الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جاءت الآية الثالثة تحرم الربا المضاعف، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130] .
وقد حسمت الآية الرابعة قضية التحريم الكامل للربا قليله وكثيره وبشكل لا يقبل المناقشة حيث قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، ثم قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279] ، والأحاديث النبوية الصحيحة كثيرة في تحريم الربا تحريمًا قاطعًا.
نظام الزكاة: فلسفتها وأهدافها الاجتماعية:
الزكاة ركن أصيل من أركان الإسلام وهي إحدى أسس الاقتصاد الإسلامي الجوهرية، وقد ذكرت الزكاة في القرآن الكريم مقرونة بالصلاة التي هي عماد الدين في نحو ثلاثين موضعًا {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة} [النور: 56] ، ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} [لقمان: 4] ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة علامة لصدق الإسلام وانطباق أحكامه، كما جعل الامتناع عن آداء الزكاة من صفات المشركين. وقال عليه السلام: "أمرت أن أقاتل
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" رواه البخاري.
وتتسم الزكاة الإسلامية بعدة خصائص أهمها:
أولًا: أنها جانب من جوانب العبادة أو هي عبادة مالية يقصد بها المسلم التقرب إلى الله تعالى خالق الأكوان والأرض والإنسان والمالك الحقيقي لكل الأموال والثروات، أي: أن الإيمان والاحتساب مصاحبان لعملية الزكاة.
ثانيًا: تستهدف الزكاة الإسلامية تزكية وتطهير نفوس أصحاب الأموال من الشح والبخل والأثرة، وتذكرهم بحقوق الفقراء والمساكين في أموالهم وإشعارهم بالعدل والأخوة الإيمانية والإنسانية، وتستهدف من الجانب الآخر انتزاع الغل والحقد من نفوس الفقراء، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103] . وقال عليه السلام: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم". وهذا يعني أن الزكاة فريضة وهي تزكي نفوس الأغنياء والفقراء معًا وتحقق الألفة والأخوة والعلاقات الطيبة بين جميع أبناء المجتمع وتقضي على ظاهرة الفقر وما يصاحبه من حقد وصراع مدمر للجميع، هذا إلى جانب أن مخرج الزكاة يشعر أنه يؤديها التزامًا وليس إلزامًا، إيمانًا وليس قهرًا، وهذا هو ما يميزها عن الضرائب. ويدحض شبهة بعض المستشرقين المغرضين الذين يحاولون عقد مقارنة بين الزكاة والضرائب بالمفهوم الحديث مع أن الفارق شاسع بينهما، وأهم فارق أن الزكاة أساسي من أركان الإسلام لا يصح إسلام المرء إلا بأدائه، بعكس الضرائب التي تفرضها الدولة قهرًا وإلزامًا وبقوة القانون. والمسلم عندما يدفع الزكاة يقصد بهذا إرضاء الله سبحانه وتعالى ونيل عفوه وغفرانه وثوابه،
أما المواطن الذي يدفع الضرائب يقصد بهذا عدم الوقوع تحت طائلة القانون الوضعي والفرق شاسع بين الحالتين.
ثالثًا: للزكاة الإسلامية شروط وقواعد ومصارف محددة، فهي تؤخذ من الأغنياء ليستفيد منها الفقراء وأصحاب الحق كما يحددهم القرآن الكريم، بعكس الضرائب التي تؤخذ من المواطنين كي ينفق منها -في بعض الدول كالدول الشيوعية- على الدعايات الكاذبة وعلى بعض الأمور التي لا تحقق الصالح العام.
رابعًا: لا تقبل الزكاة الإسلامية إلا من مال طيب حصل على صاحبه من خلال أسلوب حلال. والزكاة حق للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء الذين يخرجونها بدون من ولا أذى، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] . وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة من أن تتصدق بما لا تأكل.
خامسًا: الزكاة تشريع إسلامي يحفظ للفرد استقلاله وحريته في العمل والكسب ويحفظ للمجتمع حقه على الفرد من المعونة والتضامن. وقد حدد الرسول عليه الصلاة والسلام مقدار الزكاة والأموال التي تجب فيها والنصاب الذي تجب فيه الزكاة وزمن وجوبها، وجعلها في أربعة أصناف من المال، وهي أكثر الأموال دورانًا بين الناس وهي: الزروع والثمار، وبهيمة الأنعام من إبل وبقر وغنم، والذهب والفضة، وأموال التجارة على اختلاف أنواعها. وقد أوجبها الإسلام مرة كل عام وجعل حول الزروع والثمار -أي زمن وجوبها- عند تمام نضجها. وهذا أمر يحقق العدل لأنه لو أوجبها مرة كل شهر لأضر بأصحاب الأموال، ولو أوجبها مرة في العمر لأضر بالمساكين. ومن عدالة الإسلام أنه فاوت بين المقادير الواجب إخراجها بحسب سعي أرباب الأموال في تحصيلها ومدى سهولة ذلك وصعوبته. وقد حدد القرآن الكريم مصارف الزكاة. وقد ظل القرآن الكريم في عهديه -المكي والمدني- يدفع المؤمنين بأساليب قوية إلى الإنفاق في
سبيل الله -سد حاجة الفقير وإقامة المصالح- دون تحديد للأنواع المالية التي منها ينفقون والمقادير التي لها ينفقون تاركًا هذا الأمر لتقدير المسلمين حسب شعورهم ودوافعهم الإيمانية وإحساسهم بالأخوة الدينية، قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] . ومرة أخرى يحدثنا القرآن عن تساؤل المؤمنين حلو الإنفاق قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] .
وبعد أن تركز المسلمون واتسع نطاق حياتهم بالهجرة إلى المدينة وصاروا جماعة متميزة لها منهجها الخاص في الحياة ولها هدفها التي تعمل له، وتهيأت في ظل ذلك نفوسهم لقبول التحديد، امتد بيان الرسول عليه السلام إلى هذا الجانب بالتنظيم والتحديد على الوجه الذي يهدف إلى صالح الفرد والجماعة حيث صارت الزكاة ركنا من أركان الدين وفريضة من فرائضه وقرنت بالصلاة وشهادة التوحيد، قال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، وقال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] . وقد كانت وصية الرسول عليه الصلاة والسلام عندما بعث واليًا على اليمن: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". وتدل التعاليم النبوية أن الزكاة في نظر الإسلام ليست إلا صرف بعض أموال الأمة -ممثلة في أغنيائهم- إلى الأمة نفسها ممثلة في فقرائها.
استخدم القرآن الكريم كلمة الأموال للتعبير بها عن كل ما يتملكه الإنسان ويتخذ وسيلة لعيشه وحفظ كيانه وقضاء مصالحه -وتشمل النقد والماشية والزرع وجميع أوجه الثروة- قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة