الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونستطيع القول بأنه إذا كانت هناك مجموعة من الشروط الداخلية والخارجية الضرورية لتحقق التحديث داخل الدول النامية، فإنه على هذه الدول أن تعالج العديد من المشكلات الخطيرة من أجل نجاحها في تجربة التنمية وتحقيق أهدافها. ويذهب "لوير" بوصفه باحثًا غربيًّا إلى أن السلام في المستقبل مرهون بمدى قدرة الدول المتقدمة صناعيًّا والدول النامية على تفهم الموقف العالمي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وبمدى استعداد الدول المتقدمة صناعيًّا لتحمل مسئوليتها إزاء تنمية الدول الفقيرة والنامية. والواقع أن طبيعة هذه المسئولية ليست على درجة كبيرة من الوضوح، كما أن الدول المتقدمة صناعيًّا ليست صادقة النية في هذا الصدد. ولعل هذا هو سبب فشل العديد من المؤتمرات التي تعقد بين الدول النامية والدول المتقدمة صناعيًّا تحت عدة مسميات مثل، الشمال والجنوب، أو الشرق والغرب، أو الدول الغنية والدول الفقيرة.. ويؤكد كثير من المحللين -حتى في الغرب- على أن المستقبل ينذر بالخطر والمشكلات والفتن إذا استمرت الدول المتقدمة صناعيًّا في تبني نفس الاتجاهات القديمة إزاء الدول الفقيرة والنامية، تلك الاتجاهات التي تتمثل في الأقوال المستهلكة التالية "تستطيع أي دولة أن تحدث نفسها اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا إن هي أرادت وإذا كانت مستعدة للعمل من أجل هذا الهدف، وأن المشكلات الأساسية في الدول النامية، داخلية، اجتماعية وسيكولوجية.. وهذا يعني تجاهل الأبعاد والظروف الدولية الضاغطة وسوء نية الدول المتقدمة صناعيًّا الأمر الذي ينذر بالخطر حتى على مستقبل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل هذه الدول ذاتها.
التحديث والتنمية
العلاقة بينهما ومداخل الدراسة
مدخل
…
التحديث والتنمية:
العلاقة بينهما ومداخل الدراسة
طرحت العديد من التعريفات لمصطلح التحديث ولمضمونه كما رأينا والكثير منها متصارع نتيجة لتأثره بتوجهات إيديولوجية معينة ونفس الشيء بالنسبة لمفهوم التنمية. ويرجع الاختلاف والصراع -إلى جانب التوجيهات
الإيديولوجية للباحث- إلى طبيعة التنظيمات التي حاولت صياغة المفاهيم. وقد سبق لي في دراسات سابقة* عرض أهم هذه التنظيمات وأهم التعريفات المطروحة لكل من التحديث والتنمية. والاتجاهات المختلفة في تحديد هذه المفاهيم32. ويلاحظ أن الكثير من الدارسين لا يميزون بشكل واضح بين المفهومين. وقد عرضت تصورًا للتمييز بينهما على أساس أن التحديث يتمثل في تزايد قدرة الإنسان والمجتمع في التحكم في البيئة من خلال التقدم العلمي والتكنولوجي فالتحديث الاقتصادي يرتبط بزيادة الناتج والدخل القومي وتزايد استمتاع الإنسان وتيسير حياته المادية من خلال زيادة متوسط الدخل، ويرتبط التحديث الاجتماعي بالتقدم في التعليم وتزايد المتعلمين وحسن التوجيه التربوي والمهني، وتحسين الخدمات الصحية والاجتماعية وسيادة القيم الإيجابية نحو العلم والتجديد والتخطيط والتفكير العقلي والمنطقي وترشيد السلوك في ضوء الحقائق العلمية والمعارف اليقينية
…
ويتمثل التحديث السياسي في اهتمام الصفوات السياسية بأمور المجتمع وتحديثه وتطويره ويرتبط بالمشاركة الجماهيرية في قضايا المجتمع وتطويره، كما يرتبط بالسلوك السياسي والأخذ بنظام الشورى والتنظيمات السياسية والولاء السياسي لدولة موحدة لها سلطة مركزية ذات سيادة.. إلخ. وهذا يعني أن التحديث هو جعل المجتمع حديثًا، أما التنمية فهي كمفهوم لدى الباحث أشمل وأعم من التحديث، حيث تشمل التحديث -متضمنًا المبادئ والأساليب والمنجزات العلمية والتكنولوجية الحديثة من أجل تزايد سيطرة
* عرضت في كتاب علم اجتماع التنمية: دراسة في اجتماعيات العالم الثالث الصادر سنة 1974 والمعاد طبعة سنة 1978، 1981 عوامل ظهور قضية التنمية الاجتماعية الريفية في الفكر الاجتماعي والبدايات التاريخية لظهورها، ونشأة وتطور هذا المفهوم داخل الدوائر الاستعمارية، ونشأة وتطور هذا المفهوم داخل دوائر الأمم المتحدة، واتجاهات تحديد هذا المفهوم لدى علماء الاجتماع -المداخل المختلفة لتحديد هذا المفهوم- كالمدخل التربوي، ومدخل العملية، والمدخل الاقتصادي، والمدخل الإداري، والمدخل التكاملي. انظر: علم اجتماع التنمية -دار النهضة- بيروت 1981 الفصل الثاني.