الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: قضايا التحديث والتنمية في علم الاجتماع مع طرح مدخل إسلامي مقترح
مقدمة
برزت قضية التنمية لدى مجتمعات العالم الثالث بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية وبعد أن تحررت الكثير من الدول من الاستعمال تحررا سياسيا وعسكريا. وقد وجدت أن هذا التحرر لن يخرجها من دائرة الاستعمار والتبعية الفعلية إلا إذا تحررت اقتصاديا وأصبح اقتصادها قادرا على الاستقلال وعلى تهيئة مستويات معيشية مرضية لأبنائها، خاصة وأن هذه الفترة هي فترة نمو الاحتكاك الثقافي بين الدول النامية والمتقدمة صناعيا واقتصاديا وهي الفترة التي نمت فيه وسائل الاتصال بشكل مكثف وهي الفترة التي نمت فيها ما أطلق عليه ثورة التطلعات المتزايدة لدى شعوب الدول النامية التي تستهدف التخلص من الحرمان التاريخي الطويل1. والواقع أن هذه الشعوب عانت من الفقر والاستبعاد، ومن فقدان الأمل في عيشة إنسانية كريمة، ولم تعد قادرة على تحمل هذه الأوضاع أكثر من ذلك بعد المتغيرات التي ذكرت جانبا منها. وصار لديها تطلع على حد تعبير "روبرت لوير" R.lauer إلى الخبز والحرية A Passion For Bread and Freedom فقد زاد وعيهم -وخاصة وعي الصفوات الوطنية الحاكمة- إلى الهوة السحيقة التي تفصل بين مستويات المعيشة في الدول الفقيرة، ومثيلاتها من الدول الغنية المتخمة بالخيرات والتي يعيش أبناء المجتمعات النامية على فتات موائدها. وبرز التناقض أكثر إذا علمنا أن تلك المستويات المعيشية المتقدمة حققتها الدولة المتقدمة على حساب نهب موارد الدول المتخلفة وعلى حساب أسواقها وعلى حساب الأيدي العاملة فيها وعلى حساب استذلال أهلها. ولعل
التجسيد المأساوي لمشكلات التخلف في الدول النامية يتمثل في طائفة المنبوذين untouchables في الهند الذين كانوا يلتقطون القطع غير المهضومة من الحبوب داخل روث البهائم لأكلها سدا لرمقهم من الجوع، كما يتمثل في آلاف الأطفال في أمريكا اللاتينية -وفي أفريقيا الذين يموتون نتيجة لنقص المياه، وهنا كمئات الملايين في العالم الثالث الذين يتعرضون في كل لحظة للهلاك من المرض وسوء التغذية2. ويشير "روبرت لوير" R.lauer إلى أننا يمكننا إدراك أبعاد التباين وانعدام العدالة بين شعوب العالم من ضوء بعض المؤشرات الكمية لجوانب التقدم والتخلف. فإذا قسمنا دول لعالم إلى خمس مجموعات حسب مستواها من التنمية الاقتصادية والسياسية، نجد أن هناك تباينا ضخما بينهما من حيث استهلاك السلع والخدمات المقومة اقتصاديا valued goods and serveces وعلى سبيل المثال فإن متوسط الإنتاج الكلي لكل فرد يتراوح في هذه المجموعات بين 45 دولارا، 2577 دولارا في السنة، وقد وجد أن المتوسط في إحدى عشرة دولة تقليدية وصل إلى 56 دولارا للفرد، بينما وصل المتوسط في أعلى أربع عشرة دولة الاستهلاك الواسع 1330 دولارًا للفرد. وقد وصل متوسط المتعلمين للدول ذات المستوى الإنمائي المنخفض إلى 12.9% من مجموع الراشدين فوق سن الإلزام في حسن وصل إلى 98% بين أبناء الدول ذات أعلى مستوى إنمائي. وفي المجال الطبي نجد أن هناك طبيبا لكل 46073 مواطنا في الدول المنخفضة النمو، بينما تكون النسبة طبيبا لكل 85 مواطنا في الأربع عشرة دولة التي تمثل أعلى مستويات التنمية3.
ونتيجة للمعاناة المستمرة لدى أبناء الدول المتخلفة، والفروق الضخمة والمتزايدة كان هناك اتساع في المستويات المعيشية بينها وبين الدول الأكثر
* يشير "لوير" إلى أنه استعان في إيراد هذه البيانات بدراسة "برجت بردر" B.Berger بعنوان "مجتمعات في حالة تغير". societies in change الصادر سنة 1971 -والإحصاءات الواردة في هذا الكتاب تعبر عن الفترة من 1950-1960.