الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 110] . وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] . ويقول تعالى: {وَالمُؤمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71] . ويقول تعالى في شأن بني إسرائيل وسبب لعنتهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79] . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان" رواه مسلم.
رابعًا:
التخلق بالأخلاق الإسلامية:
والتي تقتضي من المسلم الإخلاص والتوبة المستمرة والاستغفار والصبر والصدق ومراقبة ربه في كل أعماله وعلاقاته واليقين بالله والتوكل عليه والاستقامة والمجاهدة وبر الوالدين، وصلة الأرحام وستر عورات المسلمين، والبعد عن البخل والشح، واستمرار ذكر الموت وقصر الأجل والتواضع، وخفض الجناح وهدم التكبر، وحسن الخلق والحلم والأناة، والرفق والعفو والإعراض عن الجاهلين، وحفظ السر والوفاء بالعهد وطلاقة الوجه عند اللقاء
…
إلخ.
وواضح أن مجتمعًا هذه سمات أبنائه لا بد وأن يكون أفضل مجتمع يحقق التكامل والتعاون، ويخلو من المشكلات الاجتماعية والانحرافات بشتى أنواعها. ويذهب العديد من علماء اجتماع اليوم مثل: روبرت ميرتون R. Merton أن العديد من أشكال الانحراف التي نشاهدها في مجتمعاتنا المعاصرة لا ترجع إلى الأفراد كأفراد، وإنما ترجع إلى طبيعة الثقافة السائدة*، وهو رأي يتفق معه عدد كبير من علماء الاجتماع
* قام ميرتون Merton بدراسة المجتمع الأمريكي ووجد أن أنواع الانحرافات هناك تتخذ خمسة =
المعاصرين، مثل: إدوين سوذرلاند E. Sutherland صاحب كتاب "جرائم الصفوة" في أمريكا White Collar Crimes وهذا يعني أن الانحراف عندما يسود مجتمعًا فإن هذا يشير إلى انحراف ثقافة Culture ذلك المجتمع، وثقافة المجتمع الإسلامي -بأسسها سابقة الذكر- ثقافة صحية تؤدي -وقد طبق ذلك تطبيقًا واقعيًا- إلى إيجاد مجتمع متكامل متكافل متعاون، وهو ما يفتقده الكثير من مجتمعات البشر اليوم. وبالنسبة للإخلاص وإحضار النية في جميع الأقوال والأعمال والأحوال البارزة والخفية، يقول تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] . وبالنسبة للتوبة فهي واجبة من كل ذنب، فإذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
الأول: أن يقلع الإنسان عن المعصية تمامًا.
الثاني: أن يندم على فعلها.
الثالث: أن يعقد العزم على ألا يعود إليها أبدًا.
فإذا كانت المعصية تتعلق بآدمي فيجب إلى جانب الشروط الثلاثة السابقة أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه رده إليه، وإن كان قذفًا ونحوه مكنه منه وطلب عفوه وهكذا. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم: 8] . وقال عليه السلام: "يا أيها
= أشكال هي:
أ- التمرد على الغايات المفضلة ثقافيا وعدم الاعتراف بها أو السعي لتحقيقها.
ب- محاولة تحقيق الغايات المفضلة ثقافيًا من خلال أساليب غير مشروعة.
ج- التمرد على كل من الغايات المفضلة ثقافيًّا ووسائل تحقيقها معًا.
د- الانسحاب من دنيا الواقع -بالإدمان والمخدرات- نتيجة الفشل في مسايرة الواقع والتوافق معه.
هـ- الامتثال المفرط أو المغالاة في الالتزام بالقواعد والإجراءات والمعايير لدرجة تحول الوسائل إلى غايات
…
والواقع أن هذه الدراسة صدرت عن المجتمع الأمريكي الذي يركز على الثراء والنجاح الاقتصادي فحسب مع إهمال الإنسان والعلاقات الإنسانية بين الناس، والثقافة الإسلامية المستندة إلى الكتاب والسنة تقيم مجتمعًا صالحًا لا تظهر داخله هذه الأنواع والانحرافات كما تتخذ الأساليب الوقائية التي تحول دون ظهورها أصلًا.
R. K. Merton Social Structure And Anomie -E- Sutherl، and White Collar Criminality.
الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة" رواه مسلم.
والمسلم يتخلق بالصبر وعدم الجزع، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] . وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الآية [البقرة: 155] كذلك فإن المسلم يتسم بالصدق، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن الني صلي الله عليه وسلم قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عن الله كذابًا" متفق عليه.
والمسلم يعلم أن الله يراقبه ولهذا يحسن كل اعماله ونياته، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5] . وقال تعالى: {يعلم خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] . والمؤمن يتقي الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب: 70] . وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق: 4] . والمؤمن متوكل على الله، يقول تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 11] . وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] . والمؤمن يسلك السلوك المستقيم في كل سلوكه وعلاقاته وتفكيره لأنه أمر بذلك، قال تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت} [هود: 112] . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30-32] . والمؤمن يستبق ويبادر إلى فعل الخيرات، يقول تعالى:
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} [البقرة: 148] .
ومن خصائص الشخصية الإسلامية الجهاد، قال تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه} [الحج: 78] . والمؤمن مقتصد في الطاعة، فمن رحمة الله بعباده أن رفع المشقة عنهم {طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1-2] . وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: 185] . والمؤمن متعاون مع غيره فيما يحقق الصالح العام وليس في الشر والانحراف، يقول تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . ويقول تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر] . والمؤمن يصدق النصيحة لغيره، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات: 10] . والمؤمن الحق يستر عورة أخيه، يقول تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19] . وقال عليه السلام: "لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" رواه مسلم.
والمسلم يسعى إلى قضاء حوائج إخوانه المسلمين، يقول تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [الحج: 77] . ويقول عليه السلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" متفق عليه. والمؤمن يسعى بالصلح بين الناس، يقول تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] .
وأكتفي بهذه الخصائص الأساسية التي يتسم بها المسلم في أخلاقه وسلوكه وعلاقاته بالآخرين، يتضح منها كيف أنها قادرة على إقامة مجتمع فاضل -ليس بالمعنى الطوبائي الذي تحدث عنه أفلاطون وكمبانلا وتوماس مور- وإنما بالمعنى الإسلامي الواقعي الذي تحقق في أرض الواقع وكان