويعتمد المنهج الإسلامي في تنمية العقيدة الإسلامية على نوعين من الدراسات وهي:

أ- دراسات نظرية، حيث يتعرف المتعلم على معنى الإسلام والإيمان والإحسان من أجل بناء العقيدة في نفسه وتثبيتها، وبلوغ مرتبة العبودية الحقة لله سبحانه، تلك العبودية التي تحقق له الإيجابية والعزة

ص: 125

والشخصية القوية المتماسكة المتميزة الصالحة.

ب- الممارسات السلوكية العملية، بعد الاقتناع وتكوين الدوافع الإيمانية التي تثير السلوك وتوجهه من أجل إشباع هذا الدافع، وذلك بالجنة في هدف محدد يتمثل في الرغبة في رضا الله سبحانه والفوز بالجنة في الآخرة. ويقوم المنهج الإسلامي في استشارة الدوافع الإيمانية الصحيحة على أسلوبي الترغيب والترهيب، وهما من أنجح الأساليب التربوية في أي عصر بشرط أن يكون المضمون التربوي سويًّا.

ويركز الإسلام على مجموعة من الجوانب السلوكية التي من شأنها دعم العقيدة والدوافع الإيمانية في نفس الفرد أهمها: الحض على استمرار ذكر الله تعالى، الصلاة على النبي، وقراءة القرآن الكريم، الاستغفار، والصلاة والمشاركة في الممارسات الجماعية للشعائر، ومراعاة الصحبة الحسنة، والابتعاد عن مواطن الشبهات، والابتعاد عن مصادر الانحرافات أو كل ما يمكن أن يعرض للانحراف، ومجاهدة النفس {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] . وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] . ويتدرج منهج التربية الإسلامية في تنمية الرهبة والرغبة مراعيًا المستويات العقلية والنفسية ومراحل نمو الإنسان، وخصائص كل مرحلة جسميًّا وعقليًّا وانفعاليًّا واجتماعيًّا، وهو الأمر الذي أدركه أخيرًا علماء التربية والمشتغلون بالعلوم السلوكية مع أن الإسلام الحنيف سبق أن نبه إليه منذ 1400 سنة. ففي تنمية الرغبة يبدأ الإسلام في تنمية كراهية الفرد للرذيلة وكافة ألوان السلوك الانحرافي -طبقًا للمعايير الإسلامية الصادقة وليس طبقًا للمعايير الإحصائية أو غيرها من معايير خادعة- وتحذير الفرد من العواقب الوخيمة للمعاصي والانحرافات لما تجلبه من غضب الله وما يتبعه من عذاب وآلام سواء العاجلة أو الآجلة، إلى أن يصل الفرد إلى كراهية المعاصي والرذائل والنفور منها لقبحها وبشاعتها، وتنبثق هذه

ص: 126

الكراهية من التزام داخلي وهي ما نطلق عليها الدوافع الإيمانية التي تتكون عند الإنسان كثمرة للتربية. ونفس الأمر بالنسبة للطاعة، حيث تنمي في نفس الفرد حب الطاعات لما تجلبه على الإنسان من ثمار طيبة أسماها رضاء الله سبحانه، وما يستتبع ذلك من ثواب عاجل أو آجل، يقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30-32] .

ويحرص المنهج الإسلامي في التربية على الوصول بالإنسان إلى حب الله وحب الرسول عليه الصلاة والسلام وحب الإيمان، وهذا هو كمال التزكية وتتجلى هذه الخاصية السامية -الحب- في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] ، وقد أشار عليه السلام إلى أن الإيمان الحقيقي لا يتحقق حتى يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن ممن سواهما.

ولا تقتصر التزكية على ميادين النفس فقط ولكنها تمتد لتشمل جميع الأبعاد الإنسانية النفسية والعقلية والجسمية. وقد عرضنا مفهوم تزكية النفس، ونعرض الآن لجوانب تزكية العقل البشري ونوجزها فيما يلي:

1-

الدعوة إلى التفكير وإعمال العقل والنقد الذاتي بدلًا من الاقتصار على التبرير Rationalization غير الصادق. والمقصود بالتفكير التبريري تلك الحيلة النفسية اللاشعورية Defence Mechanism التي يلجأ إليها الإنسان للتخلص من أخطائه وانحرافاته وإلقائها على عوامل تبعد عن النفس. جاء القرآن الكريم ليؤكد مبدأ العلية Causality ودعا الناس إلى محاسبة النفس ومراقبة الله، قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُو

ص: 127

أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] . {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} [الرعد: 11] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] .

2-

الدعوة لاستخدم العقل والتجريد بدلًا من التقليد الأعمي: والتقليد الذي عناه القرآن هو عدم استخدام العقل والتقليد الأعمي، وينعي القرآن على المقلدين الذين يقولون:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، ويستنكر القرآن الكريم تعطيل العقل والجمود والتحجر، ويدعو إلى التحرر من أوهام السلبية والانعزالية والتقليد، يقول تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 170-171] . والدين الإسلامي يوجه المؤمن لإعمال عقله لاكتشاف قوانين الكون أو السنن الكونية والسنن الاجتماعية التي تحكم حركة المجتمعات والسنن التاريخية التي تحكم تاريخ الإنسان، فهو دين انفتاح عقلي على الكون والمجتمع والتاريخ، لأن هذه المخلوقات كلها تشهد بوحدانية الله وربوبيته وألوهيته سبحانه.

3-

الدعوة إلى التفكير المنطقي العلمي الصحيح بدلًا من الظن والهوى: يرفض القرآن الكريم الاعتماد على الظن وينتقد أولئك الذين يتبعون الظن {إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى، أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} [النجم: 23-25]، ويقول تعالى في سورة:{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . كذلك يندد القرآن الكريم بأولئك الذين يتبعون هواهم دون هدى من الله،

ص: 128

يقول تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50] . ونهانا القرآن الكريم عن تبديد الطاقات التي وهبها لنا الله من سمع وبصر وعقل في أشياء زائفة، مع ضرورة استخدام العقل والتثبت من كل أمر قبل الاعتقاد فيه، يقول تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] ، ويوجهنا القرآن الكريم إلى عدم التسرع في اتخاذ القرارات وضرورة التحقق، قال تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] .

وينبهنا القرآن الكريم إلى ضرورة دراسة الأمور وأخذ رأي المتخصصين وأولي الأمر قبل إذاعتها ونشرها، ويعيب على المتسرعين تسرعهم، يقول تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .

4-

الدعوة إلى التفكير الجماعي بدلًا من التفكير الفردي: يحرص الإسلام على تحقيق الصالح العام، ولا شك أن تفكير المجموع خير من تفكير الفرد، والإسلام يدعو إلى التماسك والتكامل، يقول عليه السلام:"كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته" البخاري 1/160.

أما في مجال تزكية -تطهير السلوك وتعديله في الاتجاه الإسلامي- الجسم فإن ذلك يتضح في الميادين التالية:

1-

تلبية حاجات الجسم والاهتمام به في الإطار المشروع:

أحل الله للإنسان الطيبات واستوجب من الإنسان العناية بجسمه وإشباع رغباته فيما يرضي الله والابتعاد عن الخبائث وما يسبب له الأضرار.

ص: 129