الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية
مدخل
…
الفصل الثاني: الدراسة السوسيولوجية للنظم الاجتماعية
مقدمة: حول مفهوم النظم الاجتماعية Social Institutions
تسير الحياة الاجتماعية في كل مجتمع بشكل منظم ومصطلح عليه اجتماعيًّا. فالإنسان عندما يريد أن يتعلم يسلك سلوكًا معينًا، وعندما يريد أن يحسن من مكانته الاجتماعية يسلك سلوكًا معينا. وهو عندما يريد أن يكون له دور سياسي أو اقتصادي معين يسلك سلوكًا معينًا. وعندما يريد أن يتزوج يسلك سلوكًا محددًا
…
إلخ. وهذا السلوك الاجتماعي الذي يقوم به الشخص يتصرف على أصوله ويستدمجه في ذاته بحيث يصبح جزءًا من بنائه الفكري والنفسي عن طريق عملية التربية أو التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة، ومختلف مؤسسات التربية في المجتمع. وعندما يسلك الإنسان نماذج السلوك السابق الإشارة إليها وغيرها، يخضع لمجموعة من الضوابط أو القواعد والمعايير المتفق عليها بين أبناء المجتمع. وبعض أنواع الاتفاق تحدث تلقائيًّا نتيجة للتاريخ المشترك الطويل مثل قواعد الخطبة أو العزاء أوالتهاني
…
إلخ. وبعضها يحدث بطريقة قانونية معتمدة مثل قواعد الالتحاق بالوظائف أو الترقي
…
إلخ. ومن المعروف أنه لا يمكن لمجتمع أن يستمر في الوجود ما لم يشبع حاجات الإنسان البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
فالإنسان بحاجة إلى الطعام والمأوى والأمن والجنس، وإلى الحصول على مكانة اجتماعية، وأن يكون موضع تقدير إلى أن يعبر عن نفسه، وأن يكون له دور في حياة الجماعة
…
إلخ. وعلى كل مجتمع أن يواجه هذه
الحاجات الإنسانية الضرورية. وهذه الأساليب هي ما نطلق عليها النظم الاجتماعية.
فالأساليب التي تنظم وتضبط لنا عملية الإنتاج والاستهلاك والتوزيع، والتي تشبع حاجة الإنسان إلى الماديات كالأكل والشرب والمسكن والتملك والحصول على أجر
…
هي ما نطلق عليه: النظام الاقتصادي. والأساليب التي تنظم وتضبط لنا عملية ممارسة الجنس وإنجاب الأطفال وتربيتهم، والعلاقة بين الأصهار وخطوات الخطبة والزواج وتبين لنا ما هو محلل ومحرم
…
إلخ. نطلق عليها نظام الأسرة
…
إلخ.
وبقول آخر، فإن النظم الاجتماعية هي نماذج السلوك والتفكير المقننة والمتفق عليها، والتي تستهدف أساسًا إشباع الدوافع والحاجات الجسمية والنفسية للإنسان. ومن أمثلة الحاجات النفسية، الحاجة إلى الأمن وإلى تقدير الذات والتعبير عنها. ومن أمثلة الحاجات الجسمية، الحاجة إلى الطعام والنوم والجنس
…
إلخ.
وإذا كانت الحاجات الإنسانية قليلة أو محدودة العدد، إلا أن وسائل إشباعها متعددة ومتغيرة ومختلفة من مجتمع لآخر، وتختلف داخل نفس المجتمع من فترة تاريخية لأخرى. فحاجة الإنسان إلى الطعام لا تتمثل في طريقة الحصول عليه، وإنما تمتد إلى نوعيته ووسائل طهوه ومواعيد تناوله ومع من وأساليب تناوله، إلى جانب مختلف الأساليب المعقدة لإنتاجه واستهلاكه وتوزيعه
…
إلخ. ومن الواضح أنه مع وحدة الحاجة الإنسانية، فإن أساليب إشباعها تختلف بساطة وتعقيدًا من مجتمع لآخر. كذلك الحال بالنسبة للدافع الجنسي، وهو دافع واحد بسيط إلا أنه يستتبع لإرضائه ظهور عدة أساليب متعددة للسلوك تحتلف من مجتمع لآخر، كالاختيار والرضى والخطبة والزواج والتحريم والتحليل والطلاق والبقاء
…
إلخ. هذه الأساليب المقننة للسلوك التي تخضع لقواعد هي محل اتفاق في المجتمع، وهي ما يطلق عليه النظم الاجتماعية.
ويجب ألا نعتقد أن كل الظواهر أو ما يحدث داخل المجتمع تعد أساليب أو ظواهر اجتماعية، فكل إنسان يأكل وينامُ ويشرب ويفكر ويتأمل
…
إلخ، ومن الواضح أن هذه ظواهر بيولوجية أو نفسية أو عقلية وليست اجتماعية، وهي حاجات يشبعها المجتمع بأساليب متفق عليها.
هذه الأساليب هي ما نطلق عليه الظواهر الاجتماعية. وقد حرص "دوركيم" على توضيح الخصائص الجوهرية التى تميز الظاهرة الاجتماعية. ويؤكد "دوركيم" أن فهم الظاهرة أو النظام الاجتماعي كالزواج أو الملكية أو الحكم.... إلخ، لا يمكن أن يتحقق بفصله عن المجتمع أو منفردًا. فالنظام الاجتماعي هو في واقع الأمر جزء من كل، هو ما تعارفنا على تسميته البناء الاجتماعي. ولهذا يجب فهم أي نظام في إطار الكل البنائي الذي يوجد فيه وفي أثناء أدائه لوظائفه داخل هذا الكل. وكي نفهم هذا المعنى يمكننا ضرب مثل من الحياة العضوية. فإذا ما رغب باحث في دراسة القلب -وهو عضو في الجسم الحرّ- يماثل النظام في المجتمع، فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بانتزاع القلب خارج الجسم لدراسته، وإنما عليه أن يدرسه داخل الجسم كجزء من كل يتفاعل مع غيره من الأعضاء ويؤدي وظيفة معينة. وعلى هذا فإن الشيء الذي يعطي الظاهرة قيمتها وأهميتها ومعناها في المجتمع بل ويجعل منها موضوعًا للدراسة العلمية، هو ارتباطها وتشابكها مع غيرها من الظواهر التي تؤلف نسقًا واحدًا متكاملًا نسميه -النظام الاجتماعي.
ونستنتج من هذا النظام الاجتماعي. أنه مجموعة نماذج من السلوك والعلاقات المتفق عليها والتي تخضع لمجموعة من القواعد والمعايير الجمعية، والتي تواجه حاجات الإنسان الأساسية. فالزواج والأسرة والملكية نظم اجتماعية يتضمن كل منها قواعد ومعايير معينة تحدد نوع السلوك والتصرفات التي يجب أن يتبعها الأشخاص الذين يدخلون أطرافًا في ذلك النظام. وغالبًا ما تنطبق هذه القواعد والمعايير على المجتمع كله بغض